الدكتور أوس نزار درويش
لماذا تخلف المسلمون من الناحية الفكرية في وقتنا الراهن سؤال يطرح بشكل كبير وواسع وهذا التخلف أدى إلى التراجع في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية لأن الفكر والتفكير السليم هو أساس كل شي والشعوب التي تطورت وتقدمت تطورت بداية من الناحية الفكرية.
بداية للإجابة على هذا السؤال والذي يشكل محور المقال نسأل أنفسنا هل الدين الإسلامي هو السبب في تخلف المسلمين والجواب بالطبع لا بل الجواب الصحيح هو ابتعاد المسلمين عن الدين الإسلامي الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم واتباعهم دينا وأديانا أخرى بالظاهر وبالشكل أسماؤها إسلامية ولكن في الموضوع لاعلاقة لها بالإسلام أبدا وأدلل على هذا بانتشار الطائفية المقيتة وبشكل كبير عند المسلمين وتفضيل غالبية المسلمين طوائفهم على دينهم الإسلامي الصحيح وعلى أوطانهم حتى ،فالطائفية هي مصطنع بشري ولاعلاقة له بالإسلام وهو يخالف الإسلام نفسه فالقرآن الكريم قد أكد على اتباع الدين الإسلامي الحنيف ونهى عن اتباع الطوائف المختلفة وهذا ماجاء في في الآيات 29و30و31من سورة الروم ،بسم الله الرحمن الرحيم(فأقم وجهك للدين حنيفا فطرت الله التي فطر الناس عليها لاتبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لايعلمون منيبين إليه واتقوه وأقيموا الصلاة ولاتكونوا من المشركين من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا كل حزب بما لديهم فرحون ) صدق الله العظيم
ففي هذه الآية الكريمة يتم التأكيد من خلالها على اتباع الدين الإسلامي الحنيف وتم النهي من خلال الآية الكريمة على التفرقة بالدين وعدم تطييف الدين الإسلامي الحنيف ولكن للأسف المسلمون عملوا على عكس ماجاء بالآية فرقوا دينهم إلى طوائف وملل كثيرة ،وفي الواقع إن الطائفية تشكل حالة غريزية في كثير من الأحيان ولايشترط أن تكون حالة دينية ومثال على هذا عندنا في سوريا أحد المفكرين والذي يسمي نفسه معارض هذا المفكر يعرف عن نفسه إنه ملحد وكتب كثير من الكتب في نقد الفكر الديني وتطاول حتى على الذ ات الإلهية ومع هذه عندما اندلعت الحرب الكونية الإرهابية على سورية تمنى إبادة طائفة معينة من طوائف الشعب السوري فهذا مايؤكد إن الطائفية هي حالة غريزية في حالات كثيرة.
والطائفية تشكل حالة من حالات ماقبل الدولة فهي سليلة عصور الجاهلية والتي لم ننتهي منها إلى الآن لذ لك أعداء الأمة العربية ركزوا على الطائفية كثيرا لتدمير الدول العربية من الداخل وهذا مالاحظناه من من خلال رسالة المفكر الصهيوني موشي شاريت لدافيد بن غوريون عندما قال له بأنه يجب عليكم تفتيت العرب واستخدام الفروقات الدينية لتقسيمهم وضربهم ،وأيضا المخطط الشهير للمفكر البريطاني الصهيوني المعروف بيرنارد لويس في منتصف السبعينات من القرن المنصرم عندما وضع مخطط لتقسيم الدول العربية إلى 52 دولةعلى أساس ديني وطائفي وهذا مابينه بيرنارد لويس في كتابه (أزمة الإسلام)وهذا أيضا ماذكره المفكر الصهيوني الآخر (أوديد ينون )في مقاله الشهير في مجلة كيفونيم البريطانية عام 1982 عندما ذكر فيه وبالتفصيل كيف يجب على الكيان الصهيوني أن يقوم بتقسيم الدول العربية على أساس طائفي .
وهذا ماتم تطبيقه وبالحرف فقد قامت أمريكا والكيان الصهيوني بإشعال حرب بين العراق وإيران امتدت لثماني سنوات وقد تم توظيفها على أساس طائفي وديني وأيضا إشعال الحرب الأهلية الطائفية في لبنان في عام 1975 والتي امتدت حتى عام 1990 والحرب الأهلية الطائفية في العراق والتي أشعلتها الولايات المتحدة بعد احتلالها للعراق وتدميرها .وحتى في بلدنا العظيمة سورية عندما بدأت الحرب الإرهابية الكونية عليها كان التجييش الإعلامي كله تجييش طائفي ضد سورية ،فالطائفية هي السلاح المدمر للشعوب العربية ووللإسلام نفسه وخطورته ربما تزيد عن خطورة أسلحة الدمار الشامل وينبغي علينا محاربتها وذلك بإقصاء كل شخص طائفي يؤمن بالطائفية ويفرق على أساسها وأن نؤمن بثقافة الاختلاف فالله سبحانه وتعالى له حكمة عندما خلقنا مختلفين في الشكل واللون والتفكير وأيضا له حكمة عندما خلقنا مختلفين في المعتقد وفي الدين وفي الطائفة وهذا ماجاء في الآية 47 من سورة المائدة ،بسم الله الرحمن الرحيم(لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما ءآتكم) صدق الله العظيم ،ففي هذه الآية الكريمة يتم التأكيد من خلالها على مبدأ الاختلاف في الشرائع والله سبحانه وتعالى له حكمة من هذا الأمر لأن لو شاء لجعلنا على دين واحد وطائفة واحدة لأن كل دين وكل شريعة مع الاختلاف بينهم كلهم في جوهرهم يصلون إلى حقيقة واحدة وهي الله سبحانه وتعالى .
وإلى جانب الطائفية المقيتة يوجد سبب آخر في تخلف المسلمين لايقل خطورة عن الطائفية وهو الموروث الديني التقليدي الموضوع والذي دس دسا لتخريب الدين الإسلامي من الداخل ،فالطوائف الإسلامية بشكل عام يوجد فيها موروث ديني موضوع وفيه الكثير من الأمور والأحاديث والتي نسبت زورا إلى سيدنا الرسول صلى الله عليه وسلم والتي تخالف العقل والمنطق السليم وذلك للإساءة لشخص سيدنا الرسول وهذا الموروث والأحاديث الموضوعة تخالف القرآن الكريم الذي يعد المرجع الأول والأساسي لكل المسلمين فهذا الموروث العفن هو من جاء بأحاديث ملفقة وغير صحيحة بجواز قتل تارك الصلاة وقتل المرتد وقتل الكافر مع إن هذا يخالف آيات القرآن الكريم فالقرآن الكريم الذي جاء به لاإكراه بالدين قد تبين الرشد من الغي والقرآن الكريم الذي جاء به لكم دينكم ولي دين والقرآن الكريم الذي جاء به من كفر فعليه كفره وهذا مايؤكد عدم صحة هذه الأحاديث وإنها دست دسا للإساءة للشخص الرسول الأعظم وللدين الإسلامي فهذا كله نتاج الموروث الديني العفن وهذا الموروث وللأسف الشديد يدرس في الكثير من الجامعات الإسلامية الكبيرة والمعاهد الشرعية الكبرى وهذا الموروث هو من ولد لنا الجماعات التكفيرية الإرهابية فالجماعات التكفيرية الإرهابية ولدت من رحم هذا المرورث الديني وكل الأعمال الإرهابية لهذه الجماعات من قتل وتفجير وسفك دماء أتت بها من نصوص وفتاوى من هذا الموروث الديني العفن والذي لاعلاقة له بالإسلام لاشكلا ولاموضوعا ،وماساعد على تمدد هذه الأفكار والموروث الديني الموضوع في البلدان الإسلامية وهي إن الكثير من المسلمين قد تعودوا أن تكون عقولهم تقليدية وخصوصا في الأمور الدينية فعقولهم ليست عقول اجتهادية أو إبداعية وخصوصا في المسائل الدينية فغالبية المسلمين قد اعتادوا أن يأخذوا الأمور الدينية كما جاءتهم من معلميهم وآبائهم حتى لو كانت مخالفة للقرآن الكريم أو تخالف العقل والمنطق وهؤلاء ذكرهم الله سبحانه وتعاالى في محكم تنزيله وفي الآية رقم 170 من سورة البقرة ،بسم الله الرحمن الرحيم(وإذا قيل لهم اتبعوا ماأنزل الله قالوا بل نتبع ماآلفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لايعقلون شيئا ولايهتدون)صدق الله العظيم
فالمشكلة الكبرى عند غالبية المسلمين إنهم فضلوا النقل على العقل حتى لو خالفت الأمور المنقولة والمتوارثة العقل والمنطق فالعقل هو أكبر نعمة منحها الله سبحانه وتعالى للبشر ومن خلالها يتميز الإنسان عن باقي المخلوقات فالله منحنا هذه النعمة الكبيرة وهي نعمة العقل وأنزل علينا شرائع سماوية وليس من المنطقي أن ينزل علينا شرائع تخالف عقولنا وتصوراتنا العقلية فالعقل منحنا إياه الله سبحانه وتعالى لنفكر فيه ونبدع من خلاله لاأن نعطله في الأمور الدينية ونأخذ الأمور المتوارثة كمسلمات لايجوز المساس بها والله سبحانه وتعالى في أول آية من القرآن الكريم حض بها على القراءة عندما قال (اقرأ باسم ربك الذي خلق)أي دعوى للقراءة وللتدبر من خلال العقل وهذا ماجاء في آية أخرى من القرآن الكريم(أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)فالتدبر هنا يكون من خلال العقل والاجتهاد والبحث لاأن نأخذ الأمور الدينية كمسلمات حتى لو خالفت العقل والمنطق فقط لأن الشيخ الفلاني قال بها.
ومن أكبر الأسباب لتخلف المسلمين وهذا السبب هو الذي أدى للسببين السابقين هو رجال الدين المسلمين الفاسدين فهؤلاء هم من ساعدوا على نشر الطائفية وتغذيتها بشتى الوسائل والكثير منهم يتعامل مع أجهزة مخابرات أمريكية وصهيونية لهذا الهدف وهم من حاربوا التجديد في الدين الإسلامي وحاربوا كل من حاول مراجعة الموروث الديني وتنقيحه فلقد قاموا بفرض حصار على أفكار المسلمين وجعلوا مهام تفسير الدين لهم وحدهم وأخفوا عن المسلمين كل مايجمع القلوب ويوحد الصفوف ،ومن هؤلاء من أصدر فتاوى التكفير يمينا وشمالا نذكر منهم أحدهم وهو يعتبر المرجعية الكبرى للإخوان المسلمين ومقيم في الدوحة أفتى في بداية الحرب الإرهابية على سورية بقتل ثلث الشعب السوري ،بالإضافة إلى الترف والبذخ الذي يعيش به هؤلاء المشايخ فإقاماتهم كلها في القصور الضخمة الفارهة وكل واحد منهم لايمشي إلا معه أسطول من السيارات الحديثة بينما الكثير من الشعوب المسلمة لاتجد ماتطعم به أولادها ثم إن هؤلاء رجال دين كما يطلقون على أنفسهم ورجل الدين يتحتم عليه أن يكون زاهد في الدنيا لاأن يملك الثروات الضخمة والكثيرين لايجدون قوت يومهم ،بالإضافة لقيامهم بإصدار فتاوى التكفير ومحاربة كل من يخالفهم بالرأي نذكر منها حادثين حدثتا في مصر في التسعينات من القرن المنصرم أولهما عندما تم اغتيال المفكر المصري المعروف فرج فودة من قبل إحدى الجماعات الإرهابية بناء على فتوى دينية وعندما تم إلقاء القبض على القاتل سأله القاضي لماذا قتلت فرج فودة أجاب القاتل لأنه كافر فقال القاضي من قال لك إنه كافر هل قرأت كتبه فأجاب القاتل لا لم أقرأ له شيئا لأنني أمي لاأقرأ ولا أكتب بل شيخي من قال لي بأنه كافر وبأن قتله سيدخلني إلى الجنة فهكذا يتلاعبون بعقول الشباب الجهلة لكي ينفذوا مايريدون عن طريقهم ،أما الحالة الثانية فأيضا في مصر في عام 1995 عندما قدم المفكر المصري الدكتور نصر حامد أبو زيد بحثا ليحصل من خلاله على الترقية إلى درجة أستاذ قامت اللجنة المشرفة برفض هذا البحث وووجهت تهمة الكفر لنصر حامد أبو زيد بسبب هذا البحث وأكثر من هذا تم رفع دعوى عليه وتم صدور حكم عليه بتطليقه من زوجته بحجة إنه كافر ولايجوز لزوجته وهي مسلمة بأن تبقى مع كافر وهذا مااضطر نصر حامد أبو زيد لمغادرة مصر وأن يعيش في هولندا باقي حياته هو وزوجته ،قاموا بتكفيره وتطليقه من زوجته بدون حتى أن يناقشوه في أفكاره لأنهم لايقبلون الرأي الآخر وأنا أذكر هذا الموضوع مع تحفظي وخلافي الكبير والجوهري مع الكثير من أفكار وآراء الدكتور نصر حامد أبو زيد في الأمور الدينية.
فتجديد الفكر والأحكام الشرعية ضروري جدا وهناك قاعدة فقهية تقول (بتغير الأحكام مع تغير الأزمان)فلانستطيع تطبيق حكم مسألة من قرون على مسألة في أيامنا هذه فتجديد الفكر الإسلامي سيؤدي إلى تجاوز الإنفصام والتخلف الذي يعاني منه العالم الإسلامي منذ قرون والذي يساهم في جعل المسلمين غارقين في التخلف حتى النخاع فلنجتهد بما يعيد الفكر الإسلامي إلى وسطيته واعتداله والرسالة الإسلامية إلى عالميتها وإنسايتها وأن نحرر فكرنا وعقلنا وأن لانغلقه أو نؤجره لغيرنا من المشايخ لكي يفكروا عنا في الأمور الدينية فالإسلام هو دين العلم والتقدم والحضارة وأكبر العلماء والفلاسفةعلى مر التاريخ من إبن سينا إلى إبن النفيس إلى إبن رشد والفارابي والبيروني وجابر بن حيان كانوا من المسلمين. وهؤلاء علمهم وفكرهم مازال يدرس في أعرق الجامعات الأوروبية فالمسلمين قدموا في الماضي الخدمات الكبيرة للإنسانية كلها وينبغي أن يعودوا ويتقدموا ولن يتحقق هذا إلا بتجاوز الأسباب التي ذكرناها في المقال عندها نتقدم وننطلق كما ينبغي توظيف ديننا في خدمة أوطاننا لأن الدين علاقة بين الله سبحانه وتعالى مع البشر فالله سبحانه وتعالى غني عن صلواتنا وعباداتنا ولكن الوطن حياته بحياتنا وحياتنا بحياته مقترنة ومضطردة علوا وانخفاضا فالوطن دائما رقم واحد
كاتب وباحث سياسي عربي سوري وأستاذ جامعي في القانون العام
Source: Raialyoum.com