‘);
}

الشهادة في سبيل الله

الشَّهادةُ في سبيلِ اللهِ مَرتبةٌ عَظيمةٌ يَمنَحُها اللهُ تعالى لِمن بادَرَ بالحُصولِ عليها، وصَدَق النِيَّةَ في ذلك، فأوقَفَ للهِ نَفسَهُ، وبذَلَ فيهِ روحَهُ ناصِراً لِدينِهِ حتى يُدرِكَها وهوَ راضٍ مُطمئِن. تُعرَفُ الشَّهادةُ في سبيلِ الله بأنَّها حالةٌ شَريفَةٌ تَحصُلُ لِلعَبدِ عِندَ المَوتِ، لها سَبَبٌ، وشَرطٌ، ونَتيجَةٌ. والشَّهيدُ في الإسلامِ هو من قاتَلَ لِتكونَ كَلِمةُ الله هيَ العُليا، غيرَ طامِعٍ في عَوضٍ أو جزاءٍ من فَناءِ الدُّنيا؛ فيَموتُ خاليَ اليَدينِ ليسَ في قَلبِهِ إلَّا حُبَّ الله والموتُ لأجلِهِ تحقيقاً لِشهادتِهِ بالوِحدانيَّةِ لِربِّهِ، وتَصديقًا لِوعدِهِ بأنَّ ما عِندهُ خيرٌ وأَبقى. قال أعرابيٌّ للنبيِّ – عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام-: (الرَّجلُ يُقاتلُ للمَغنَمِ، والرَّجلُ يُقاتلُ ليُذْكَرَ، ويُقاتِلُ ليُرَى مَكانُهُ، من في سَبيلِ اللهِ؟ فقال: من قاتلَ لِتكونَ كلمةُ اللهِ هي العُليا فهوَ في سبيلِ اللهِ).[١][٢]

ولا تَنحَصِرُ هذهِ المَرتَبةُ في مَن قاتَلَ في سبيلِ الله وقُتِلَ، فَمِن كَرَمِ الله تعالى أن جَعَلَ الشَّهادةَ تَزيدُ عَن حدِّ الجِهادِ والقِتالِ والموتِ في سَبيلِه لتتعدّى إلى أكثَرَ من ذلِكَ، وفي الحَديثِ الذي يرويهِ أبو هُريرَةَ عن رسولِ اللهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام قولُه: (ما تعدُّونَ الشَّهيدَ فيكُم؟ قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، مَن قُتِلَ في سبيلِ اللَّهِ فَهوَ شَهيدٌ. قالَ: إنَّ شُهَداءَ أمَّتي إذاً لقليلٌ. قالوا: فمَن هم يا رسولَ اللَّهِ؟ قالَ: مَن قُتِلَ في سبيلِ اللَّهِ فَهوَ شَهيدٌ، ومن ماتَ في سبيلِ اللَّهِ فَهوَ شَهيدٌ، ومَن ماتَ في الطَّاعونِ فَهوَ شَهيدٌ، ومَن ماتَ في البَطنِ فَهوَ شَهيدٌ. قالَ ابنُ مِقسَمٍ: أشهدُ على أبيكَ في هذا الحديثِ أنَّهُ قالَ: والغَريقُ شَهيدٌ. وفي روايةٍ: قالَ عبيدُ اللَّهِ بنُ مِقسمٍ، أشهدُ على أخيكَ أنَّهُ زادَ في هذا الحديثِ، ومن غرِقَ فَهوَ شَهيدٌ، وفي روايةٍ زادَ فيِهِ والغَرِقُ شهيدٌ)،[٣] ويَظهَرُ في مَتنِ الحديثِ أنَّ الشَّهادَةَ بِمنزِلَتِها تَتَّسِعُ إلى ظروفٍ وحالاتٍ كثيرةٍ؛ حيثُ عدَّ الرَّسولُ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ الموتَ بالطَّاعُونِ، أو الغَرَقِ، أو مرضِ البَطْنِ، أو الهَدْمِ، أو النِّفاسِ شهادةً تَستحقُّ ثوابَ الآخِرَةِ ومَنزِلةَ الشَّهادَةِ، وأمَّا في الدُّنيا فَيُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عليهم.[٤][٥]