لغة التندّر والفكاهة في الحرب الإعلامية على لبنان

 

 

د. أماني سعد ياسين

تطالعنا منذ مدة ليست بالقليلة وإن اردنا التحديد منذ سنوات قليلة والى الآن حملة من التندر والفكاهة اللبنانية الغير بريئة أبداً والتي تهاجم فئةً من الشعب اللبناني أو الأصح القول تهاجم تحديداً الفريق اللبناني المعادي والمناهض للهيمنة الأمريكية والصهيونية على بلدنا وفي المنطقة . ومن المعروف بالطبع  أنّ الشعب اللبناني يتميّز بروح فكاهية عالية حتى كثيراً ما كان  يقال أن المواطن اللبناني مرحٌ بطبعه وهو الذي يبادر بإلقاء  النكات والنوادر حول نفسه وذاته ومحيطه ووضعه المزري وكثيراً ما كنا نسمع أن المواطن اللبناني ما كان ليعيش في تلك الظروف الكالحة  والصعبة التي عاش فيها لسنوات طوال لو لم يكن بسبب هذه الروح الفكاهية المرحة التي يتمتع بها. إلا أنه من الضروري لفت النظر اليوم الى كمية وكيفية ونوعية وموضوع النوادر والنكت الفكاهية التي كانت تطلق مؤخراً والتي كان هدفها بشكلٍ خاص النيل من الجهة اللبنانية الوحيدة التي تقف حجر عثرة في وجه المشروع الصهيوأمريكي في لبنان وفي المنطقة . وقد تكرّر هذا الأمر في مواطن عديدة في السنوات الأخيرة وخصوصاً في السنتين الماضيتين حتى أنّه يمكن الجزم بأن هذه النوادر أو النكات الفكاهية هي قطعاً ليست بريئة المصدر بل هي هادفة وهدفها التأثير في الرأي العام اللبناني وفي القرار السياسي في البلد إضافةً إلى أنّها تقدّم خدمةً مجانيةً للمشروع الأمريكي الصهيوني في بلدنا والمنطقة هذا إن لم تكن نتيجة سعي هؤلاء . والأمثلة على ذلك كثيرة جداً  ليس أقلها التندّر المسيء و الذي وصل إلى حد التنمّر والإلغاء  الذي طال إحدى المتظاهرات من التيار الوطني الحرّ التي دافعت عن موقع رئاسة الجمهورية اللبنانية في المظاهرات الشهيرة بالقرب من القصر الجمهوري  منذ أكثر من عام وانتشرت النكات البذيئة حينها والأغنيات الهابطة المستهزئة بالمتظاهرة بشكلٍ غير مسبوق والذي يخالف طبيعة الشعب اللبناني الأصيل والطيب على مواقع التواصل الاجتماعي حتى لقد وصل الأمر  إلى حد التنمّر والهجوم الشخصي على المتظاهرة بقصد الإيذاء والتشهير . ولعل المقصود في ذلك الوقت من سياسة التنمّر والتندّر تلك هو إسكات الجهة المقابلة بل ومحاولة إسكات كل رأي مخالف وتحجيمه بالكامل لكي لا يجرؤ أحد من الناس على أن يدلي برأيه بحرية كاملة او بإبداء الرأي والدفاع عن قناعاته ومعتقداته وذلك من ضمن حملة إعلامية مخابراتية شرسة مدعومة من المخابرات الأميركية التي خصّصت لها المليارات من الدولارات طبقاً لاعتراف صريح من الإدارة الأمريكية ذاتها وفي مناسبات عديدة لمواجهة وتحجيم كل رأي مخالف لها في لبنان.  وبرأيي المتواضع لقد كانت  تلك الحملة ناجحة نوعاً ما وطبقاً للموازين الإعلامية في محاولتها تحجيم وتقزيم الرأي الآخر في الوطن  ومعروف منفذوها من أتباع الإدارة الأمريكية وأتباع المملكة السعودية الوهابية التي لا تريد للبنان أن يتعافى من جراحه أبداً . كذلك لا يمكن أن ننسى حفلة التندّر والتنمّر الكبيرة التي طالت تلك الفتاة المسالمة المحجبّة والمبتسمة دائماً وهي التي لم تفعل شيئاً أبداً إلا أنّها كانت إيجابية إلى حدٍّ كبير وتركت تأثيراً إيجابياً كبيراً على مجموعة كبيرة من اللبنانيين بطيبتها وبساطتها اللافتة والمثيرة للإعجاب وكيف يرضى عنها هؤلاء القوم المتآمرون مع سيدهم الأمريكي والصهيوني المتآمر على لبنان وخصوصاً أنها  قالت  من ضمن ما قالته أن الشعب اللبناني” شعبٌ لا يُهزم أبداً ! ” فاستفزّتهم بقولها ذاك وكأنّهم هم من يريدون للبنان ولشعبه الهزيمة والذلّ ، فكانت بالتالي موضوعاً دسماً على مائدة هؤلاء من الذئاب البشرية والعملاء المتآمرين ضد الوطن ومصلحة الوطن وتحولت الى مادة لحملة شرسة من الفكاهة الغير بريئة بالطبع  والتي وصلت أيضاً الى حد التنمّر  والاستهزاء بشخص هذه الفتاة وكذلك باللباس الذي تلبسه وهي العباءة السوداء التي هي شرف ورفعة لكل من تلبسها من النساء. وقد نسي هؤلاء ومن تبعهم عن جهل في خضم حملتهم المسعورة تلك أن سيدتنا مريم العذراء كانت من أوائل المحجّبات المحصّنات  وأنّ الحجاب هو حصن ورفعة لكل من تلبسه وليس مادةً للإستهزاء بل الاستهزاء يجب أن يكون  بحال العري الذي يتبعه بعض الشياطين من البشر لا العكس!

كما انتشرت لاحقاً النوادر والنكات الفكاهية التي تطال مقام رئاسة الجمهورية اللبنانية بين اللبنانيين ولقد انتشرت كالنار في الهشيم وبالتأكيد بفعل فاعلٍ من الداخل اللبناني حتى وصلت الى أصقاع المعمورة وحتى تجرّأ أحد الصحافيين الأجانب المدعو عماد الدين أديب وهو ليس بأديبٍ أبداً على التطاول على مقام رئاسة الجمهورية اللبنانية وهو طبعاً لا يتجرّأ أن يتطاول على موقع الرئاسة في بلده ولا في أيّ بلدٍ آخر!

وعلى تفس المنوال وفي الآونة الأخيرة طالعنا أيضاً ذلك الكم الهائل من النوادر الفكاهية ومحاولات التنمّر الغير برئ بالتأكيد تجاه فئة وطائفة كبيرة من اللبنانيين لا لشيء إلا لأنّها الطائفة الجنوبية التي عُرفت بمواجهتها ومقاومتها للكيان الغاصب لفلسطين وذلك عبر إطلاق النكات الفكاهية الكثيرة والمقصود منها حتماً الإساءة لهذه الطائفة الكريمة الصابرة وذلك لأدنى الأسباب وكلما تمّ الإعلان عن كشف محتكر للمازوت أو البنزين أو الدواء أو أي احتكار آخر ولو كان صغيراً من ضمن هذه الفئة من الناس وذلك بالرغم من كون هذه الطائفة تحديداً  تتبرأ من كل فاسد مفسد فور ثبوت فساده وهي الطائفة الوحيدة التي لا تغطّي أحداً من الفاسدين وهي التي تحثّ الجيش اللبناني دائماً على ملاحقة الفاسدين أينما كانوا وأينما حلّوا كما وتحثّ وتطالب القضاء اللبناني دائماً وعلى لسان قياداتها ومسؤوليها بالقيام بواجباته ومسؤولياته بإنزال أشد العقوبات على كل فاسدٍ يثبت فساده بغض النظر عن طائفته ومذهبه. ومن المعروف  أن الإحتكار ليس وقفاً على جهة دون أخرى في لبنان بل لقد توحّد التجار الجشعين من اللبنانيين ومن كل الطوائف والمذاهب اللبنانية للأسف الشديد كما لم يتوحدّوا في أي حالٍ وموقفٍ وزمانٍ من قبل وتسابقوا حتى لم يبقَ هناك  بقعة في لبنان لم يضبط فيه الجيش اللبناني تاجراً محتكراً أو فاسداً مفسداً على امتداد الوطن.

وهناك فرق كبير بين من هو فاسد ومحتكر من عامّة الناس وبين من هو فاسد ومحتكر وفي نفس الوقت تابع حزبي أو حتى قيادي حزبي كما هو حال القيادي الحزبي التابع لحزب القوات اللبنانية في زحلة والذي ضبطت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي الثلاثاء الماضي بحوزته أكثر من مليوني ليتر من مادة البنزين  موزعة على 38 خزاناً ممتلئاً ومخبّأً تحت الأرض مطموراً بطريقة احترافية في أرض مملوكة لصاحب محطات المحروقات ابراهيم صقر  وهو القيادي المنتمي  للقوات اللبنانية وقائدها جعجع لم يوقف بعد حملته السياسية المسعورة على جلب الوقود من دولة إيران الإسلامية الشقيقة لمصلحة كل اللبنانيين الذين يقفون يومياً ولساعات طويلة في ” طوابير الذلّ”  أمام محطات البنزين في لبنان.

فها هي الأيام تفضح هؤلاء  وتثبت بالدليل القاطع من يقف وراء احتكار البنزين وتهريبه  وحجبه عن اللبنانيين والمفارقة  العظمى والنادرة الأعظم  أنه ما انكفأ هؤلاء يطلقون شائعاتهم المسعورة ونوادرهم الممجوجة منذ أشهر طويلة والى الآن حول التهريب عبر الحدود  وهم كما تبيّن في الأمس القريب في طليعة المحتكرين والمهرّبين ولا يعنيهم أبداً أن يعاني الشعب اللبناني  من شحّ الوقود بل فليمت الشعب اللبناني كلّه برأي هؤلاء الفاسدين المفسدين في الأرض . إن هذه الكمية من البنزين التي تمّ ضبطها مطمورةً بطريقة احترافية ومخبّأة في أرض هذا القيادي المفسد والمحتكر لا يمكن منطقياً أن تكون لشخصٍ واحد وهي كمية تفوق كل ما تم ضبطه من وقود محتكَر طيلة المدة السابقة من قبل مخابرات الجيش وقوى الأمن الداخلي على كامل مساحة لبنان من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه بأضعاف كثيرة.  من هنا، يجب على الدولة اللبنانية المباشرة بالتحقيق الجدّي والمسؤول في هذه القضية الحسّاسة والبحث الفعلي عن المسؤولين الحزبيين الفاسدين الآخرين الذين هم وراء احتكار هذه المادة الحيوية والإتجار بها وحرمان الشعب اللبناني منها ولا يجب بأي حالٍ من الأحوال التهاون والتمييع في هذا التحقيق كما هو الحال في تحقيق انفجار مرفأ بيروت منذ أكثر من سنة وكذلك إنفجار التليل في عكار منذ أقل من شهر .

بعد هذه الفضيحة المدوية لهذا القيادي القواتي وبعد أشهر من الإشاعات والإفتراءات الموزعة يمنةً ويسرةً من قبل هؤلاء المغرضين المتآمرين، باتت الأمور  تتوضح أكثر فأكثر عن الجهات اللبنانية المدعومة أمريكاً وسعودياً والتي جلّ غايتها وهدفها هو إغراق لبنان في أتون الإفلاس والفوضى.

وهنا يتضح أكثر فأكثر من هي الجهة الفاسدة والمفسدة التي كانت وما زالت تعمل على إغراق البلد في الفوضى والفساد من دون حسيبٍ ولا رقيب وتستغل قوانين البلد لحماية أزلامها من المحتكرين والفاسدين  والتي تعمل أيضاً على ذرّ الرمال في العيون لحرف الرأي العام اللبناني عن فسادهم وإفسادهم  عبر إطلاق الإشاعات المغرضة و تعمية البصائر وإثارة النعرات الطائفية ليلاً ونهاراً والتهجّم على الآخرين  و اتهام الآخرين  بكل الوسائل والطرق المتاحة لديهم من إعلام مأجور ومنصات منحرفة وقد يكون من ضمن حملتهم تلك إطلاق النكات الفكاهية والنوادر المسيئة و الغير بريئة المصدر والتي تهدف للإساءة إلى طائفة معينة أو دين معيّن حيناً  وإلى حزب معيّن حيناً آخر ولو أنّه من نفس الطائفة والعقيدة ولكنه لا يسير في القطار الأمريكي وكذلك إثارة الفتن والبلبلة والنعرات الطائفية والحزبية عبر استهداف عقيدة تلك الطائفة أو عقلية ذلك الحزب واستغلال غباء البعض من الناس لنشر هذه النوادر المعروفة الأهداف والمصدر على مواقع التواصل الاجتماعي وهم يعرفون تماماً أن من أدب ومعرفة تلك الطائفة أو ذلك الحزب أو  الجماعة أن لا يرد على الإساءة بالمثل وخصوصاً أن المصدر معروف ومدان وهو نتيجة عمل غرف المخابرات الشيطانية الصهيوأمريكية التي تعمل على نشر الفوضى في كل مكان.

إنّ ما يميّز عمل  العدو الصهيوني ومن خلفه من إدارة أمريكية متنمّرة ومستعلية أنهم لا يتركون  طريقة أو سبيلاً إلا ويستغلّونه في سبيل تحقيق أهدافهم الشيطانية وهم إن أرادوا حرباً لم يكتفوا أبداً بأساليب الحرب التقليدية وخصوصاً بعدما ثبت فشلهم مراراً وتكراراً في حروبهم واعتداءاتهم المتكررة على لبنان والشعب اللبناني. وهذا ما دفع هؤلاء لإتباع طرق ملتوية لتنفيذ مشاريعهم في لبنان كما في المنطقة كلّها  فباتت الحرب الحالية تعتمد أساليب وطرق غير تقليدية وهكذا منذ سنوات ومنذ بدء ما سمي بال “ربيع العربي”  كان للعدو بصمته الكبيرة الواضحة في كل ما يجري في بلداننا وكان هناك تدخّلات خارجية واضحة  ومؤثّرة في لبنان كما في العديد من الدول العربية والإقليمية ولكن بأيدٍ داخلية وبمساعدة كبيرة من عملاء الداخل الفاسدين المفسدين وكثيراً ما كان هؤلاء يستغلون نقاط الضعف والتفسّخ في كل موطن وموقف وبيئة ويستغلون الانقسامات الداخلية في كل بلد كما كانوا يستغلّون اختلاف المذاهب والديانات والاختلافات الشخصية في المعاملات ما بين كل الفئات والأطراف في البلد الواحد. وليس خافياً على أحد  الطريقة اللبنانية في التندّر والفكاهة والتعبير الذي كان بريئاً وجميلاً فيما مضى وذلك  قبل أن يأتي هؤلاء من المأجورين ومن يدعمهم في الغرف المخابراتية السوداء ليستغلوا ذلك بأبشع الطرق وأدنأها.  إن ما هو معروف عن هؤلاء من الأعداء والطامعين أنّهم لا مكان  عندهم للصدفة أبداً  وأنهم لا يتركون ثغرةً كبيرةً كانت أو صغيرةً إلا ويعملون على استغلالها من أجل التأثير و النفاذ وصولاً إلى  هدم مجتمعاتنا من الداخل وعبر كل الطرق المتاحة.  فالحرب في منطقتنا الآن ليست تقليدية أبداً هذا وقد أثبت العدو فشله وعجزه في كل الحروب التقليدية الماضية، وعلى خلاف المتعارف فالحرب اليوم هي حرب ثقافية بامتياز تُدرس فيها كل الخيارات ومدى قدرة التأثير على  الآخر وكذلك قدرة التأثير على الرأي العام في البلد المراد محاربته وتهديمه من الداخل وذلك عبر التأثير في طريقة تفكير أبنائه وتوجيههم إلى حيث يريد العدو لهم أن يكونوا من غير مشقّةٍ منه ولا تعب والهدف تغيير ثقافة هؤلاء من خلال التأثير على الأفكار وتغيير المعتقدات وهدم القيم والمعتقدات وكسر هيبة كل ما هو جيد وجميل ومفيد في ذلك البلد وصولاً إلى تهديد وتهديم البلد من الداخل وبيد أبناء البلد أنفسهم.

ولغة الفكاهة والتندّر هي واحدة من الطرق التي أثبتت فعاليتها في التأثير والامتداد الجغرافي السريع والواسع في داخل المجتمع اللبناني، فكيف لا يكون إذن وسيلةً ناجعةً من وسائل العدو الكثيرة التي تؤدي الى تحقيق أهداف العدو الأولى بأن يكون له اليد الطولى في التأثير الفكري والثقافي وتأليب الرأي العام الداخلي ضد كل ما يعتبره “عدوّه الشرس”  في داخل هذا المجتمع أو ذاك ؟!

كاتبة لبنانية

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *