ما هو التعلم ثنائي الحلقة ومن أين يستمد قيمته؟

تركز المؤسسات في التعلم الفردي أحادي الحلقة على ما تفعله، دون التفكير في كيفية أو سبب قيامهم بذلك، وهذا يعد كارثة جسيمة. في حين في التعلم ثنائي الحلقة، تقوم المؤسسة بمعالجة أسئلة الموظفين عن كيفية سير العمل وما يقومون به، وما إذا كان ينبغي عليهم فعله أم لا.

Share your love

ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المعلم والكاتب كلاي درينكو (Clay Drinko) والذي يُحدِّثنا فيه عن تجربته مع التعلم ثنائي الحلقة.

السبب الرئيس لهذه الكارثة تجمُّد جزءٍ من المكوك يُسمَّى الحلقة المطاطية نتيجة انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر؛ حيث كان موظفو وكالة ناسا (NASA) يعرفون ذلك جيداً قبل وقوع الكارثة، لكنَّهم إمَّا تجاهلوا المشكلة لاعتقادهم بأنَّها ليست بهذا السوء، أو أنَّ المسؤولين تجاهلوا الموظفين عندما حاولوا تنبيهم لهذه المشكلة، لكن في كلتنا الحالتين؛ هذا مثال مأساوي على التعلم الفردي أحادي الحلقة الذي تركز المؤسسات فيه على ما تفعله، دون التفكير في كيفية أو سبب قيامهم بذلك، وهذا يعد كارثة جسيمة.

التعلُّم ثنائي الحلقة، والتعلم أحادي الحلقة:

يصف “كريس أرجريس” (Chris Argyris) الفارق بين التعلُّم الأحادي والثنائي الحلقة بالقول: إنَّ منظِّم الحرارة المنزلي الذي يتوقف عن التشغيل عند درجة حرارة محددة مسبقاً يشبه التعلم أحادي الحلقة، أمَّا قدرة المنظم عبر نظام الذكاء الاصطناعي على استشعار درجة حرارة البيئة المحيطة وضبطها تلقائياً، أشبه بالتعلم ثنائي الحلقة.

تخيل الفارق لو أنَّ وكالة ناسا (NASA) شجعت وتطرقت لمعالجة أسئلة الموظفين عن كيفية سير العمل وما يقومون به، وما إذا كان ينبغي عليهم فعله أم لا، عندها سترى كيف أنَّ التفكير النقدي يساعد المؤسسات على النجاح.

1. التعلُّم أحادي الحلقة:

التعلُّم أحادي الحلقة هو ما يقودك إلى التخطيط للعمل، والتفكير في الإجراءات ثم العودة إلى التخطيط والعمل والتفكير المستمر، وقد تعتقد أنَّه نظراً لوجود الكثير من الأفكار، فإنَّ التعلم أحادي الحلقة سيكون نموذجاً فعالاً للمؤسسة، ولكن عدم وجود مجال للأسئلة النقدية عند اتخاذ الإجراءات يؤدي إلى مواجهة بعض المشكلات.

1. 1. المأزق المزدوج:

عندما تعتمد المؤسسات نظام التعلُّم الأحادي الحلقة، يواجه الموظفون ما يسميه “كريس أرجريس” (Chris Argyris) المأزق المزدوج؛ وذلك لعدم اهتمام مديري المؤسسة بأسئلة العاملين أو ما يقومون به، فهم يُعاقَبون بكلتا الحالتين؛ إذا تحدثوا وطرحوا أسئلة، أو إذا حدث خطأ ما وقاموا بالتستر عليه.

1. 2. حلقة التثبيط الأولية:

عندما تكون المؤسسة عالقة في التعلُّم الأحادي الحلقة، سيؤدي المأزق المزدوج إلى ما يسميه أرجريس حلقة التثبيط الأولية؛ أي إلى تثبيط دراسة المشروع دراسةً حقيقية وإحراز تقدُّمٍ فيه؛ وذلك لأنَّ الموظفين يحجبون المعلومات عن بعضهم بعضاً، ويؤدي ذلك بدوره إلى حالة انعدام ثقة يصعب إصلاحها؛ وذلك لأنَّه حتى لو حاول الموظفون أن يصبحوا أكثر صراحة، فإنَّ انعدام الثقة يُفسِد التواصل.

1. 3. حلقة التثبيط الثانوية:

من أجل إخفاء الأخطاء، يلعب الموظفون ألعاباً غير واعية (وليست من النوع الجيد) لحماية مشاعر بعضهم بعضاً، كأن يحاول الموظفون صرف انتباههم عن التفكير في مشكلة في خطة العمل عن طريق تحويل التركيز إلى مشروع ناجح.

عندما تكون المؤسسة عالقة في التعلم الأحادي الحلقة، يبذل مديرو المؤسسة ما في وسعهم لمواصلة اتخاذ الإجراءات بدلاً من التوقف لإعادة تقييم الصورة الأكبر، ويقود ذلك الموظفين إلى إخفاء المعلومات عن بعضهم بعضاً، مما يتسبب في انعدام الثقة وإخفاء العيوب في هياكل وأنظمة المؤسسة.

2. التعلُّم ثنائي الحلقة في المؤسسات:

من المفاهيم الخاطئة والشائعة عن التعلُّم ثنائي الحلقة أنَّه وبخلاف التعلم أحادي الحلقة؛ ينطوي على التركيز على مشاعر الناس بصورة رئيسة، وعلى السماح للموظفين بإدارة أنفسهم، لكنَّ الأمر هنا يتعلق بإضافة عنصر التحليل النقدي للحصول على التعلم ثنائي الحلقة؛ حيث يُعَدُّ التشكيك في الأسباب التي تدفع المنظمة إلى ممارسة الأعمال التي تمارسها من الأمور الثمينة بالنسبة إليها.

وبدلاً من الانتقال من التخطيط إلى العمل ثمَّ إلى التفكير والعودة إلى التخطيط، يُشجَّع الموظفون في التعلم ثنائي الحلقة على التفكير بما يقومون به؛ إذ يمكن أن يساعد ذلك المؤسسة في إعادة التفكير في أفضل ما يناسب جميع أصحاب المصلحة بدلاً من التوقف عن العمل والتفاعل مع الأخطاء. وفي النهاية، يمنح التعلم ثنائي الحلقة الموظفين المجال والمنهجية لطرح الأسئلة ومعالجتها بطرائق فعالة.

دعونا نفكر مرة أخرى في كارثة مركبة الفضاء تشالنجر، لو كانت ناسا تستخدم التعلُّم ثنائي الحلقة، فلن يضطر الموظفون إلى التزام الصمت، ولكانت أسئلتهم قد أثَّرت في سير العملية وأوجدت حلَّاً لمشكلة الحلقة المطاطية.

يشبه التعلم أحادي الحلقة قطاراً لا يرتاح، أمَّا التعلم ثنائي الحلقة فيعطي فرصة للتفكير النقدي الذي يسمح للمؤسسة بالتوقف وإعادة النظر بالمشروع عندما يتطلب الأمر.

وبالعودة إلى تشبيه أرجريس (Argyris) لمنظِّم الحرارة المنزلي، بدلاً من تجاوبه لدرجة حرارة محددة مسبقاً، يتضمن التعلم ثنائي الحلقة تغيير الإعدادات في منظم الحرارة والعمل على تحسينه بشكل أفضل.

كيف تُحوَّل إدارة المؤسسة إلى تعلم ثنائي الحلقة؟

يمكن للمؤسسات أن تحوِّل الإدارة من تعلُّم أحادي إلى تعلُّم ثنائي الحلقة من خلال الخطوات الآتية:

1. يجب أن يُصارح أصحاب المصلحة بعضهم بعضاً:

تتمثل الخطوة الأولى للانتقال من التعلُّم أحادي الحلقة الفردي إلى التعلُّم ثنائي الحلقة في أن يجلس جميع أصحاب المصلحة ويتحدثوا بصراحةٍ عن توقعاتهم، وقيمهم، وأهدافهم، ويجب أن يقود الاجتماعات خبراء تنظيميون للتأكد من أنَّ عادات التعلم القديمة أحادية الحلقة المتمثلة في انعدام الثقة وحجب المعلومات ولعب الألعاب اللاواعية لم تعد عالقة في ذههنم.

أحد مفاتيح مُصارحة أعضاء الفريق بعضهم بعضاً هو الإنصات؛ لذلك ركز على خلق بيئة مناسبة حيث يمكن للجميع التحدث دون خوف من أن يُدانوا أو يُعاقَبوا.

2. إنشاء معايير قياسية للنمو الدائم والتغيير:

التخلي عن العادات القديمة أمرٌ صعب، كذلك الأمر بالنسبة للتعلم أحادي الحلقة، إذا لم يتم وضع الأنظمة وعمليات تسجيل الوصول والمعايير القياسية والأوقات الدورية للتفكير وإعادتها إلى مكانها الصحيح؛ فمن المحتمل أن تتسلل العادات القديمة المتمثلة في حجب المعلومات وحالة انعدام الثقة مرة أخرى، ويمكنك التخلص من ذلك من خلال التعوُّد على قياس عملية تنفيذ أنظمة التعلم ثنائي الحلقة، وتقييمها، وتحسينها دورياً.

3. مكافأة المجازفات وردود الفعل النقدية:

يتطلب التعلم ثنائي الحلقة أصواتاً تلقى آذاناً صاغية؛ لذا عليك أن تخلق ثقافة تكافئ النقد والمجازفة والتفكير في النظام ككل والأسباب التي تجعل المؤسسة تفعل ما تفعله، والتعامل مع الأشياء بمستوى أعلى.

يجب عليك أن تقرن أقوالك بالأفعال، فإنَّ مطالبة الموظفين بالتحدث وتقديم التغذية الراجعة شيء، وأن يكون لديك نظام يجعل الموظفين يشعرون بالأمان الكافي للقيام بذلك شيء آخر تماماً.

أوضحت “كيم سكوت” (Kim Scott) في كتابها “الصراحة الجذرية” (Radical Candor) عن طريقة واحدة لبدء الانتقال إلى بيئة مبنية على الصراحة وتبادل النقد، وهو نظام الصراحة الجذرية الذي يحفز الموظفين والمدراء على البدء في التحدث عن الأشياء التي اعتادوا إخفائها؛ إنَّها خارطة الطريق وطريقة لتقييم وتحسين التغذية الراجعة الصريحة والمدروسة بين جميع أصحاب المصلحة.

التعلم ثنائي الحلقة للأفراد:

لا يقتصر التعلم ثنائي الحلقة على المؤسسات فقط؛ حيث يمكنك تطبيق أفكار أرجريس (Argyris) على تعلمك أيضاً. إليك نصائح لتطبيق تلك الأفكار:

1. صارح نفسك وكن مسؤولاً عن ما تفعله:

بدلاً من الوقوع في دائرة التعلم أحادي الحلقة الفردي، فكِّر تفكيراً نقدياً، لماذا تتعلم ما تتعلمه؟ هل هو مفيد؟ هل هناك شيء آخر يمكن أن تتعلمه؟ فكر مرة أخرى في التغييرات التي يمكن أن تحصل معك.

بعد أن تكون واضحاً بما ترغب أن تتعلمه والطرائق التي تستخدمها، يمكنك مصارحة الآخرين لتتحمل المسؤولية، واترك إمكانية التغيير متاحة حول أهدافك التعليمية.

2. أنشئ مقاييس للأداء ولا تتجاهلها:

 يحتاج الأفراد إلى إنشاء أهداف والتفكير المستمر فيما إذا كانوا يتجهون نحو التعلم ثنائي الحلقة أم لا كما هو الحال في المؤسسات؛ لذا حدد مواعيد للقاء الأشخاص الذين يجعلونك مسؤولاً عن خطة تعلمك، ثم اسأل نفسك ما إذا كانت أهدافك التعليمية لا تزال منطقية أم لا.

اطرح أسئلة حول هدفك الكبير، مثل: هل أنت في البيئة المناسبة للتعلم؟ هل خطة التعلم الخاصة بك جيدة؟ هل تحتاج إلى تغيير المسار تماماً أو تغيير أهدافك؟ إذا كان التعلم ثنائي الحلقة، فلا داعي للخوف من طرح أسئلة حول سبب قيامك بما تفعله وتغيير المسار عند الحاجة.

3. قَدِّر المخاطرة واقبل النقد:

يتوجب عليك تغيير طريقة تفكيرك من مجرد التعلم والتفكير إلى قبول النقد، وانتقاد نفسك كمتعلم، والمجازفة بطرح الأسئلة الهامة وإجراء تعديلات جذرية على خطة تعلمك مع مرور الوقت.

بدلاً من القلق بشأن الدرجات والمعدلات، قد يعني التعلم ثنائي الحلقة أن تتيح لنفسك الوقت لتُراجِع وتُحلِّل سبب تعلمك ما تتعلمه، وما إذا كانت هناك طريقة أفضل، وحتى ما إذا كان يجب عليك ذلك أم لا؛ لذا اهتم بمسار تعلمك في المقام الأول.

في الختام:

فكر في العودة إلى مثال منظم الحرارة، فإنَّ أداء وظائفك، وتسليمها، ثم الحصول على الدرجة هو عبارة عن حلقة تعلم أحادي فردي، أمَّا التفكير في سبب قيامك بأي من ذلك وإجراء التغييرات المناسبة التي تتماشى مع أهدافك التعليمية ينقلك إلى التعلُّم ثنائي الحلقة، وهذه طريقة رائعة لرؤية الصورة الأكبر والحصول على أفضل النتائج.

التعلُّم والتفكير هما من أهم الأشياء عندما يتعلق الأمر بالتطوير التنظيمي أو الشخصي، لهذا السبب التعلُّم ثنائي الحلقة هو الطريق إذا كنت تريد النجاح لنفسك أو لمؤسستك.

 

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!