‘);
}

النفس

تعدّدت معاني النفس في القرآن الكريم، وكان لها من الاختلاف بحسب السياق التي وردت به، فقد تأتي بمعنى الروح، وقد تكون بمعنى الإنسان؛ أيّ شخصية الإنسان بكامل هيئتها، بما تتكوّن به من لحمٍ ودمٍ، وجاء لفظ النفس بذلك المعنى كثيراً في القرآن الكريم، حيث قال الله تعالى: (قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ)،[١] والمقصود بالرجل في الموضع السابق الرجل الذي قتله موس، في أرض مصر، وللنفس معنىً قد ترد به؛ وهو العقل، وجاءت أيضاً بمعنى القُوى التي لها القدرة على التمييز، ما بين الخير والشرّ، والاستعداد لهما، وبالتالي فإنّ القرآن الكريم خاطب النفس على أنّها الإنسان العاقل المكلّف، الذي يُتوقّع أن يصدر منه الخير، أو الشرّ، أو الهدى، أو الضلال، والنفس هي الإنسان بجميع مكوناته جسداً وروحاً، والنفس هي التي تتمثّل أمام الله تعالى، وتتمثل أمام المجتمع، حيث يقول الله عزّ وجلّ: (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا)،[٢] وتتكوّن النفس من التقاء الروح مع الجسد، فتخلق في الإنسان ذاتيةً، يدرك من خلالها بأنّه الإنسان، بأحاسيسه، ووجدانه، ومدركاته؛ ومن أجل ذلك كانت النفس محلّ خطاب الله تعالى، ومحلّ استحقاق الحساب، والثواب والعقاب.[٣]

الروح

تتميّز الروح بأنّها من أعظم مخلوقات الله تعالى، فكان لها التشريف والتعظيم؛ حيث نسبها الله -تعالى- لذاته الجليلة، حيث قال: (فَإِذا سَوَّيتُهُ وَنَفَختُ فيهِ مِن روحي فَقَعوا لَهُ ساجِدينَ)،[٤] والسجود الوارد في الآية؛ هو سجود تكريمٍ، وليس سجود عبادةٍ، ومن مظاهر تعظيم الله وتكريمه للروح؛ أن جعلها خفيةً عن علم البشر، فلا يعلمون عنها إلّا ما أخبرهم الله -تعالى- به فيما يخصها، حيث قال: (وَيَسأَلونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ رَبّي وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا)،[٥] فالإنسان يعيش نوعين من الحياة، أولهما: ما يتعلّق بالحواس التي تُعطي الإنسان الشعور بالعالم من حوله، وتمنحه القدرة التي تتناسب وفق تركيبته كمخلوقٍ، ويكون الإنسان بذلك محدّد القدرات، وتكون تلك الروح مأسورة الجسد، حيث قال الله تعالى: (نحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا)،[٦] وثانيهما المعروفة بعالم الملكوت، الذي ينقسم بدوره إلى حديث النفس الذي ليس له تأثيرٌ على مستقبل الإنسان؛ لأنّه عبارةٌ عن أفكارٍ وسلوكياتٍ أثّرت على الإنسان في الزمن الماضي، كما ويقسم إلى قسم ثانٍ؛ وهو الوحي الإلهي؛ وله تأثيرٌ على المستقبل، أو الحاضر الذي يعيشه الإنسان؛ لأنّه عبارةٌ عن محاكاةٍ، أو إنذارٍ، أو تبشيرٍ، والقسم الثالث هو البثّ الشيطاني؛ والأفضل فيه أن يتجاوزه المرء، وقد اعتنى الإسلام بالقيم الروحية، فقد خلق الله -تعالى- الإنسان من جسدٍ وروحٍ، وأعطاه التوجيهات اللازمة من أجل تحقيق التوازن بين كلّ منهما، والضوابط المتبعة في روح الإنسان، هي ما يعرف بالقيم الروحية، فالمُخاطب في الإنسان باطنه، وهو المعبّر عنه؛ بالقلب، والنفس، والجوارح، وتستند تلك القيم الروحية إلى القرآن الكريم، والسنّة النبوية المطهرة اللذان يعدّان أساس الدين، والسيرة النبوية الشريفة التي تعدّ التطبيق العملي لكلّ ما ورد في القرآن الكريم، وتتعدّد تلك القيم بتعدد الأخلاق التي أوصى بها الشرع، وتتحقّق من خلال الاستحضار الدائم للموت، والآخرة، والموازنة بين حاجات الجسد والروح، وعدم تغليب أحدهما على الآخر، وكثرة ذكر الله تعالى، وتتميّز تلك القيم بأنّها ثابتةٌ؛ فلا تتغيّر بتغيّر الزمان، أو المكان، أو الظروف، وكما تتميّز بأنّها مستمرةٌ؛ بمعنى أنّ الإنسان مطالبٌ بتحريها في مختلف مجالات الحياة، وشموليتها؛ فتدخل في علاقة الإنسان بربّه، وعلاقته مع غيره، وعلاقته مع نفسه، حيث قال الله تعالى: (قُل إِنَّ صَلاتي وَنُسُكي وَمَحيايَ وَمَماتي لِلَّهِ رَبِّ العالَمينَ*لا شَريكَ لَهُ وَبِذلِكَ أُمِرتُ وَأَنا أَوَّلُ المُسلِمينَ).[٧][٨]