لماذا يعدُّ البدء في تحقيق النجاح أكثر أهمية من النجاح؟

لعبَت "ليندسي دافينبورت" (Lindsay Davenport) في عام 1991 مباراتها الاحترافية الأولى في كرة المضرب، وكانت تبلغ من العمرِ آنذاك 15 عاماً. كي تعلمَ كيف يعيش المرء حياته كلاعب رياضي محترف، يتطلَّب الأمر أن تكون رياضيَّاً محترفاً أولاً؛ لكن لتتعلَّم دروس ممارسة الرياضة، تحتاج فقط لممارسة الرياضة.

Share your love

حقَّقت “ليندسي” واحدةً من أعظم السير المهنية في التاريخ الحديث خلال العشرين عاماً التي تلت انطلاقتها الأولى؛ إذ أحرزت ثلاثَ ألقابٍ في البطولات الكبرى، وفازت بالميدالية الذهبية في أولمبياد عام 1996، وحازت لقب “اللاعبة الأولى” لكرة المضرب من فئة الإناث حول العالم لثمانيةِ مرَّاتٍ مختلفة، وكسبت جوائز ماليةً تتعدَّى قيمتها الـ 22 مليون دولار خلال مسيرتها المهنية.

سُئِلَت في أحد اللقاءات الصحفية العديد من الأسئلة، وكان من ضمنها:

“يُمكنُ للرياضة تعليم الناس العديد من الدروس؛ فما الدروس التي اكتسبتِها كلاعبةٍ محترفةٍ في كرة المضرب، ولم تكتسبيها كهاوية؟”.

فابتدأت ردَّها بالحديث عن سرعةِ تطوُّرها في هذه الرياضة، وذكرت قوَّة الإعلام وكيفَ تعلَّمت عيش حياتها أمام الجمهور؛ لكنَّها سُرعانَ ما غيَّرت سياق حديثها، لتتحدَّث عن التقدُّم في مهنتها، وعن التنافسية والعمل بجدٍّ والمثابرة، وعن أنَّها تعلَّمت هذه الأمور قبل أن تصبح مُحترفة.

بعبارةٍ أخرى: كي تعلمَ كيف يعيش المرء حياته كلاعب رياضي محترف، يتطلَّب الأمر أن تكون رياضيَّاً محترفاً أولاً؛ لكن لتتعلَّم دروس ممارسة الرياضة، تحتاج فقط لممارسة الرياضة.

لا يتطلَّبُ النموّ المهني التميُّز:

لقد أصبح عالمنا اليوم مهووساً أكثر بالمقارنةِ وتأكيدِ الذات، وقد أصبح هذا النمط من التفكير شائعاً بشكلٍ غريب، وأصبح من الطبيعي سماع أشياء مثل: “إذا لم تستطع أن تكون في المُقدِّمة، فربَّما يجب ألَّا تشترك في اللعبة على الإطلاق”.

ما قد يدعو للدهشة أنَّ مثل هذا الاعتقاد مُحتفَىً به، ليس في الرياضات فحسب، بل في برنامج الماجستير لإدارة الأعمال؛ لكن بحسب “ليندسي”، فأنتَ لا تحتاج إلى أن تكون مُحترفاً لتتعلَّم الدروس الأكثر أهميةً في الرياضة، بل تحتاج فقط أن تبذلَ جهدك كرياضي، بغضِّ النظر عن مستوى أدائك.

ينطبق هذا على باقي أمور الحياة أيضاً، إذ إنَّ إتقان المهنة ليس أهمَّ من تحفيزِ نفسك للمُضيِّ قدماً؛ ولنقل هذا بطريقةٍ أخرى: ستتعلَّم في أثناء السعي خلف التفوق، أكثر ممَّا ستتعلَّم من النتائج التي ستحقِّقها بعد هذا السعي.

أن تبدأ أهمُّ من أن تحقِّق النجاح:

يقول “آرون سوارتز” (Aaron Swartz): “أعتقدُ أنَّ الكثير ممَّا يُطلِقُ الناس عليهِ صفةَ (الذكاء) يتلخَّصُ في الفضول حقيقةً”.

ماذا لو كان خيار أن تكون فضوليَّاً هو كلُّ ما يتطلَّبه الأمر كي تُصبح أكثر ذكاءً وقوَّةً ومهارة؟ ماذا لو كانت الرغبة في تجريب شيءٍ جديد -حتَّى لو شعرت بعدم الارتياح- هي كلُّ ما يتطلَّبه الأمر لتبدأ مسيرتك نحو العظمة؟

  • هل تشعر بالفضول بما يكفي كي تذهب إلى النادي الرياضي وتحاول البدء بالتمارين الرياضية، حتَّى لو بدوتَ أحمقاً؟
  • هل أنتَ على استعدادٍ لتعريضِ نفسكَ إلى الخطر والشروع في العمل لبناءِ مشروعكَ الخاص؟
  • هل تشعر بالحماسِ كفايةً لتحسِّن عملك، بحيثُ تبذل كلَّ جهدك رغم الإحباط الذي يعتريك من نتائجكَ متوسطة الجودة حتَّى الآن؟

يتلخَّص كل ما تقدَّمَ فيما يأتي: هل أنت مُستعدٌّ للبدء مهما كانت النتائج النهائية؟

كلَّما نظرت إلى الأمور بهذه الطريقة، اكتشفتَ أنَّ الرغبة في البدء من أصغر الأمور التي تُحْدِثِ الفارقَ الأكبر، وقد تكون هذه البداية بسيطةً جداً، مثلاً: الوقوف في أثناء اجتماعٍ ما وطرح فكرةٍ على الجميع، أو التقدُّم إلى المنصة وطرح أوّل سؤال.

غامِر وابدأ، وساهم في القيام بشيءٍ ما لفريقك أو لعائلتكَ أو لعملكَ أو للمجتمع ككُل، واعلم أنَّ الأمر لا يتعلَّق بإحرازك المركز الأول أو عدم إحرازه؛ فالقيمة التي تضيفها ليست أهمَّ من المُضِيِّ بنفسك قُدُمَاً لتحقِّق هذه القيمة، وخاصَّةً في البدايات.

يعدُّ امتلاكك الشجاعة لتبدأ أهمَّ من النجاح؛ لأنَّ الناس الذين يبدؤون ويتحلون بالثبات هم وحدهم من ينتهي بهم الأمر إلى إنجاز شيءٍ ذي قيمة.

ابدأ، فالحياة ليست “بروفة تمثيلية”:

ليس هناك مهارةٌ أهمُّ فيما يتعلَّق بالسعي الفعَّال نحو حياة ٍصحية، أكثر من الرغبة في البدء.

تتطلَّب السعادة والصحة والرضا والعلاقات القوية والإبداع والعمل القيِّم وأسلوب الحياة الصحي، وغيرها؛ الاستعداد للبدء والمُثابرةِ مهما اقتضى الأمر.

إليكَ هذه المُلاحظة: لا يعني كونك الأفضل أنَّك ستكون سعيداً أو راضياً، لكنَّ التواجد ضمن اللعبة أمرٌ لابدَّ منه للحصول على ذلك؛ فالحياة ليست تمثيليةً يُسلَّط الضوء فيها على شخصٍ واحدٍ فحسب، بل سيستفيد الجميع من الصعود إلى المنصَّة.

لذا عليكَ أن تُحدِّد فوق أيِّ منصَّةٍ ستصعد، وما اللعبة التي ستلعبها، وإلى أي مرحلةٍ ستصل، والأهمُّ من ذلك كُلِّه هو: كيف ستبدأ.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!