قد أظلكم شهر رمضان.. شهر كريم.. شهر مبارك.. حوى أنواع الفضائل وصنوف المكرمات:
فهو شهر الصيام: من صامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
وهو شهر القيام: فمن قامه إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه.
وهو شهر القرآن: شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن.
وهو شهر الجود: كان النبي أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان.
وهو شهر الجهاد والانتصارات: نصر الله فيه عباده المؤمنين في أعظم المواطن كيوم بدر وفتح مكة ويوم حطين وغيرها.
وفوق كل ذلك هو شهر الدعوات المستجابات: فيه يسمع النداء، ويستجاب الدعاء، ويحقق الرجاء.
سأل الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أقريب ربنا فنناجيه، أم بعيد فنناديه؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله: {وإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ۖ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ}(البقرة:186).
وقد وردت هذه الآية في سياق آيات الصيام لتدلل على أن العلاقة بين رمضان والدعاء علاقة وطيدة ومترابطة ومتلازمة.
فإذا كان الصيام من أعظم الطاعات، فإن الدعاء من أجل وأشرف العبادات؛ فإنه مخ العبادة.. بل هو العبادة ذاتها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الدعاء هو العبادة)(رواه أحمد)، وقال: (ليس شيء أكرم على الله من الدعاء)(رواه أحمد والترمذي وابن ماجه).
كما أن الدعاء في رمضان أدعى للقبول؛ إذ يجتمع في هذا الشهر من أسباب الإجابة ودواعيها ما لا يجتمع في غيره: من شرف الزمان، وشرف الصيام، وشرف الحال من الذل والإنكسار والافتقار إلى العزيز الغفار، لا سيما عند الفطر والعشرالأواخر وليلة القدر.
أكثروا من الدعاء
إنني من خلال هذه المقدمة أريد أن أقول لإخواني الصائمين: أكثروا من الدعاء، ومن سؤال الله جل في علاه.
أكثروا من دعاء الله وسؤاله؛ فإنه أمركم بالدعاء والسؤال، فقال سحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي}(غافر:60)، وقال: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}(الأعراف:55)، وقال: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}(غافر:14)، وقال: {وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(النساء:32).
أكثروا من الدعاء: فإن الله وعد الداعين بالإجابة، قال سبحانه وتعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أستجب لكم}، وقال: {إِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}(البقرة:186)، وقال: {أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ}(النمل:62)، وقال: {وادعوه خوفا وطمعا إن رحمت الله قريب من المحسنين}(الأعراف:56).
ولهذا كله وغيره كان عمر رضي الله عنه يقول: “إني لا أحمل هم الإجابة، ولكني أحمل هم السؤال”؛ لعلمه أنه حيث كان الدعاء فالإجابة معه.
ادعوا ربكم وأكثروا: فإنه سبحانه جواد كريم يحب الجود والكرم، وهو الذي ينادي علينا في كل ليلة حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ، يقولُ: (مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له؟ مَن يَسْأَلُنِي فأُعْطِيَهُ؟)(رواه البخاري).
ادعوا ربكم فإنه غني حميد: خزائنه ملأى لا تنفذ أبدا، ويده سحاء الليل والنهار لا تغيضها نفقة، (أرأيتم كم أنفق منذ خلق السموات والأرض؟.. فإنه لم يغض ما في يده)(صحيح الجامع).
وكيف يغيض ما في يده أو تفنى خزائنه وأمره بين الكاف والنون، إذا أراد شيئا فإنما يقول له كن فيكون؟
ادعوا ربكم وارفعوا أكفكم إليه: فإنه سبحانه حيي كريم، يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه ثم يردهما صفرا خائبتين أو خاويتن.
ادعوا ربكم: فإن الله يغضب على من لا يسأله ولا يدعوه، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(غافر:60)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من لم يسأل الله يغضب عليه)(رواه أحمد).
الله يغضب إن تركت سؤاله .. .. وبني آدم حين يسأل يغضب
ادعوا ربكم: فإن الداعي فائز في كل حال.. فعن أبي سعيد الخدري عن سيدنا النبي أنه قال: (ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا آتاه الله بها إحدى ثلاث خصال: إما أن يعجل له دعوته، أو يدخر له من الخير مثلها، أو يصرف عنه من الشر مثلها.. قال الصحابة: إذا نكثر.. قال: الله أكثر)(رواه أحمد وصححه الألباني).
أيها الصائمون
لقد حثكم النبي صلى الله عليه وسلم على كثرة الدعاء حال صيامكم وعند فطركم وفي جميع أوقاتكم، ورغبكم في ذلك حين أخبر أن دعوة الصائم مستجابة وأنها لا ترد.. وجاء في الحديث أنه قال: (ثلاث لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم)(صحيح الترمذي).
والله إن الإنسان ليعجب من عبد آتاه الله دعوة مستجابة ثم هو يفرط فيها، ويزهد أن يطلبها، ولا يسارع إليها.
عجيب والله أيها الصائم.. لماذا لا تدعو؟ بل لماذا لا تكثر من دعاء ربك؟
أما لك حاجات تريد أن يحققها الله لك؟ عمل جيد، وظيفة مرموقة، زوجة مواتية، ولد صالح يقر الله به عينك في الدنيا والآخرة.
أما لك زوجة تريد من الله أن يصلحها، أو ولد ترجو الله أن يهديه، أو أحد مريض تريد من الله أن يشفيه، أو قريب فقير تسأل الله أن يغنيه، أو صديق أو جار له حاجة تتمنى على الله أن يقضيها له؟
أما تحب أن يوسع الله رزقك، ويعافي لك بدنك، ويشرح لك صدرك، ويحط عنك وزرك، ويرفع بين العالمين ذكرك وقدرك، ويحفظك من شرور الدنيا والآخرة؟
ألست ترى حال المسلمين فتدعو ربك أن ينصرهم، وترى استعلاء الكافرين فتدعو ربك أن يقصمهم ويخذلهم، وان يصلح حال المسلمين ويبدل ما هم فيه من الذلة والخزي إلى العزة والتمكين والنصر؟
أما ترى تشتت المسلمين وتناحرهم وبأسهم الذي صار بينهم، فتسأل ربك أن يجمع شملهم، ويوحد صفهم، ويجمع كلمتهم، ويصلح حالهم؛ حتى ترفع عن الأمة غربة الإسلام والمسلمين؟
إذا لم يكن لك شيئ من هذا كله.. أما تحب أن يعتقك الله من النار، فإن لله تبارك وتعالى عند كل فطر وفي كل ليلة عتقاء من النار، فتسأل الله أن يجعلك ممن أعتقه من النار فلا تشقى بها أبدا.
يا أيها المسلمون .. يا أيها الصائمون
الزموا باب الدعاء، وأكثروا الطرق حتى يفتح لكم، فرب دعوة أورثت سعادة الأبد، وأزالت الهم والغم والحزن والكرب عن صاحبها.. ورب دعوة غفر الله بها ذنبا، أو رفع بها بلاء، أو منع بها قضاء؛ فإنه لا يرد القدر إلا الدعاء.
يا أيها الصائمون:
ارفعوا أكف الضراعة، وأكثروا من التذلل بين يدي الله.. واعلموا أن الموفق كل الموفق من وفقه الله للدعاء، وفتح له أبوابه، ويسر له أسبابه، ووجه له قلبه، وحرك به لسانه. وأن المخذول كل المخذول من صرف عن الدعاء وأعرض عنه كبرا، أو زهدا فيه، أو جهلا بقدره.
أكثروا من دعاء الله بقلوب حاضرة ضارعة، وفي أوقات الإجابة، عند الأذان، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، ودبر الصلوات، وعند السحر، ونزول المطر، وعند الإفطار، وحضور القلب.
وتخيروا من الأدعية أكملها وأجملها وأشملها، وهو ما دعا به النبي صلى الله عليه وسلم، ودعا به المرسلون، وما علمه النبي لأصحابه والمسلمين.
أكثروا من الدعاء وتذكروا دائما قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أستجب لكم إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}(غافر:60).
أسأل الله أن يحبب إلينا الدعاء، ويوفقنا إليه، ويتقبله منا مع الصيام والقيام وسائر الأعمال.. إنه سميع قريب مجيب.