نخطئ دائما عندما نجيب بأننا نجيد لغة واحدة أو أكثر من اللغات المكتوبة.. وننسى أن للعيون والقلوب، لغات حقيقة واضحة الكلمات والجمل، تقلل الثرثرة وتختصر الكثير من التنظير والتفسير.

  ففي عيون الأطفال نقرأ البراءة وفي الشباب التحدي وفي الكبار الوقار وفي العلماء الحكمة.. وتزيد مفرداتها بعدد ما رأينا من عيون وعايشنا من تجارب، فكل موقف له كلمته المختلفة عن الأخرى ولا تتشابه معه في أي حرف.. نستمتع بها عندما نقرأها مع من نحب ونتفادى التحدث بها مع من نكره. لغة حزينة في عيون المظلومين والمستضعفين، تثير الاشمئزاز في عيون المتكبرين والمنافقين، ومع أنها من أقدم اللغات التي نتعلمها منذ ميلادنا إلا أن كثيرين يتنكرون لها بمجرد أن تتعلم ألسنتهم الثرثرة فتسافر أعينهم إلى مكان وتتكلم أفواههم عن مكان آخر ولكن مهما حاولوا إخفاء مشاعرهم فإن العيون لا تكذب. اللغة الواضحة في عيون الفقراء تشير  للصبر وفي الأغنياء للتواضع وفي الجبناء للارتجاف وفي الأقوياء للثبات.. وأحيانا العكس. لا تخطئها الهيئة.. ولا يكدر صفوها إلا النفاق.. فبه تقلب معانيها ويشوش على المتعلم. فلا يفرق بين التقي والكاذب والجاهل والصادق. ومع هذه (القاعدة المخيفة) في قاموس لغة العيون. إلا أننا وللأسف نتمسك بمعرفتها متناسين مخاطر فساد قواعدها التي ستنهار على رؤوسنا في أي وقت، ولأننا بشر فكثيرا ما نتعلم منها بقدر ما يمسنا من مصائبها.. لذلك علينا إدخال لغات أخرى معها كي يكتمل وضوح المعنى.

   فهذه اللغة يتوقف عند حروفها كل محب يشترك فيها كل البشر ولا تحتاج لأي مهارات ولا تنسى بالبعد عنها أي كلمات حتى الموت يبقيها حية.. معروفة لكل من تكلم بها. لا يمكننا أن نتحكم بها بما فيها من قوة عجيبة..تتحدث بدون أوامرنا.. في الحب تنسينا أننا على الأرض. وفي الخوف نتمنى أن نكون تحت الأرض. وفي الغضب نكون مستعدين لسحق كل من على الأرض.. لغة جميلة بقدر من أحببنا في هذا العالم.. من لم يتعلمها بالحب فعليه أن يبحث له عن اسم يختلف عن أسماء البشر..وإذا تحرك قلب من يقرأ هذه الكلمات لأنه تذكر واحدا من أحبابه فهذه شهادة على مروره في امتحان هذه اللغة.. ويبقى النجاح هو في الوفاء لمن تعلمها ولم ينس حرفا من حروفها السهلة. حتى لو ضربته الأيام وشوشته اللغات. وهذه اللغة بآخر المطاف التي نلجأ إليها مرغمين عندما لا تجدي كل اللغات في توضيح رسالة فاصلة بين العدل والظلم والحق والغصب والحياة والموت هي (لغة العيون) .. لأن هناك من لا يفهم أي لغة غيرها.. فعلينا أن نكون مستعدين لأن نتحدث بها رغم حروفها العميقة وجملها البسيطة.. لكنها تحفظ للأرض ما بقي لها من صفاء عيون وبساطة حال وطهارة قلوب.

 الدكتور اياد الرياحي استشاري طب وجراحة العيون والمدير الطبي لمركز العيون الدولي www.eiadeyeclinic.com