ما هو الاكتفاء الذاتي؟ وكيف نصل إليه؟

يعشق نفسه مَن يصل حالة الاكتفاء الذاتي، وأن تكون مكتفياً ذاتياً؛ يعني أن تكون منتصراً أيَّاً كانت الظروف المحيطة بك، وهذا ما سنناقشه خلال هذا المقال.

Share your love

ويعيش الإنسان في حالة من التعاسة وعدم الأمان، ويبتعد كل البعد عن الراحة النفسية في حال امتلاكه نظرة محدودة لذاته وإمكاناتها، فيرفع سقف توقعاته في الآخرين، وينهار عند عدم تلبية احتياجاته من قبلهم، حيث يعيش على مبدأ الأخذ ويؤكد فكرة أنَّه محتاج وفقير إلى الآخرين.

يُنظر إلى مفهوم الاكتفاء الذاتي بكثير من السطحية، حيث يُعلِّق كثيرون بسخرية على مفهوم الاكتفاء الذاتي قائلين: “ما الدافع إذاً في الحياة؟ ولماذا نسعى إذاً إلى أهدافنا ورؤيتنا إن كنَّا ممتلئين من الداخل، ونعيش في حالة من الاكتفاء العظيمة؟”.

لا تعني حالة الاكتفاء انعدام حالة السعي للأفضل في الحياة؛ لأنَّنا خُلِقنا حتى يكون لكل شخص منَّا رسالته وأهدافه وشغفه في الحياة، والغاية من حالة الاكتفاء الذاتي توفير صلابة نفسية رائعة، وجعلنا أشخاصاً حياديين أقوياء، بحيث نُسعد بوجود أمور إيجابية في حياتنا، إلَّا أنَّنا لا ننهار في حال غيابها، أي أنَّنا قادرون على التوازن بوجود أشياء جميلة في الحياة أو حتى عند غيابها، وهذا لا يعني فقدان متعة الإحساس بنِعم الحياة، بل يعني الإحساس بها من منظور قوة وغنى لا من منظور تعلُّق وفقر؛ لكوننا واعون بأنَّنا أساس كل شيء، والمصنع الرئيس لخلق كل المشاعر التي نريدها، وفي داخلنا كل الإجابات عن الأسئلة المُحيِّرة في حياتنا.

مَن وصل إلى حالة الاكتفاء الذاتي هو شخص أدرك أنَّ بوصلته داخلية، وعلم أنَّ الخارج ما هو إلَّا انعكاس لما يوجد في داخله، فتحرر من لعب دور الضحية، ومن سيناريو التنازلات والتضحيات في محاولته استجداء العاطفة وطلب اهتمام الآخرين، ومن مسلسل الركض اللَّاهث وراء فرص وأشخاص بحثاً عن أمان وهمي وسعادة غير حقيقية.

ومَن يُسلِّم مفاتيحه إلى الخارج سيبقى في حالة من التعلُّق المرضي، والاضطرابات النفسية الشديدة، ولن يجذب إلى حياته إلَّا نماذج مادية تُعزز أفكار الحاجة التي يُصدِّرها إلى الكون.

يعشق نفسه مَن يصل حالة الاكتفاء الذاتي، ويحترف حالة التجلِّي التي يشعر بها في حالة التصالح العظيمة مع ذاته، فهو إنسان أتقن مواجهة ذاته، واكتشاف نقاط قوته وضعفه، ولم يتِّبع حيلاً دفاعية للهروب من خوفه، بل أبدع في الوصول إلى العمق ليجد الأجوبة عن كل ما يريده. وأن تكون مكتفياً ذاتياً؛ يعني أن تكون منتصراً أيَّاً كانت الظروف المحيطة بك، وهذا ما سنناقشه خلال هذا المقال.

ما هو الاكتفاء الذاتي؟

هو حالة راقية من التصالح النفسي مع الذات، بحيث يدمن الإنسان الجلوس مع ذاته لكي يعيد التفكر في كل تفاصيل حياته، وصولاً إلى اكتشاف مغزى الأمور والبحث عن ما وراء الأشياء، فيدرك أنَّ حالة التعلُّق المرضية التي يعيشها مع الحبيب، ما هي إلَّا رسالة من الكون لوجود خلل ما في داخله، وإشارة قوية لإعادة التوازن في حياته.

هو حالة رؤية للأمور من منظور مختلف أكثر قوة ووعياً، والتوقف عن تعليق الأخطاء على الآخرين، والقدرة على مواجهة الذات بقمَّة الشجاعة، وتبنِّي سؤال “ما هي الأفكار التي أتبنَّاها، والتي تجعل حياتي على هذا النحو؟” بدلاً عن سؤال “لماذا يفعل اللّه بي هكذا، والبشر كذلك؟”.

هي حالة من المناعة النفسية ضد الصدمات، فأنتَ سعيد في جميع الأحوال، ولن تنهار لغياب وجود أمر إيجابي ما من حياتك؛ لأنَّك تدرك أنَّك مصنع كل شيء. هي حالة من التوازن والثقة والأمان تعيشها في حياتك، وحالة تحرر من سجن الاحتياج وتحليق في سماء العطاء.

أن تكون مكتفياً ذاتياً يعني أن تتقن الانفتاح على الآخرين، والاستفادة من خبراتهم وآرائهم وتجاربهم، ولكن دون أن تكون تابعاً لهم، فأنت تحافظ على مركز البوصلة الداخلي لديك، ولا تسمح بأن تكون حالتك النفسية ومشاعرك ملكاً في يد غيرك.

شاهد بالفيديو: 8 طرق تمكنك من عيش حياة سعيدة وهانئة

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/UPkNnFA5Zyg?rel=0&hd=0″]

لماذا السعي إلى الاكتفاء الذاتي؟

1. الاستحقاق:

خلقنا اللّه مُكرَّمين وخلفاء في الأرض، لذلك منحنا بكل تأكيد القدرات والإمكانيات لفعل هذا، فعلى كل شخص أن يكتشف كنوزه الداخلية التي تجعل استحقاقه في الحياة عالياً جداً.

يسعى الشخص بتبنِّيه هذا المنظور إلى التخلي تماماً عن دور الضحية واحتراف دور المسؤول، ويدرك الإنسان عندما يتمعَّن في حياته وفي النِّعم التي منحها اللّه له؛ بأنَّه مصدر كل المشاعر التي يريدها في الحياة، وأنَّه قادر على توليدها من داخله، ومن هنا تبدأ رحلة شفائه فيدرك أنَّه غني ومكتمل، وأنَّ الأمور الإيجابية في حياته ما هي إلَّا إضافة رائعة، لكنَّه سيبقى متوازناً في حال غيابها، ويتأكد أنَّ أفكاره هي مَن تصنع واقعه المادي، فيسعى جاهداً إلى التحكم في أفكاره ومعتقداته لكي يُحسن إدارة حياته بالشكل الأمثل.

2. الاستقلالية:

يعيش معظم الناس في خانة التابع، دون أن يدركوا أنَّهم القادة لحياتهم، فتجدهم دائمي السعي لاكتساب رضا الآخرين، حيث يقدِّمون العطاء بنيَّة الوصول إلى استحسان الآخر، فيُصدِّرون بالتالي رسالة إلى الكون بأنَّهم في موضع حاجة للغير وأنَّهم أقل منهم.

ومن جهة أخرى، يعطي الإنسان الذي يملك زمام قيادة حياته؛ الآخرين من منظور قوة، فهو يحب نفسه بالقدر الكافي، ويمنح الحُب للآخر دون أن ينتظر مقابل، لأنَّه يعي أنَّه مَن يملأ خزان الحُب لديه وليس الآخر، وأنَّه غني ومبادر وشجاع في الحياة.

3. المواجهة ومن ثمَّ الأمان:

يعيش أغلب البشر في حالة خوف شديد من مواجهة ذواتهم، ويمنحون معظم وقتهم إلى الآخرين، فيرفعون سقف توقعاتهم بغيرهم؛ الأمر الذي يعرِّضهم إلى كثير من الصدمات النفسية، لأنَّهم وضعوا ثقتهم المطلقة بالآخرين.

ومن جهة أخرى، يكتشف مَن يُتقن فن الاكتفاء الذاتي، ومَن يعيش التصالح مع الذات؛ نقاط قوته ونقاط ضعفه، ويعمل على تعزيز نقاط القوة وإدارة نقاط الضعف، ويجعل تركيزه على إعمار داخله وبناء صلابته النفسية، بدلاً من التركيز على الخارج؛ ممَّا يجعله حيادياً مع الأشخاص والأشياء، أي أنَّه يحب الجميع ويبني علاقات طيبة مع الجميع، إلَّا أنَّه لا يبني آماله عليهم، ولا يتزعزع توازنه لحدوث موقف سلبي من قبلهم، وهذا لا يعني أن يشك ويسيء النيَّة بالآخرين، بل يعني أن يكون حذراً ويبني آماله على ذاته فحسب.

تمنح حالة الاكتفاء الذاتي أماناً رائعاً لصاحبها، بحيث يشعر أنَّه المتحكم في قيادة سفينته، وأنَّه مصدر كل شعور في العالم، فيعيش على أنَّه غني وقوي وحيادي.

هل أنتَ بعيد عن الاكتفاء الذاتي؟

“هل قِستَ مقدار الهدوء النفسي الذي تشعر به طوال اليوم؟”، “وهل أنت من مدمني القلق والتوتر؟”، “وهل تتعلَّق بالأشخاص والأشياء بطريقة مبالغ فيها؟”، “وهل تعطي الأولوية القصوى لآراء الناس وتتجاهل صوت قلبك الداخلي؟”، “وهل مازلت تتعرض إلى صدمات نفسية؟”؛ كلَّما ابتعدت عن الاكتفاء الذاتي؛ كنت أكثر انفعالاً وعصبية، حيث تشعر بأنَّك في حالة من التهديد وعدم الأمان، لأنَّك سلَّمتَ مفاتيح توازنك إلى الخارج، فأصبحت حالتك النفسية لعبة في أيدي الآخرين؛ ففي إمكان مكالمة هاتفية سريعة من شخص ما أن تعيد لك الحياة، وتستطيع مجاملة غير حقيقية من شخص ما أن تعيد لك الثقة المفقودة.

كيف أصل إلى حالة الاكتفاء الذاتي؟

1. أنصت إلى مشاعرك:

يعيش أغلبنا الحياة متجاهلين تماماً الجانب الشعوري من ذواتنا، مُركِّزين على الأفكار والأهداف والجانب المنطقي التسلسلي، في حين أنَّ مشاعرنا هي مَن تقود حياتنا ومساراتنا وقرارتنا، لذلك كان الأجدر بنا البحث في داخلنا عن نوعية المشاعر التي نشعر بها، ومقدار المشاعر السلبية الموجودة واكتشاف طرائق تحويلها إلى مشاعر إيجابية.

إنَّ ما تشعر به من ألم بعد تجربة عاطفية فاشلة، أو فقدان وظيفة أو خذلان صديق؛ ما هو إلَّا رسالة صادقة من الكون على أنَّ هناك أمراً ما بحاجة إلى تطوير في داخلك، فاستخدم ألمك نقطة تحوُّل نحو الأفضل، ومؤشراً هاماً لقياس مدى بعدك عن حالة الهدوء والاكتفاء الذاتي.

على سبيل المثال؛ قد يكون الألم من علاقة عاطفية ما، ناتج عمَّا صدَّره الشخص من طاقة إلى الكون، وهنا عندما يتأمَّل الشخص في داخله بنيِّة اكتشاف الخلل الموجود، قد يصل إلى أنَّ العلاقة التي أقدم عليها كانت بنيِّة الحصول على شريك يلبِّي له حاجاته فحسب، أي أرسل رسالة إلى الكون مفادها أنَّه محتاج وضعيف، وبالمقابل أرسل له الكون شخصاً من نفس نوعية طاقته الضعيفة، في حين أنَّه لو تبنَّى طاقة الغنى والقوة وأقدم على العلاقة بنيِّة العطاء ومشاركة الآخر مشاعر جميلة يحملها؛ فعندها سيرسل له الكون شريكاً غنياً من الداخل ومن نفس نوع طاقته الإيجابية.

2. الحياد:

يُعَدُّ الحياد من أجمل الأمور التي تساعدك في الوصول إلى حالة الاكتفاء الذاتي. ويعني أن تكون حيادياً ألَّا ترفع سقف توقعاتك في أي أمر، وأن تعيش حياتك بحُب ومتعة وبكامل التدفق، وألَّا تكون متعلِّقاً بأي أمر، وأن تكون سعيداً مع ذاتك وتشعر بالإضافة الجميلة لوجود الناس من حولك، ولكنَّك تبقى متوازناً في حال غيابهم عن حياتك، وأن تتمتَّع بالقوة والغنى وتشعر بالإشباع الحقيقي، ولا تتألم من فقدان شخص ما؛ لأنَّك تعلم أنَّك مكسب حقيقي لكل شخص، ومَن يبتعد عنك هو الخاسر بالتأكيد.

3. ملء الخزانات الداخلية:

لكي تكون مكتفياً ذاتياً، عليك أن تتعلم أنَّك مصدر أساسي لتوليد كل المشاعر التي تريدها، فتوقَّف عن قول “أرغب أن ألتقي بشخص ما وأعيش معه علاقة حُب”، توقَّف عن شحذ الحُب، فالحُب الحقيقي موجود في داخلك، لذلك لا تنتظر ظهور شخص في حياتك حتى تعيش الحُب، بل قدِّمه أنت إلى المحيطين بك ولا تُحجِّمه، ولا تبث طاقة الاحتياج، بل تعامل على أنَّك غني وتملك مصنعاً للحُب، ومن ثمَّ سيتجلَّى كل مافي حياتك ليدعم هذه الحقيقة، وستحظى بأشخاص وفرص يضيفون إلى حياتك بهجة وسعادة.

اسعَ وراء شغفك، فلا وجود لشخص استطاع الوصول إلى حالة الاكتفاء الذاتي بعيداً عن شغفه، واملأ وقتك بكل ما هو مفيد، وأحط ذاتك بأشخاص تليق بطاقتك العالية، وابنِ علاقة طيبة متينة مع رب العالمين، فالمُكتفي ذاتياً شخص عرف اللّه وأحبَّه، ووثق به وسلَّم له أمره، وسعى جاهداً مستخدماً الأسباب التي بين يديه للوصول إلى رسالته.

4. الوعي:

لكي تصل إلى حالة الاكتفاء الذاتي عليك أن تكون واعياً، بحيث تدرك أنَّ للوعي مستويات مختلفة بين جميع البشر، فتعيش متقبِّلاً جميع طبقات الوعي، وسعيداً بوجود الناس متفهماً لهم، ومستفيداً منهم ومساعداً لهم. يُعطي المُكتفي ذاتياً دون أن ينتظر مقابلاً، فهو يُعطي من باب القوة والغنى وكسب رضا اللّه، وتحقيقاً لقيمه العليا في الحياة.

الخلاصة:

مفاتيح سعادتك بين يديك فلا تسلِّمها أحداً آخر؛ لأنَّك عندها ستخسر أمانك وسعادتك وراحة بالك. عِش غنياً واعلم أنَّك مصنع الحًب كله، اعطِ مجالاً لهذا المصنع كي يعمل فحسب، لا توقفه عن العمل منتظراً مجيء فارس أحلامك حتى يدشِّنه؛ أنت لم تُخلَق للانتظار، بل خُلقتَ للعطاء فكُفَّ عن انتظار الحُب وقدِّمه إلى الجميع عوضاً عن ذلك، وستجد كيف أنَّ الكون سينصرك في كل تجلِّياته لأنَّك قوي وغني وتستحق النصر.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4، 5

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!