‘);
}

التسليم لأوامر الله تعالى

أمر الله سبحانه وتعالى عباده بالتسليم الخالص له، والانقياد لأوامره ونواهيه، وجعل ذلك ركيزة من ركائز الإسلام وثابتاً ملازماً له، قال تعالى في ذلك: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)،[١] والتسليم لله هو الخضوع لأمره وشرعه والإذعان في عبادته وفق ما أمر في سائر أحوال الإنسان، والتسليم يتطلب من المسلم الرّضى بشرع الله وأوامره، واليقين بأن الخير كلّه فيما شرع الله له، وهذا يستلزم من المسلم أن يُحسن الظنّ بالله تبارك وتعالى، ويعلم أنّه العالم بما يصلح للإنسان وما ينفعه، فيلتزم بذلك أوامر الله عز وجل ويسلّم لها دون أن يجد في صدره انزاعجاً من ذلك، قال تعالى: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).[٢][٣]

وقد جعل الله الأحكام الشرعيّة على قسمين؛ قسم معقول المعنى، يمكن للإنسان معرفة الحكمة منه إمّا بإخبار الشرع عنها، وإمّا باستنباط العلماء لها، وذلك كإخبار القرآن عن الحكمة من الصلاة حين قال الله تعالى: (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ)،[٤] أو كاستناط العلماء للحكمة من إفطار المسافر حين قالوا إنّ الحكمة من ذلك دفع المشقّة المترتبة عليه، والقسم الثاني من الأحكام والتكاليف الشرعية ما كان غير معقول المعنى، فلا يستطيع الإنسان التوصّل إلى حكمة هذا النوع والسبب الدّاعي له، ومثاله عدد الصلوات وعدد الركعات في كلّ صلاة، وعدد الجمرات التي يرميها الحاج ونحو ذلك، والحكمة الداعية لوجود مثل هذه الأحكام والتكاليف الشرعية غير معقولة المعنى هي ابتلاء الناس، ومعرفة مقدار تسليم كلٍّ منهم لله سبحانه وتعالى وامتثاله لأمره، إلا أنّ معظم ما جاءت به الشريعة من تكاليف وأحكام، إنّما هي من النوع الأول معقول المعنى.[٥]

والواقع أنّ الإنسان إن امتلأ قلبه استجابةً لله وتسليماً لأوامره ظهر ذلك على جوارحه بالامتثال الكامل، والعمل بما يرضي الله تبارك وتعالى، وحينها يحصل له انشراح الصدر، والرضى بالأحكام، والقناعة بقدر الله، فلا تحوم حوله الشكوك أو تؤثّر به الشبهات، وعلى العكس تماماً فإن كان الإنسان ضعيف التسليم لله، غير موقن بحكمته، فلا يكون للأحكام عنده وزن، ولا يعظّمها أو يمتثل لها، ويصير كثير الحيرة والشكوك، ممّا يؤدي به إلى الضّلال.[٣]