‘);
}

آدم عليه السلام

كان الله في الوجود، ولم يكن معه شيءٌ، فلم يكن غير نوره عزّ وجلّ؛ حيث لا يوجد أرضٌ، ولا سماءٌ، ولا بحارٌ، ولا شمسٌ، ولا قمرٌ، وإنّما كان الله وحده، ثمّ أراد أن يخلق الكون، فخلق العرش، وخلق الملائكة، وكان خلقه للملائكة من نورٍ، مسيّرين يطيعون الله، ولا يعصونه، منزّهون عن الطعام، والشراب، والنوم، وخلق الجانّ وكان خلقه لهم من نارٍ، وجعل منهم الصالحون، ومنهم دون ذلك، وخلق السماوات والأرض في ستّة أيامٍ، وزيّنها، ومهّد الأرض وسخّرها لمن سيكون عليها بعد ذلك، وقال للملائكة: (إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)،[١] فردّت الملائكة على ذلك رداً يتناسب مع فطرتهم التي خلقهم الله عليها، فقالوا: (قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)،[٢] فلم يكن للملائكة علمٌ أنّ الله سيجعل من البشر الأنبياء، والصالحين، وأنّه إنّما خلقهم ليحقّقوا شريعته في الأرض، فقد جمع الله قبضةً من التراب، ومزجها بالماء، فصارت كالصلصال، ثمّ سوّاها على هيئة رجلٍ، ونفخ فيها الروح، وحرّك آدم جفنيه، ثمّ فتح عينيه؛ فكأنّه كان نائماً واستيقظ، وعلّمه الله أسماء كلّ ما في الكون، ثمّ طلب من الملائكة أن يسمّوها له فلم يعرفوا؛ حيث لم يُعلمهم إيّاها، وأمرهم أن يسجدوا لآدم فأطاعوا أمره جميعاً إلّا إبليس، فسجدوا لآدم سجود تكريمٍ لا سجود عبادةٍ، وقد أراد الله أن يرزقه بما كان يفقده وهو في الجنّة، فلمّا استيقظ رأى عند رأسه حوّاء تنظر إليه نظرة المحبّ، وتؤنسه في وحشته، وكان كلّ شيءٍ مسموحاً لهما سوى أن يقطفان من ثمار شجرةٍ واحدةٍ، وأطاع آدم ربه امتثالاً لأمره، لكنّه في لحظةٍ نسي أمر ربه، فأكل من الشجرة، وما ذلك إلّا لحكمةٍ أرادها الله سبحانه.[٣]

خلْق الله للخلق

إنّ من أشرف العلوم وأجلّها، والتي يجب على العبد أن يتعلّمها، ويصرف أوقاته إليها هي علوم العقيدة، فبالسير على نهج سلف الأمة يكون العبد سائراً على الصراط المستقيم، فلا سبيل إلى النجاة إلّا بالاقتداء بهم، وتتبع أثرهم، أمّا من خالفهم فقد ألقى بنفسه إلى الهاوية، فقد قال الله تعالى: (وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا)،[٤] ولقد أرشد الله تعالى عباده، وأخبرهم أنّه لم يخلق شيئاً في هذا الكون عبثاً، وأخبرهم أنّه ما خلقهم إلّا لحكمةٍ، ونزّه نفسه عن أن يكون خلقهم بلا سببٍ، ثمّ أخبرهم بالسبب الذي خلقهم من أجله، فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،[٥] فبيّن أنّه خلقهم ليقوموا بحق العبوديّة له، وليفرّدوه بها، والعبادة في اللغة: التذلّل، والانقياد، أمّا في الاصطلاح الشرعي؛ فهي كما عرّفها ابن تيمية: (اسمٌ جامعٌ لكلّ ما يحبه اللَّه ويرضاه؛ من الأقوال، والأعمال الظاهرة والباطنة)، وبالتالي فإنّ العبادة منها ما يكون بالقلب؛ كالمحبّة، والخوف مثلاً، ومنها ما يكون باللسان؛ كالدعاء، ومنها ما يكون بالجوارح؛ كالعبادات التي يقوم بها الفرد، مثل: الصلاة، وللعبادة ركنان: الأول هو الإخلاص لله تعالى، والثاني هو موافقتها لما شرعه الله.[٦]