ماذا وراء تكثيف الظهور الإعلامي للأسد… وما هي الرسائل الروسية عبره؟

دمشق - «القدس العربي»: كثف رئيس النظام السوري بشار الأسد من ظهوره الإعلامي مؤخرًا، عبر تصريحات حملت في جعبتها ملفات لم تكن مطروحة من قبل وأخرى مكررة في السياق

ماذا وراء تكثيف الظهور الإعلامي للأسد… وما هي الرسائل الروسية عبره؟

[wpcc-script type=”d7fd3e19039622dbc66214a8-text/javascript”]

دمشق – «القدس العربي»: كثف رئيس النظام السوري بشار الأسد من ظهوره الإعلامي مؤخرًا، عبر تصريحات حملت في جعبتها ملفات لم تكن مطروحة من قبل وأخرى مكررة في السياق ذاته الذي لا يستطيع الأسد تجاوزه بطبيعة الحال حول الهيمنة الروسية على نظامه، حيث ركز الأسد على مهاجمة تركيا ورئيسها على وجه الخصوص، مستغلاً منبر الحرب الدائرة في قره باغ بين أذربيجان وأرمينيا.
فالأسد المأزوم داخلياً والمرتهن خارجياً لكلا من روسيا وإيران، بدأ بتوجيه رسائل خارجية تفيد بمواكبته للتطورات الدولية لحظة بلحظة، فيما يبدو أنه كان يريد من تلك التصريحات، إعلام من يهمه الأمر بوقوفه ضد السياسة التركية أينما وجدت، حيث اتهم أنقرة بتعمد «إشعال الحروب» لصرف انتباه الأتراك عن المشاكل الداخلية، معتبراً وفق تصريحات أدلى بها لوكالة «نوفوستي» الروسية، أن الدول الغنية متواطئة مع الرئيس التركي في حروبه. واللافت في تصريحات رئيس النظام السوري وظهوره المكثف مؤخراً، تطرقه لملفات دولية تولي لها روسيا كل الاهتمام، فيما غابت الأوضاع المحلية السورية وما يعانيه السوريون عن كلمة الأسد، ولعل هذا ما فسر تلقف موسكو لكلمات الأسد، إذ سارع المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، للرد على تلك المواقف بالقول: «الكرملين يدرس بعناية تصريحات الرئيس السوري، بشار الأسد، حول نقل الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، لمقاتلين من سوريا إلى قره باغ».

مستعطفاً الدول الخليجية المتصادمة مع تركيا ومعتمدًا على سلاح الدعاية المناهضة لاردوغان

تصريحات الناطق الرسمي باسم الكرملين تأتي، تعليقاً على تأكيد الرئيس السوري في مقابلة مع وكالة «نوفوستي» على نقل الرئيس التركي لمقاتلين من سوريا إلى منطقة قره باغ للمشاركة في الأعمال القتالية هناك». عضو البرلمان التركي «أوزتورك يلماز» علق على هجوم الأسد الحاد ضد تركيا بالقول: «الأسد لديه كراهية شخصية لاردوغان. يريد أن يلحق به الأذى في كل أنحاء تركيا، تصريحات الأسد لا قيمة لها، وهي أداة دعاية». وأشار المسؤول التركي في تصريحات لوكالة «نوفوستي» الروسية، إلى أن أنقرة لها مصالح وحقوق في أذربيجان وشرق المتوسط».

هدفان

يمكن قراءة تصريحات رئيس النظام السوري وفق ما قاله الباحث عرابي عبد الحي عرابي، ضد تركيا واردوغان من ناحيتين: الأولى: تصعيد الدعاية المضادة لاردوغان، حيث تشكل تصريحات بشار الأسد مادّة إعلامية متكررة الظهور في الرأي العام الروسي، والوسائل الإعلامية العالمية التي تقتبسها منها، مما يشكل ضغطًا إعلاميًّا إضافيًّا على الرئيس التركي. أما الناحية الثانية، فهي البحث عن تسويق نفسه مرة أخرى لتقوم الدول الفاعلة في الملف السوري بالتعاون معه في وجه تصاعد القوة والنفوذ التركي في الشرق الأوسط.
كما أن هذه التصريحات من ناحية أخرى، حسب الباحث السياسي، تصب في صالح كل من أرمينيا وروسيا التي ما زالت تسعى للتهدئة في إقليم قره باغ إلا أنها ترسل الرسائل الواضحة حول استعدادها للانخراط التام في العمل العسكري ضد أي طرف يعتدي على داخل الأراضي الأرمينية، إلا أنها في الوقت ذاته ليست بوارد خسارة التفاهمات التي وصلت إليها مع الأتراك في مختلف الملفات سواء في سورية أو ليبيا. حيث لا تمتلك روسيا البدائل التي تتيح لها السماح بانهيار هذه التفاهمات وتوتر العلاقات بين البلدين، بينما تعلم تركيا هي أيضًا الحدود التي يمكن أن تناور فيها بدعمها لأذربيجان، ومن ثم فإنها حريصة على عدم تجاوز هذه الحدود.
وهنا يمكن قراءة تصريح الرئيس التركي اردوغان قبل أيام بأن خطط تهديد بلاده في سوريا لن تنجح، وذلك في إطار الذهاب نحو التصعيد المحسوب، مما يجعل الرد والتصعيد بين الطرفين التركي والروسي في إطار الردود الحذرة ورسائل التصريحات المباشرة. رئيس النظام السوري، كان قد اعتبر مطلع الشهر الحالي، أن القواعد العسكرية الروسية في سوريا لها أهمية كبيرة في ضمان الأمن والاستقرار في البلاد وفي محاربة الإرهاب العالمي. وقال الأسد في مقابلة مع قناة «زفيزدا» الروسية، نشرت وكالة «سبوتنيك» مقاطع منها: «في سوريا اليوم نتعامل مع الإرهاب الدولي، وتقوم روسيا بمساعدتنا في تحقيق الأمن والاستقرار، ولكن بعد القضاء على الإرهاب هناك دور آخر ستلعبه روسيا على الصعيد الدولي، من خلال حث المجتمع الدولي والدول المختلفة على تطبيق القانون الدولي».

استعطاف دول خليجية

في هذا السياق، فإنه لا يُستَغرَب، وفق ما قاله الباحث عرابي لـ«القدس العربي» أن يستعطف الأسد بهذه التصريحات بعض دول الخليج العربي المتصادمة مع السياسة التركية، وذلك بهدف دعمه وتعزيز العلاقات معه. علاوة على أن هذه التصريحات تأتي في سياق دعم سياسة الروس ضد تركيا مما يجعل من توقيتها إشارة على التوجه الروسي الذي يطلب هذه التصريحات فهي داعمة لاستراتيجية الروس الخطابيّة التصعيدية ضد الدور التركي في أذربيجان.
ترتبط روسيا مع الأذريين والأرمن بعلاقات اقتصادية وعسكرية، حيث تسلّح كلًا منهما بمنظومات مختلفة من الصواريخ والطائرات، إلا أن العلاقة بين أرمينيا وروسيا أعمق، وبالرغم من أن المنطقة ساحة تنافس طبيعية بين روسيا وتركيا، إلا أن صمت روسيا وتركيّا عن الانخراط العلني ورسم الحدود الواضحة في التعامل مع النزاع الحاليّ تؤكّد سعي الجانبين لعدم الانجرار لحملة ساخنة، قد تجعل من تركيا قادرة على نقل صراعاتها مع روسيا إلى منطقة القوقاز مما يهدد الأمن الروسي القومي بشكل مباشر، حيث لا ترغب روسيا بجعل المنطقة الممتدة بين البحر الأسود وبحر قزوين منطقة نفوذ تركية.

رهان خاسر

الموقف الأوروبي من النظام السوري، حسب رؤية القيادي في المعارضة السورية فاتح حسون، واضح وهو غير مقبول عندهم بل هو مجرم حرب يجب محاسبته، ولا يمكنه أن يرسل لهم أي رسائل تفاعلية ضد تركيا شريكتهم في الناتو والقريبة منهم برغم الخلاف حول بعض الملفات، كما أن داعميه الروس والإيرانيين هم في محور مختلف تماماً عن المحور الأوروبي، وبالتالي هو أقل من أن يستخدمونه ضد تركيا. واعتبر المصدر العسكري المعارض خلال تصريحات أدلى بها لـ«القدس العربي» أن الظهور المتكرر لبشار الأسد على وسائل الإعلام هو محاولة بائسة منه للتأثير على من تبقى من مؤيديه ليظهر بأنه متابع للأحداث الداخلية والإقليمية، وبأنه يلعب دوراً فيها، وليس كما هو معروف بأنه عديم القرار والتأثير في ظل وجود الاحتلالين الروسي والإيراني.
ومن جهة أخرى، فهذا الظهور المتكرر أخيراً هو بطلب روسي من أجل إرسال رسائل تتعلق بالملف السوري للعديد من الجهات والدول منها أمريكا وأوروبا وبعض الدول العربية لا سيما في ظل الأحداث التي تشهدها المنطقة في ليبيا وإقليم قره باغ، وعدم رغبة روسيا في زعزعة تفاهماتها بشكل مباشر حول ملفات تلك البلاد مع تركيا.

الشوكة المتينة

العقيد «حسون» يرى أن تركيا هي «الشوكة المتينة» في حلق النظام السوري دولياً، إذ أنها لم تغير استراتيجيتها تجاهه بالرغم من زيادة تعقيدات الملف السوري، وسط الأحداث الإقليمية، وخاصة بعد رفض الناتو دعمها في منطقة إدلب، وسعي الولايات المتحدة لتشكيل كانتون في شمال شرقي سوريا لا يوافق السوريين ولا الأتراك، إضافة لحدوث بوادر خلاف مع روسيا من جهة، ومع إيران من جهة أخرى بسبب الموقف المتباين للدول الثلاث من الحرب الأذربيجانية – الأرمنية، مما جعل الأسد يظن أن تركيا بقيت وحيدة ويمكنه مهاجمتها لتحصيل بعض المكاسب منها، أو ممن يعيش في هاجس الخوف من دورها المتنامي، وهذا تقدير خاطئ، لا سيما أن روسيا تستخدمه ليكون رأس حربة في مهاجمة تركيا ينطق بما لا تريد أن تنطق هي به لاعتبارات كثيرة أهمها المحافظة على حد من التفاهمات مع تركيا. وما زال النظام السوري يقوم بوظيفته في حراسة أمن إسرائيل، وتحقيق المصالح الروسية في المنطقة، ولعب دور في المشروع الإيراني المزعزع لأمن واستقرار المنطقة، ولا يوجد من يعارضه في هذه الوظائف والأدوار سوى تركيا. وهذا يؤثر على مشغليه أنفسهم، وقد أصبح ناطقاً إعلامياً باسم هؤلاء المشغلين، يتكلم بما يريدون، وينفذ ما يأمرونه به، حفاظاً على حكم بلد دمره وشرد شعبه.

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *