ترجمة: علاء الدين أبو زينة

فيل ويتاكر* – (ذا نيوستيتسمان) 7/10/2020
في هذه المرحلة بعد الشفاء الظاهري من المرض، تكون مدة المعاناة من أعراض الإصابة غير مؤكدة بقدر ما هي الأسباب التي تكمن وراءها.
* * *
كانت السمات الفيروسية للإصابة المألوفة حاضرة: سعال، إسهال، صداع، غثيان، إرهاق عام وآلام عضلية منتشرة. لكنّ عرَضين غريبين -الضغط الشديد المستمر على الصدر، الذي يجعل التنفس صعبًا؛ والشعور بالحرقان في الداخل، كما لو أن الرئتين نفسيهما تكونان مشتعلتين- هما اللذان ميّزا هذا كمرض لم يسبق لي وأن واجهته من قبل.
بحلول الوقت الذي قمت فيه بتقييم أول عشر أو نحو ذلك من الحالات التي أعالجها في أواخر شهر آذار (مارس)، كنت قد طورت فهماً قويًا للكيفية التي يُظهر بها “كوفيد-19″ نفسه، وهو ما ساعدني على جعل الأمور أكثر وضوحًا عندما أصادف مريضًا بـ”كوفيد” يشرع في مواجهة المتاعب. وإضافة إلى التعلم عن طريق التجربة، تم تجميع المعلومات التي تتوفر حول المرض ونشرها بسرعة لمساعدة أطباء الخط الأمامي الذين كانوا يتعاملون مع الموجة الأولى من التفشي. وجاءت أخبار تفيد بأنه يبدو أن هناك نافذة زمنية يحدث فيها التدهور المفاجئ المخيف عادةً -بين اليومين السادس والعاشر من الإصابة بالمرض.
سرعان ما أدرجت هذا على الفور في ممارستي المهنية: جعل المرضى يعرفون في أسبوعهم الأول ضرورة الانتباه إلى إمكانية حدوث انتكاسة، وطلب المساعدة على الفور إذا ما حدث ذلك. كما أنني طمأنت أولئك الذين تجاوزوا تلك النافذة إلى أن التعافي سيأتي في القريب. ولأن هذا أيضًا ما كان يُقال لنا: إذا تجاوز شخص ما منطقة الخطر التي تتراوح بين ستة وعشرة أيام، فإنه ينبغي أن يصبح على ما يُرام مرة أخرى خلال فترة تتراوح بين أسبوعين وثلاثة أسابيع.
في ممارستي النهارية؛ حيث تكون لديّ استمرارية في رعاية قائمتي من المرضى، بدأتُ في التعرف إلى شيء مختلف. لقد استمرت مجموعة من مرضى “كوفيد-19” في الاتصال بي، أسبوعًا بعد آخر. لم يكونوا يعرفون بعضهم بعضا، ولم تكن لديهم أي فكرة عن وجود آخرين يُبلِغون عن الشيء نفسه. وعند هؤلاء الأشخاص سيكون هناك تعافٍ ظاهر -والذي يمتد حتى لبضعة أيام من الشعور بالتحسن- قبل أن ينغمسوا عائدين مرة أخرى إلى اختبار مجموعة الأعراض نفسها التي كانوا يعانون منها في مرضهم الأصلي. ويتكرر ذلك مرة بعد أخرى. بطريقة مزعجة توقع الكآبة في النفس.
في البداية، كنت أطمئن مرضاي هؤلاء: كل الأمراض هي طيف له درجات. ولا بد أنهم يستغرقون ببساطة وقتًا أطول للتعافي. ولكن، بينما امتدت الأسابيع لتصبح أشهراً، أصبح هذا التفسير غير مقبول بشكل متزايد. قمت بالترتيب لإجراء فحوصات وجهاً لوجه، وتكرار اختبارات الدم، وتخطيط القلب، وصور الأشعة السينية للصدر. لكن أياً من هذا لم يكن مفيداً. وبدأت في الكتابة عما أسميته “فيروس كوفيد-19 المنتكس المتحول” relapsing-remitting Covid-19. وقد اتصل بي العديد من الزملاء، وعدد لا بأس به من المرضى، ليقولوا إنهم يرون أو يختبرون الشيء نفسه. وكان المرضى في المملكة المتحدة والعديد من البلدان الأخرى -الذين وجدوا أطباءهم في حيرة أمام هذه الحالات- ينظمون أنفسهم في مجموعات دعم على وسائل التواصل الاجتماعي. وفي النهاية، ظهر مصطلح “كوفيد الطويل” Long Covid في المقدمة باعتباره طريقة لوصف هذه الظاهرة.
كان الشيء الأكثر مساعدة الذي أمكنني فعله لمرضاي هو توصيلهم بالآخرين الذين كانوا يعانون من الشيء نفسه. وبالتأكيد لم أتمكن من تزويدهم بأي توقعات، ولا أي تطمينات صادقة بأنهم سيتعافون بالتأكيد، ولا أن مخاوفهم بشأن حدوث ضرر دائم كانت بلا أساس. لكنني تأكدت من أن يعرفوا أنني صدّقتهم. وقد تعرض عدد كبير جدًا من المرضى في أماكن أخرى إلى الطرد من قبل أطبائهم، الذين كانوا يخبرونهم أن الأمر كله لا بد أن يكون مجرد قلق؛ بأنه ليس هناك أي شيء خطأ. وهو، للأسف، ما يفعله بعض الأطباء عادة عندما يواجهون أشياء لا يفهمونها.
ما نزال حتى الآن في سفوح التلال، لكنني سأصف ثلاث مجموعات ربما تكون متداخلة تحت مصطلح “كوفيد الطويل”. يتعلق العاملان الأولان إلى حد كبير بالمرضى الذين عولجوا في المستشفى من حالة شديدة من المرض. وسوف يكون أي شخص ينجو بعد قضاء وقت طويل على أجهزة التنفس الاصطناعي في العناية المركزة عرضة للوهن والصدمة من التدخل الطبي الاقتحامي الذي أبقاه على قيد الحياة. ثم هناك أولئك الذين يُترَكون، لسوء الحظ، ليتعاملوا مع مضاعفات مميزة للإصابة بـ”كوفيد-19″: أولئك الذين عانوا من السكتات الدماغية والنوبات القلبية، والجلطات أو الندوب على الرئتين، والتهاب عضلة القلب أو الدماغ، والفشل الكلوي.
لكن المجموعة الثالثة -التي تضم العديد من المصابين الذين لم يكونوا مرضى بما يكفي لدخول المستشفى- هي التي يعاني أفرادها من هذا النمط من النوبات المتكررة من الأعراض النمطية. وقد استغرق الأمر بعض الوقت لتحقيق الاعتراف بواقعهم، لكنّ هناك الآن مشاريع بحثية جارية لمحاولة اكتشاف الأسباب الكامنة وراء ما يختبرون.
سوف يصل الأمر في نهاية المطاف، كما أظن، إلى الجهاز المناعي، وربما الحِمل الفيروسي الأولي. إننا نعلم أن فيروس التهاب الكبد الوبائي من الفئة “ب”، على سبيل المثال، يصنع العديد من الأنماط المتمايزة للمرض -ثمة العدوى من دون أعراض؛ والتهاب الكبد الحاد الذي يشفى بعد ذلك تمامًا؛ وشكل مزمن مقيم من المرض، والذي يمكن أن يتسبب في النهاية في مضاعفات تحد من الحياة. ويعتمد نمط المرض الذي يعاني منه الفرد جزئيًا على الطريقة التي يستجيب بها جهازه المناعي للفيروس، والذي يمكن أن يتأثر بدوره بالحِمل الفيروسي الأولي.
تبقى مدة دوام “كوفيد الطويل” غير مؤكدة. ويبدو الآن أن معظم مرضاي قد تعافوا وتلاشت انتكاساتهم أخيرًا بعد أربعة إلى خمسة أشهر. لكن هناك مريضاً واحداً تستمر أعراض مرضه في الظهور بعد ستة أشهر الآن. وبالنسبة لكل واحد من المرضى، كانت هذه رحلة من التخمين والحيرة والخوف من المجهول. وقد اعتدنا -مهما كان مرضنا- أن يكون أطباؤنا قادرين على الأقل على توضيح ما يمكن أن يحدث. لكن هذا غير ممكن ببساطة مع مرض مثل “كوفيد الطويل”: إننا نتعلم عنه فقط، جنبًا إلى جنب مع أولئك الذين يعانون منه.
يجب أن يستمر البحث في هذه القضية على المدى الطويل. وقد كتبت مؤخرًا عن مريض تعافى وظل كذلك لأشهر عدة، فقط ليتعرض مرة أخرى للاعتلال العصبي المحيطي -وهو خلل مؤلم في الأعصاب التي تنقل المعلومات الحسية من القدمين واليدين والوجه. ولا يمكنني التأكد من أن هذا مرتبط بـ”كوفيد”، لكن هناك أمثلة أخرى للفيروسات التي تكمن في حالة سبات في الأنسجة العصبية ثم تنشط لاحقًا. وتشير الدراسات الاستقصائية لمرضى “كوفيد الطويل” إلى أن الاعتلال العصبي المحيطي قد يكون مرتبطًا بالفعل بفيروس كورونا، وفي هذه الحالة تشير أعراض مريضي إلى احتمالية أن ينشط “كوفيد-19” بعد أشهر من الاعتقاد بأنه ذهب.
تظل معدلات الاستشفاء في المستشفيات والوفيات في الموجة الثانية منخفضة؛ معظم الحالات بين الشباب، من فئة السكان “منخفضي المخاطر”. لكن الأشهر المقبلة، بينما ندخل فصل الشتاء العميق، ستشهد عدداً أكبر بكثير من المرضى الذين سيعانون من اعتلال الصحة المطوّل والمثبط للمعنويات الذي ينطوي عليه “كوفيد الطويل”.

*Phil Whitaker: طبيب عام يكتب عمود “مسائل الصحة” لمجلة “نيو ستيتسمان”. تشمل كتبه “حمى أونغا الدجاج: قصص من الخط الأمامي الطبي”.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: What I’ve learned on the front line against Long Covid