لماذا لا يخضع الجميع لقواعد الإغلاق التام التي يفرضها فيروس كورونا؟

يبحر كلٌّ منا عبر العالم ببوصلةٍ مختلفة، فبينما ينتهز بعضنا الفرص، يدرك بعضنا الآخر المخاطر ويفكِّر فيها. ربَّما تكون قد لاحظت أنَّ بعض الأشخاص قد استجابوا بشكلٍ مختلفٍ تماماً للقواعد الجديدة بشأن الإغلاق والتباعد الاجتماعي، فبينما يعيش بعضنا حالةً من الذعر، يميل الآخرون إلى البقاء مطمئنين، والسؤال هو: ما الذي يمكن أن يفسِّر هذه الاختلافات في ردود الأفعال؟

Share your love

إنَّه لمن السهل الاعتقاد بأنَّنا جميعاً نتفاعل مع الأحداث نفسها في العالم، ولذلك يجب أن يكون لدينا ردود أفعالٍ مماثلة؛ ولكن هذه ليست الطريقة التي يفكِّر بها الناس، وليس هذا ما يحدث في أدمغتنا. ليس لدينا القدرة على استيعاب جميع المعلومات التي تأتي من خلال حواسنا مثل: ما نراه، وما نسمعه، أو ما نشعر به؛ وبدلاً من ذلك، فإنَّنا نولي اهتماماً للمعلومات الأكثر صلةً بنا في حياتنا المختلفة، ونستخدمها لتكوين تفسيرٍ منطقي لما يحدث في العالم. بعبارةٍ أخرى: نخبر أنفسنا قصةً عمَّا يحدث، ثمَّ نتفاعل مع قصتنا؛ وكلٌّ منَّا مؤلِّفٌ مختلفٌ عن الآخر.

وهذا يوفِّر بعض الدلائل على سبب اختلاف تفاعل الأفراد مع الأحداث نفسها، فلكلٍّ منَّا تجارب مختلفة، وبالتالي من المرجَّح أن نتعامل مع الحدث بأساليب مختلفة؛ وإنَّ الأحداث التي نشهدها ستشكِّل قصةً مختلفةً عند تجميعها، وهي ما تشكِّل ردة فعلنا على الموقف.

ومع العلم بأنَّنا نبنى معتقداتنا حول العالم استناداً إلى تجاربنا السابقة، فقد يكون بوسعنا البدء بالتفكير في الاختلافات التي قد تجعلنا نفسِّر الأحداث الأخيرة على نحوٍ مختلفٍ إلى هذا الحد، وإليكَ بعض الطرائق التي قد يحدث بها هذا:

التعامل مع النتائج الجيدة وتجنُّب النتائج السيئة:

واحدةٌ من الوظائف الرئيسة لأدمغتنا: تمييز الفرص التي تجلب المكافآت عن العثرات التي قد تؤذينا جسدياً وعقلياً، ثمَّ إقرار ما يجب فعله بناءً على توازن تصوُّراتنا للمكافآت والعقوبات المحتملة. بيد أنَّ الأفراد يقارنون المكافآت والعقوبات بشكلٍ مختلف، وعلى النقيض من ذلك بالنسبة إلى بعض الناس، فإنَّ الفرصة اللامعة المشرقة هي كلُّ ما يرونه تقريباً، فلا يلاحظون العثرات المحتملة. وأمَّا بالنسبة إلى الآخرين، فإنَّ العثرات واضحةٌ للغاية، بحيث لا تُلاحَظ أيُّ مكافأةٍ محتملةٍ على الإطلاق.

ضع في اعتبارك كيف ستكون ردود الأفعال المختلفة لهؤلاء الأشخاص عند سماع رسالةٍ حكومية حول الإغلاق التام (الحجر المنزلي)، ستلاحظ المجموعة التي تركّز على النتائج الجيدة أنّ الأمر إيجابيّ، بينما ستشعر المجموعة التي ترى العثرات بالقلق من إمكانية الإصابة بفيروس كورونا، وسيعملون جاهدين على حماية أنفسهم وعائلاتهم من خلال البقاء في المنزل.

الانطوائيون والمنفتحون:

إنَّه لمن السهل رؤية أنَّك إذا لم تكن من هؤلاء، فإنَّ فكرة البقاء في المنزل مع أحبائك وعدم الاضطرار إلى التقارب الاجتماعي قد تكون في الواقع مصدر ارتياح. لكن بالنسبة إلى المنفتحين، فإنَّ هذه معاناةٌ حقيقية؛ لأنَّهم معزولون عن أحد مصادرهم الرئيسة للمتعة. رغم أنَّ مكالمات الفيديو أو غرف الدردشة قد تساعد في التخفيف من المشكلة، إلَّا أنَّه سيكون هناك رغبةٌ شديدةٌ بالتواصل الاجتماعي المباشر.

الأشخاص الذين لديهم هدف يشغلهم مقابل الأشخاص المتفرغين:

بالنسبة إلى بعض الأشخاص، فقد انتقل عملهم للتوّ ليصبح عبر الإنترنت، وهم مشغولون مثل أيِّ وقتٍ مضى، وربَّما أكثر؛ أمَّا بالنسبة إلى الآخرين، فقد جرى إلغاء روتينهم تماماً دون استبداله بأيِّ شيءٍ آخر. سيكون من الأسهل بكثيرٍ لمن هم مشغولون ويتعلَّمون إدارة عملهم بطرائق جديدةٍ الالتزام بالقواعد الجديدة من أولئك الذين جرى إلغاء أعمالهم، والذين سيبحثون عن طرائق جديدةٍ لملء أوقاتهم.

الأشخاص المتقبِّلون للغموض مقابل أولئك الذين ليسوا كذلك:

يحتاج بعض الأشخاص إلى اليقين ومعرفة الحقيقة، ويحبِّون أن يشعروا كما لو أنَّ لديهم بعض السيطرة على الأحداث؛ بينما يسعد الآخرون بالتفاعل مع الأحداث حتَّى أنَّهم يجدون أنَّه لَمِنَ المثيرِ احتمالُ حدوث تغييرٍ كبيرٍ؛ لأنَّه يجلب فرصاً جديدة. وعلى النقيض، ستكون هناك قصصٌ مختلفةٌ جداً يجري سردها حول الرسائل الحالية التي تدور حول منع انتشار فيروس كورونا.

أولئك الذين لا يتحمَّلون الشك والغموض سيبحثون عن رسالةٍ واضحةٍ لا لبس فيها توصل الشيء الصحيح الذي يجب القيام به، وسيبحثون في الرسائل المختلفة حول ما إذا كان الخروج الآمن مقلقاً للغاية، ومن المحتمل ألَّا يكونوا حذرين كما يجب.

ومن جهةٍ أخرى، قد لا يسمع أولئك الذين لا يعنيهم الخبر اليقين ولا يهتمُّون للغموض الرسائل غير المفهومة حتَّى؛ لأنَّهم سيبحثون عن الفرص التي يقدِّمها الموقف: “ماذا يمكنني أن أفعل الآن ولم يكن ممكناً من قبل؟” سوف يستمتعون بالتغيير، وسيبحثون عن طرائق لاستخدامه في أعمالهم أو في الحياة الأسرية أو في الحياة الاجتماعية. ستجدهم يرتِّبون مواعيد اللعب لأطفالهم عن طريق مكالمة الفيديو، ويتابعون الفرق الموسيقية عن بعد، وينقلون جميع أعمالهم عبر الإنترنت.

ما الشيء المختلف الذي يمكننا فعله؟

هناك طرائق عديدةٌ للتصرُّف في هذا الوقت من التغيُّر المجهول، وسوف يصنع كلٌّ منَّا قصته َّلتناسب تجربتنا. حتَّى الآن، لا توجد قصةٌ صحيحةٌ أو خاطئةٌ تماماً، لكن هذا لا يجعل فهم بعضنا بعضاً أسهل.

لمساعدتنا جميعاً على العمل معاً، تذكَّر أنَّك قد أنشأت واقعك الخاص، وكذلك فعل كلُّ شخصٍ آخر على هذا الكوكب؛ لذلك كن على استعدادٍ لمعرفة قصَّتهم والتفكير في سبب اختلاف ذلك عن قصتك. والأفضل من ذلك، حاول التفكير في ما تعرفه حقاً عن الوضع الحالي، واستخدم هذه المعلومات لإنشاء عدة قصصٍ مختلفة، وقد تبدأ إدراك أنَّها كلُّها مجرَّد واحدةٍ من العديد من النتائج المحتملة. اختر قصةً واقعيةً تتنبأ بمستقبلٍ أفضل، وقد تساعدك في إدارة حياتك في هذا الوقت المليء بالشك.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!