ما الذي يرفع من أداء فريق العمل إلى مستويات عالية؟

يقضي قادة الأعمال وقتاً لا يُحصى ويصرفون الكثير من المال والجهد في البحث عن العامل الأساس في الأداء العالي للفرق. تُشير الحكمة التقليدية - وتميل إليه العقول للوهلة الأولى - إلى أنَّ أفضل الفرق هي تلك التي لديها أذكى الأفراد وأكثرهم موهبة، ولكنَّ الدرسات تثبت أنَّ هذا ليس هو الحال؛ بل هنالك عوامل أخرى قد تكون أكثر أهمية، وهذا ما نسعى للحديث عنه في مقالنا هذا.

Share your love

نسبة الإيجابية (Positivity Ratio):

لقد أمضت شركة غوغل عامين في دراسة الفرق عالية الأداء؛ ونتج عن ذلك مشروع أرسطو (Project Aristotle) كما كان يُطَلقُ عليه، والتي أتت نتائجه لتتحدّى الرؤية النمطية السائدة لأداء الفرق؛ وهُنا يُطرَحُ السؤال الآتي: “ما الذي يجعل الفريق ذو أداء عالٍ؟”

يُشير ما توصلوا إليه في المشروع إلى أنَّ العامل الأهم في الفرق عالية الأداء هو “السلامة النفسية”؛ وهي اعتقاد الفرد بأنَّ المخاطرة لن تؤدي إلى العقاب. ففي الفرق التي تتمتّع بسلامة نفسية عالية، يشعر الأعضاء بالراحة عند تجربة شيء جديد أو طرح أسئلة، وتوجد فيها إمكانية تقديم مقترحات وإبداء أراء متعارضة ومجالٌ لقبول الأخطاء، دون خوف من الإحراج أو التعنيف أو التوبيخ. إذ يشعرُ أعضاء تلك الفرق بأنَّهم في دائرة الأمان. 

المكون الرئيس الآخر هو المعنى (Meaning)، والذي يُمكِنُ تشجيعه من خلال ردود الفعل الإيجابية والامتنان والتقدير. تدعم الأبحاث التي أجراها كل من ماريكل لوسادا (Marcial Losada) وإيميلي هيفي (Emily Heaphy) هذه الفكرة، وتُشير إلى خليطٍ خاص من المشاعر الإيجابية والمشاعر السلبية في مكان العمل؛ والذي يُطلق عليه نسبة (Losada)، والذي يُعرف أيضاً باسم نسبة الإيجابية (Positivity Ratio) في مجال سيكولوجية الإيجابية.

ويأتي مفهوم نسبة الإيجابية من مجال علم النفس الإيجابي، والذي يُعرَّف بأنَّه: دراسة رفاهية الإنسان في جميع جوانب الحياة.

ولكن السؤال هنا: كيف يمكن للفرق الاستفادة من مفهوم نسبة الإيجابية لتحسين أدائهم؟

قد تكون باربارا فريدريكسون (Barbara Fredrickson) – وهي واحدة من أشهر العلماء المهتمين بالإيجابية – في حالة شغف مبالغ فيه مع الإيجابية. إذ إنَّ باربارا شغوفة بالعواطف الإيجابية لدرجة أنَّها كرست عقوداً من حياتها المهنية لدراسة نتائج الإيجابية على حياة الكثيرين.

أظهرت دراسات  باربارا أنَّ المشاعر الإيجابية تؤدي إلى أكثر من مجرد الشُّعور بالرضا؛ فهي تساعدنا على توسيع وبناء قدراتنا العقلية والجسدية.

المدهش في الأمر أنَّ أبحاثها تُشير إلى أنَّ المشاعر الإيجابية تؤثر على الجسم والدماغ بطرائق مختلفة. فعندما نمّر بمشاعر إيجابية، تتحسّن قدرتنا على التفكير والإبداع والابتكار والإنتاج بصورةٍ مدهشة؛ مما يؤدي إلى تعزيز القدرة على بناء المهارات وتعزيز الصحة والتواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى الشعور بالرضا الداخلي؛ مما يجعلنا في وضع أفضل في السلوك الإبداعي والإيجابي، ويُفَعِّل أنشطة الدماغ العالية مثل: التفكير والتعاون والمشاركة؛ وهو ما نبحث عنه في الفرق عالية الأداء.

ولكن ما هو دور المشاعر السلبية؟ يعاني جميع البشر من وجود عواطف سلبية، والحقيقة أنَّ هذا ليس بالأمر السيء بالضرورة؛ إذ تُعَدُّ العواطف السلبية – من منظور بحثي  بحت – مهمة بصورةٍ كبيرة؛ فتخيل أنَّك تسير عبر غابات موحشة مع زملائك، وتصادف أثناء دخولك في كهف مظلم نمراً جائعاً متجهاً إليك؛ ستشعر بالخوف بالطبع. هذا الخوف هو ما يدفعك لإطلاق ساقيك للريح.

في هذه الحالة، يبدأ خوفك في جعلك واحداً من أسرع الرجال في العالم، وقد تتفوق على يوساين بولت مثلاً. لذا فلنتذكر معاً الحكمة التالية: “ليس عليك التفوق على النمر الجائع، عليك فقط أن تتفوق على الرجل الأبطأ في الفريق”. 

لطالما عادت علينا العواطف السلبية بنتيجة إيجابية على شكل رغبة في البقاء على قيد الحياة، وحفزتنا للهروب من مكامن الخطر (استجابة الكَرِّ والفرّ).

العثور على نسبة الإيجابية:

الآن، وبعد أن علمنا أنَّ المشاعر الإيجابية أمر أساسي ومهم في الفريق؛ دعونا نطرح السؤال التالي: ما هي النسبة المطلوبة للمشاعر الإيجابية؟” لحسن الحظ، درس كل من باربارا ولوسادا هذا أيضاً!

كما ذكرنا آنفاً، وُجدت المشاعر السلبية لغرضٍ مهم في حياتنا، لذا فإنَّ محاولة التخلص منها نهائياً فكرة خاطئة تماماً؛ وهي أقرب إلى المستحيل. مع وضع ذلك في عين الاعتبار؛ طرح كل من باربارا ولوسادا السؤال الآتي: “ما هي نسبة التجارب الإيجابية إلى السلبية التي يعيشها أسعد الناس؟”

للإجابة على السؤال أعلاه؛ بدأ الباحثون عملاً مكثفاً من خلال مراقبة آلاف السلوكيات لـِ (60) فريق عمل على اجتماعات لا تُعد ولا تحصى، حيث قاموا بتقسيم السلوكيات إلى ثلاث فئات أطلقوا عليها “نسبة التواصل”، وهي:

  • التركيز على الذات مقابل التركيز على الآخر.
  • الدفاع عن الرأي مقابل التساؤل عن الصواب.
  • تعزيز السلبية مقابل الإيجابية.

أظهرت النتائج أنَّ الفرق الأقل أداءً سجلت نسبة سلبية أكثر من الإيجابية 0.365 : 1. كما أظهرت هذه الفرق اختلالاً كبيراً فيما يتعلق بالصفات الشخصية مثل الأنانية. بينما كان لدى الفرق متوسطي الأداء نسبة إيجابية مقدارها 1.875 : 1.

والمدهش أنَّ الفرق الأعلى أداءً، قد سجلت نتائج مبهرة في نسبة الإيجابية 5.625 : 1 .

أين هي نقطة التحول إذاً؟

تتفوق الفرق ذات الأداء العالي على مثيلاتها من الفرق الأخرى في المشاعر الإيجابية بنسبة لا تقل عن ثلاثة أضعاف من المشاعر السلبية. فوفقاً للدراسة، في كل مرة تقوم فيها بالمرور بتجارب سلبية، سوف تحتاج إلى ثلاثة تجارب إيجابية على الأقل لتشعر بأنَّك تعيش حياة طيبة، وليس مجرد حياة تقليدية رتيبة.

كيف تُحسِن نسبة الإيجابية في مكان عملك؟

بداية؛ لماذا نهتم بذلك؟ لأنَّ نسبة الإيجابية تُعَدُّ ميزة تنافسية في فرق العمل، وتظهر مدى أهمية أن يكون لديك موظفين سعداء؛ فقد بيَّنت الأبحاث أنَّ السعادة ترفع إنتاجية العمل بنسبة 31٪، والمبيعات بنسبة 37٪.

فيما يلي، ثلاث توصيات للقيام بذلك:

1. تدريب المدراء:

تُشير التقارير إلى أنَّ ما لا يقل عن 75٪ من الموظفين يتركون وظائفهم ليس بسبب الوظيفة وطبيعتها، ولكن بسبب “علاقة غير جيدة” مع رؤسائهم. قد يكون تدريب المديرين ليكونوا قادة إيجابيين، هو الطريقة الأكثر فاعلية لتقليل معدل الدوران الوظيفي – معدل دوران وانحراف في بقاء العمالة البشرية الموجودة لدى شركة ما – وزيادة نسبة المشاركة في أماكن العمل.

لذا اشرح نسبة الإيجابية المطلوبة للمديرين، ووفِّر لهم أدوات بسيطة لتعزيز الإيجابية في تفاعلاتهم اليومية مع الموظفين.

2. تقديم ثناءٍ محدد وواضح:

يقول أحد المديرين: “كنت أُشرف ذات مرة على مستشفى بيطري كبير به حوالي 30 موظفاً؛ وكل يوم بينما كنت أستعد للمغادرة، كنت أمشي في المستشفى وأقول: “شكراً لك على عملك اليوم” لكل شخص.

ظننت أنَّني سوف أفوز  بلقب “المدير الأفضل” في المستشفى، ولك أن تتخيّل مدى صدمتي عندما بدأت أسمع من الموظفين بأنَّهم شعروا أنَّني لم أكن أقدرهم وأشيد بمساهماتهم؛ كيف حدث ذلك؟

العقل البشري قابل للتكيف بشكل لا يصدق مع التكرار؛ في المرة الأولى التي بذلت فيها جهداً لإيجاد كل شخص في المستشفى وشكره على عمله، كان هذا يعني الكثير له.

في اليوم الثاني، كان يعني ذلك أقلَّ قليلاً؛ ليقلَّ بالتدريج مع مرور الوقت. السؤال المهم هنا: هل كنت أشكرهم حقاً؟! بالنسبة للموظفين، بدا الأمر وكأنَّه مجاملة فارغة ليس لها مفعول حقيقي، وذلك بحكم التكرار والعمومية”.

إنَّ الثناء الفعّال الذي ينتج عنه مشاعر إيجابية، محدد وحقيقي وفي الوقت المناسب، وذو صلة بعمل الموظف. وتسري نفس هذه القواعد على التعليقات البناءة والتغذية الراجعة أيضاً.

3. إشراك الفريق بأكمله في الإيجابية:

تذكر أنَّ الفريق المتماسك مثل الجسد الواحد يعضد بعضه بعضاً؛ ولكن قد يتساءل أحد قادة الفرق: النسبة 1 : 3  معقولة ومنطقية وتبدو جيدة، لكن كيف يُفترض أن يقدم المدير ثلاث تجارب إيجابية على الأقل لكل موظف يومياً؟ إذ لا يمكنه فعل ذلك باستمرار بحكم انشغاله والتزاماته اليومية.

إذاً ما الذي يجب أن يفعله المدير؟ حسناً، إليك بعض الأخبار الجيدة: تُشعر التجارب الإيجابية الجميع  بالإيجابية، بغض النظر عن مصدرها. فقد لا تكون أنت مصدر هذه المشاعر الإيجابية؛ لذا اجعل نسبة الإيجابية جهداً جماعياً يقوم به كافة أعضاء الفريق.

تحقق عملية توجيه وتحفيز وتمكين الجميع في فريقك لإيجاد طرق لتقديم تجارب إيجابية في مكان العمل كل يوم، النسبة المطلوبة بشكل رائع.

والأفضل من ذلك، هو تسريع هذه العملية باستخدام بعض الأدوات التي تزيد بشكل كبير من فرصة تحقيق نسبة الإيجابية، ووضع قوة التقدير والثناء في أيدي الجميع.

أذا أخذنا في الاعتبار السلامة النفسية ونسبة الايجابية وأهميتها في رفع آداء الفريق؛ ما الذي يحتاجه الفريق أيضاً؟

لا يمكننا أن نغفل هنا عن أساسيات بناء الفريق، مثل: تنوع المهارات والقدرات ووجود غايات واضحة ومؤشرات أداء، وإيمان عميق بالفكرة التي يعمل من أجلها الفريق وغيرها من الأساسيات؛  فالمقالة تضيف ولا تنسُفُ ما سبق ذكره من دعائم بناء فريق قوي ومتماسك.

لقد بات بين يديك الآن وصفة نجاح لرفع مستوى أداء فريقك، وخاصة عندما يعمل لتحقيق غايات عظيمة ويحرص على الوصول إلى أعلى درجات الأداء والتميز.

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!