ما بين التَقبُّل وتحييد المشاعر: كيف نتحكم بمشاعرنا؟

عندما تكون في مزاجٍ سيء، هل تبقى رغبتك مرتفعة للقيام بالأشياء المنوطة بكَ؟ ألا تشعر بوجود رابطٍ بين مزاجك وإنتاجيتك، وبين مشاعرك وجودة إنجاز مهامك؟ ألا تشعر بأنّ مشاعرك هي المحرّك الأساسي لسلوكك؟ والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما هي المشاعر؟ وهل هناك مشاعر إيجابيّة وأخرى سلبيّة؟ وكيف نتحكّم بمشاعرنا؟ إنَّ المشاعرَ توترٌ يحصل في جسم الإنسان نتيجة وجود مؤثرات خارجية يتمّ تفسيرها بشكلٍ ما، أو يتمّ التأثير فيها على الجسم فيزيائيّاً بطريقةٍ معيّنة.

Share your love

تُثبِت الدراسات أنّ 5% من المؤثرات هي مؤثرات خارجية، وأنَّ 95% منها عبارة عن مؤثرات داخلية؛ ممّا يعني أنّ باستطاعتنا التّحكم بمشاعرنا. علماً أنّ المؤثر الخارجي هو كلّ شيءٍ فيزيائيٍّ يؤثّر فينا (على سبيل المثال: الوخز بالدّبوس)، أمّا المؤثرات الداخلية فهي كلُّ شيءٍ يُدرَك عن طريق الحواس (استجابة الإنسان لِما يراه أو يسمعه أو يحسّه).

أمّا المشاعر في مفهوم علم الطاقة فهي: التّذوق الحسّي للطاقة المتولّدة عن الأفكار.

لكن ما معنى ذلك؟ يعني هذا أنّه عندما يتمّ توليد فكرةٍ في الدماغ، فإنّها تُولِّد طاقة، وتذوُّق الجسم لهذه الطاقة يُسمّى المشاعر. إذاً فالمشاعر أشبه بتذوّق شيءٍ ما – مثل تذوّق الألم أو تذوّق السعادة أو تذوّق الحب – وبالتالي فالمشاعر أمرٌ غير مادي، فهي نتيجةٌ لدخول شيءٍ إلى حيّز الطاقة.

كثيراً ما نسمع عبارة “شخصٍ عاطفي” و”شخصٍ عقلاني”، وحقيقة الأمر أنّه يوجد رابطٌ بين المشاعر والذكاء العاطفي، فإن كان الشخص ذا معدَّلِ ذكاءٍ مُرتفع، بيدَ أنّه لا يُحسِن التعامل مع الآخرين أو العمل عندما يكون مزاجه سيء، فلن يكون ناجحاً في حياته لأنّ مشاعره تحكُمه. ومن جهةٍ أخرى، إن كان هناك شخصٌ مستوى ذكائه أقلّ بكثير، لكنّه ودودٌ واجتماعيٌ وقادرٌ على إدارة انفعالاته؛ فهو سيكون شخصاً ناجحاً بكلِّ تأكيد.

فلنتحدث عن تجربة جميلة تُدعى “تجربة المارشميلو”:

وُضِعَ طبقٌ يحتوي على خمس كرات من المارشميلو أمام مجموعةٍ من الأطفال، وقِيلَ لهم أنَّ باستطاعة كلّ طفلٍ منهم أكل الطبق كاملاً، إلا أنّه في حال مُضيّ عشرين دقيقة دون أن يأكل أحدهم سوى كرةً واحدة، فهذا الطفل سَيُكافأ بعشر كراتٍ إضافيّة. فلم يستطع بعض الأطفال المقاومة، وتناولوا الطبق كاملاً. في حين صبر بعضهم مدةَ عشرين دقيقة فحصلوا على الكرات العشر الإضافية. المُلفت في التجربة أنّه تمّ متابعة هؤلاء الأطفال حتى أصبحوا أشخاصاً ناضجين، فتبيّن أنّ الأشخاص الأكثر نجاحاً واستقراراً في مختلف مجالات الحياة منهم، هم أنفسهم مَن استطاعوا التّحكم بمشاعرهم أمام طبق المارشميلو لمدة عشرين دقيقة عندما كانوا صغاراً.

هل يوجد مشاعر إيجابيّة وأخرى سلبيّة؟

الجواب الصادم هنا أنّ المشاعر حياديّة، لكنَّ طريقة استجابتنا لها هي ما يجعلها إيجابيّة أو سلبيّة.

تأتي درجة الألم التي تشعر بها من درجة رفضك للأشياء، وكلما زاد الألم والرفض، يزداد التصاق الشيء الذي ترفضه في حياتك. فإن كانت المشكلة في رفضك للأشياء، فكيف تصل إلى التّقبل إذاً؟ هذا ما سنعرفه لاحقاً.

سنذكر قصّةً حقيقيّةً عن أبٍ ظالمٍ ومُدمِن مخدرات وسيّء السلوك جداً: كان لهذا الأب ابنان، واللذان سكنَا المنزلَ نفسه، وعاشا الظروفَ نفسها. وعندما نضجا وأصبحا شابين، أصبحَ أحدهما مديراً تنفيذياً في شركة كبيرة وأباً وزوجاً مثاليّاً، أمّا الآخر فسُجِن لارتكابه جرائم شائنة. وعندما سُئل كلّاً منهما على حدة: “كيف أصبحتَ هكذا؟”، أجابا الجواب عينه: “إنّني نتيجةٌ طبيعيّة لوالدَيّ”. إذاً: مَن يُحدِّد أين تكون ليس ظرفك وإنَّما كيفيّة استجابتك للظرف نفسه.

لكن كلٌّ منّا يمرُّ بمشاعر سلبيّة -أو غير إيجابيّة- مثل:

الغضب:

يتفاعل عقلك الباطنيّ مع الشعور بالغضب عندما لا تحصل على ما تريد. وفي محاولةٍ لإجبار الأشياء على السير كما ترغب؛ يخلق الغضب وهماً أنّك تستطيع السيطرة على الموقف، كما أنّه يمثلُ طريقة لحماية حقوقك.

الانزعاج:

يحدث الانزعاج عندما يستفزّك سلوك شخصٍ ما ويجعلك غاضباً؛ فهذا يعني أنّه لا يتصرّف بالطريقة التي تريدها، فالمعنى الخفيّ للانزعاج هو أنّك غير قادرٍ بشكلٍ أساسيٍّ على قبول الناس بالطريقة التي هم عليها.

الحزن:

يُعدّ الحزن طريقتنا للتعبير عن عدم الرضا عن أنفسنا وإنجازاتنا. ويجعلك تشعر أنّ هنالك شيئاً ما مفقودٌ في حياتك، وأنَّك ستكون أكثر سعادةً إن كان لديك وظيفةٌ أو منزلٌ أو علاقةٌ مختلفة. كما يمنعك الحزن من الاستمتاع بكلّ الأشياء الجيّدة التي تملكها في هذه الحياة. يمثّل الشعور بالحنين شكلاً آخر من أشكال الحزن، ويأتي من رفضك للواقع.

الشعور بالذّنب:

يؤثّر الشّعور بالذّنب غالباً على المفكرين والأشخاص العميقين؛ وهو شكلٌ من أشكال العقاب الذاتيّ. وينطوي في حالاتٍ نادرة على شعورٍ خفيّ بالتّفوق، ممّا يجعلك تفكّر في أمرٍ مثل: “أنا متحضّرٌ للغاية لدرجة أنّني أشعر بالضيق تجاه أخطائي”. إنّ الشعور بالذنب مُدمّر للغاية، ممّا يتطلب منك إعادة النّظر في حياتك والبحث عن مصدره؛ فقد يكون نتاجاً للتفكير المرتبط بكونك قاسٍ للغاية مع نفسك، أو لأنّكَ قد قمتَ بفعلٍ سيءٍ. وعندها عليكَ تحليل السبب الحقيقي لعملك غير المحمود، والاعتذار بعد ذلك إلى من أساتَ إليهم ومسامحة نفسك.

الخوف والقلق:

مَهمَّة هذه المشاعر حمايتنا من خلال منع المواقف الخطيرة؛ فلولا الخوف لتعرّضنا إلى حوادث سيرٍ أكثر ولقلَّ مردودنا الدراسي، على سبيل المثال لا الحصر. لذا علينا أن ننتقل من الخوف إلى القلق من خلال افتراض الأحداث السيئة التي يمكن أن تحدث، وإعداد خطة للتعامل معها، فإن استطعنا تسخير القلق لمصلحتنا، فسيُمكِّننا من حلّ المشكلات بأسلوبٍ ابداعيٍّ ويحفّزنا للعمل.

الإحباط واليأس:

يحدث اليأس عندما لا تؤدّي الجهود المبذولة إلى النتائج المرجوّة، إنّها طريقةٌ خفيّةٌ لإعطاء نفسك الذريعة للتّخلّي عن المحاولات المتكرّرة لتحقيق الهدف. ويمكن أن يكون عبارةً عن إشارةٍ من عقلك تدلُّ إلى أنّك بحاجةٍ إلى الراحة.

اللّامبالاة:

تظهر عند الأشخاص الذين لا يملكون القوّة والقدرة على التمرّد علانيّة، وهي شكلٌ من أشكال التّمرّد على أمرٍ ما، إنّها طريقةٌ عدوانيّةٌ سلبيّةٌ للتعبير عن الاحتجاج والخلاف مع شيءٍ ما. وقد تكون اللامبالاة طريقةً خفيّةً للتهرّب من المسؤوليّة، بحيث لا يعود أمام الآخرين من خيارٍ إلا تولّي مهامك وإنجاز العمل بدلاً منك.

خيبة الأمل والكآبة:

تأتي خيبة الأمل من استيائك أمام مواقف لا يحصل فيها ما تريد، أو عدم قيام الأشخاص بفعل ما تريد منهم القيام به. وعلى أيّ حال؛ فإنّ المعنى الخفي وراء مشاعر الإحباط تلك هو أنّك لا تتقبل الناس والحياة كما هم، فينتهي بك الأمر إلى الإصابة بالإحباط من الحياة غير العادلة، ومن الأشخاص الذين لم يُلبوا توقعاتك.

ويبقى السؤال الذي يشغل بال الكثيرين: “كيف نتحكّم بمشاعرنا؟”.

كيف نتحكم بمشاعرنا؟

1- التَّقبل:

الإنسان غير المُتقبِّل هو ذلكَ الذي يستمدّ معلوماته من الواقع. وعلى أساسه يبني حالته الشعوريّة (الحزن أو الفرح). بينما الانسان المُتقبِّل هو الذي يُدرِك أنّه مَن يَخلق الواقع ويستمدّ معلوماته من المصدر (الإله)، وهو شخصٌ متفائلٌ ويثق بأنّه قادرٌ على تغيير كلّ شيء. أمّا الواقع فهو: وقوع وتحقُّق أفكار الشخص وقناعاته التي يؤمن بها. لذا وبالتالي، باستطاعتنا تغيير الواقع عبر تغيير الحالة التي نحن عليها.

على سبيل المثال: عندما تلعب لعبة كمبيوتر، فإنّك تكون في حالة تقبّلٍ مطلقٍ لكلّ أنواع الصعوبات التي تعترضك أثناء اللعب، ويكون لديك إحساسٌ مؤكّدٌ بالفوز والوصول إلى المستوى التالي من اللعبة، غير مكترثٍ بالظروف الحاليّة التي تمرّ بها، ذلك لأنّ تركيزك يكون مُنصبّاً على الهدف فقط.

هكذا يكون حال الشخص المُتقبِّل، أمّا الشخص غير المُتقبِّل فيكون في حالة شكٍّ وقلقٍ على الدوام، فيصبح أسيراً للواقع.

2- التفسير:

يستطيع الإنسان التحكّم في مشاعره إذا استطاع تفسير كلّ شيءٍ بطريقةٍ تُعطي مشاعر إيجابيّة. ويتطلّب الأمر هذا تدريب العقل على تغيير استجاباته للأمور. فمثلاً: إن كان منظر طفلك وهو يلعب بكتبه بطريقةٍ عشوائيّةٍ يزعجك كثيراً، فدرّب عقلك على مراقبة مشاعرك بوعي، وحاول أن تمنع نفسك من الانزعاج لمراتٍ عدَّة؛ سيدركُ عقلك عندئذٍ أنّك تقوم بفعل الأمور بحيث تكون مشاعرك ملكك وليس ملك الظروف. والرّائع أنّه مع التدريب، يصبح عقلك قادراً على توليد استجابات إيجابيّة أوتوماتيكياً.

على سبيل المثال: تعرّض أحدهم لحادث سير وكان معه أطفاله، إلا أنّ تفسيره للحالة كان إيجابياً جداً، حيث تطلّع إلى أبنائه وحمد ربّه أنّهم بخير، وضاحكهم قائلاً: “نعم لقد كانت سيارتنا بحاجةٍ إلى تغيير”. لقد تقبّل هذا الشخص الحدث بهدوء، فاستطاع أن يفكّر ويجد حلولاً فعّالة، ذلك لأنّ أفكاره كانت من نوعيّة مشاعره الإيجابية. والأهم من هذا أنّهُ استطاعَ معرفة الرسالة الكامنة وراء الحدث، بسبب أنّه كان مؤمناً بأنَّ خالقَ الكون لم يخلق سوى الأشياء الإيجابيّة التي تصبُّ في منفعة الإنسان.

وبالمقابل، تعرّض شخصٌ آخر لنفس الحادث، إلا أنّ استجابته كانت مختلفةً جداً، فبدأ بشتم حظه وقدره، وقدَّرَ أنّ الله لا يحبّه، أي أنّه رفض الحدث فأصبحت مشاعره سلبيّة، وباتت أفكاره على نفس موجة المشاعر، فبقيَ متألِّماً وحزيناً.

3- تحييد المشاعر:

لحلِّ أيّ مشكلةٍ تعترضك، حَيّد مشاعرك تجاهها: أي لا تكن حزيناً أو سعيداً. وهذه الفكرة تأتي من التّقبل؛ فعندما تتقبّل ما يحدث معك، تصبح مشاعرك محايدة، وتستطيع عندها اتخاذ القرار الصائب تماماً.

في حال خروج المشاعر بطريقةٍ سلبيّة، فسيزداد الوضع سوءاً؛ ذلك لأنّ الأفكار ستكون من نفس نوع المشاعر. لكن في حال تحييدها، فستقلّ الطاقة السلبيّة كثيراً إلى أن تختفي في نهاية المطاف.

4- اكتشف النية الإيجابية من وراء السلوك السلبي:

يقوم الأهل بالصراخ على ابنهم لكي يطوّر طريقته بالدراسة. وفي حين يُعدّ سلوكهم سلبي، لكن على الابن أن يعرف النيّة الإيجابيّة الكامنة وراء سلوكهم، ويتعامل معهم على هذا الأساس؛ فهنالك رسالةٌ إيجابيّةٌ خلف كلّ شعورٍ سلبي، فيُعدّ الخوف إشارة لنا أنّ هناك خطراً ما، ويعزّز الحزن مشاعر التواصل والاعتراف بالمجتمع، ويحثّنا الشّعور بالذّنب على القيام بالشيء الصحيح. أمّا الغضب فيُعد آليةً تُلهِمنا العملَ وتحثّنا على القيام بشيءٍ لتغيير حالتنا الراهنة.

5- التعامل مع المشاعر السلبيّة على أنّها مشاعر طبيعيّة:

نتكلّم غالباً في حياتنا عن الثّراء والحب والسعادة، وننسى التكلّم عن المشاعر السلبيّة بكونها طبيعيّة وشيئاً محتوماً في الحياة؛ وهو ما يدفعنا إلى أن نشعر بالسوء عندما نتكلّم عنها، فمن الضروري أن نعلم أنّ هذه المشاعر طبيعيّة ومفيدة وتساعدنا على التكيّف مع الحياة.

ولأنَّ هذه الحقيقة تجعلنا نتعامل مع الكثير من المواقف اليوميّة والتحديات؛ فاسمح لنفسك بالشعور بكلّ أنواع المشاعر، لكي تتعلّم أن تبني استراتيجيات للتعامل معها، وتكون أكثر وعياً لكيفية الاستجابة للمشاعر السلبيّة. إذ تجعلنا المشاعر السلبيّة -إن أحسنَّا إدارتها- أصدقاء وشركاء أفضل، وتجعلنا ننمو ونتطوّر بالصورة الأمثل، وتُحفّزنا على إجراء التّغييرات في حياتنا.

الخلاصة:

كي تعيش بسلامٍ داخليّ، عليكَ أن تختبر كلّ أنواع المشاعر، الإيجابيّة منها والسلبية، لتشعر عندها بالغنى الحقيقي؛ ففي حال كان شعورك أنّك غنيٌّ لأنّ الله غنيٌّ ولأنّ الحياة مليئة بالفرص؛ ستوقنُ حينئذٍ أنّك تملك عملاتٍ كثيرةً قادرةً على جذب المال والسعادة إليك. ومن شأن هذا أن يجعلك هادئاً ومتّزناً ومطمئناً -مهما كانت ظروف البلد التي تعيش فيه- فتتقبّل الصعوبات بمتعة، وتَعُدّها تحديات تستأهل منك خوض غمارها.

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!