ما هو التّوتّر، تعلّم كيف تخلق الهدوء في حياتك

تم إجراء الكثير من الأبحاث عن التوتر على مدار المائة عام الماضية, بعض النظريات التي تم اكتشافها أصبحت الآن مقبولة, والبعض الأخر ما يزال قيد البحث والنقاش. خلال هذا الوقت كان يبدو أن حرباً مفتوحة بين النظريات المتنافسة والمفاهيم التي تعرّف التوتر، وقد تم الإبقاء على العديد من وجهات النظر والدفاع عنها بقوةٍ. إن ما يجعل الأمر معقداً هو أننا جميعاً نعتقد بشكلٍ حدسي أننا نعلم ما هو التوتر، لأنه شيءٌ اختبرناه جميعاً، ويجب أن يكون هذا التعريف واضحاً ولكن في الواقع فالأمر ليس كذلك.

Share your love

تعريف التَّوتُّر:

كان “هانز سيلي” Hans Selye أحد الآباء المؤسسين لأبحاث التَّوتُّر، وقد كانت وجهة نظره في كتابة “ضغوطات الحياة” أنّ: “التَّوتُّر ليس شيئاً سيّئاً بالضرورة، وكل ذلك يتوقّف على الطريقة التي نتعامل بها معه، حيث أنّ التَّوتُّر الناجم عن العمل الناجح والمبتكر هو توترٌ مفيدٌ، في حين أنّ ضغوط التَّوتُّر الناجمة عن الفشل والإذلال والمصائب هو توترٌ ضارٌ”.

ويعتقد “سيلي” أنّ الآثار البيوكيميائية للتَّوتُّر ستكون موجودةً بغض النّظر عمّا إن كان الوضع إيجابيّاً أم سلبيّاً.

منذ ذلك الحين تمّ إجراء قدرٍ كبيرٍ من الأبحاث الإضافيّة، واستمرّت الأفكار بالظهور، ويتمّ النظر حالياً إلى التَّوتُّر على أنه شيءٌ سيءٌ مع مجموعةٍ من الآثار الكيميائية الحيوية الضارة وطويلة الأجل، ونادراً ما تتم ملاحظة هذه الآثار في المواقف الإيجابية.

إنّ التعريف الأكثر شيوعاً للتَّوتُّر (الذي يعزى بشكلٍ رئيسيٍ لريتشارد لازاروس “Richard S. Lazarus” في كتابه “الضغوط النفسية وعملية التأقلم”) هو: “التَّوتُّر حالةٌ أو شعورٌ يختبره الفرد عندما يرى أنّ المطالب التي عليه القيام بها تتجاوز الموارد الشخصية والاجتماعية القادر على حشدها”.

وباختصار هو ما نشعر به عندما نعتقد أننا فقدنا السيطرة على الأحداث. هذا هو التعريف الرئيسي المستخدم هنا، على الرغم من أننا ندرك أيضاً وجود استجابة غريزية متشابكة للأحداث غير المتوقعة.

إن استجابة التَّوتُّر بداخلنا هي جزءٌ من الغريزة لدينا، والجزء الأخر يتعلّق بالطريقة التي نفكر بها.

كيف نستجيب للتوتر؟

أثبتت بعض الأبحاث حول التَّوتُّر (التي أجراها والتر كانون “Walter Cannon” عام 1932) وجود الاستجابة المعروفة باسم “استجابة الكَرّ أو الفَرّ”، والتي تحدث عندما يتعرّض كائنٌ ما لصدمةٍ، أو يتصوّر تهديداً فإنه يطلق بسرعةٍ الهرمونات التي تساعده على البقاء.

تساعد هذه الهرمونات البشر كما هو الحال لدى الحيوانات أيضاً في الجري بشكلٍ أسرع والقتال بقوّةٍ أكبر، حيث أنّها تزيد من معدل ضربات القلب وضغط الدم، وتعمل على توفير المزيد من الأوكسجين والسكر في الدم لتشغيل العضلات الهامة، كما أنها تعمل على زيادة التعرّق في محاولةٍ لتبريد هذه العضلات ومساعدتها في الحفاظ على الكفاءة.

تقوم هذه الهرمونات بتحويل الدم بعيداً عن الجلد إلى داخل الجسم، مما يقلّل من فقدان الدّم عند التعرّض للأذى، بالإضافة إلى أنّ هذه الهرمونات تركّز انتباهنا على التهديد الحاصل واستبعاد كلّ شيءٍ أخر، وهذا يُحَسِّنُ من قدرتنا على البقاء على قيد الحياة في الأحداث المهدّدة للحياة.

ليست الأحداث المهددة للحياة وحدها من تسبب ردّ الفعل هذا، فنحن نختبره في أيّ وقتٍ نواجه فيه أمراً غير متوقعاً أو شيئاً يحبط أهدافنا، وعندما يكون التهديدُ صغيراً تكون استجابتنا أيضاً صغيرةً، وغالباً لا نلاحظها من بين العديد من المواقف المرهقة الأخرى التي نتعرّض لها.

لسوء الحظ هذا التحرّك في الجسم من أجل البقاء على قيد الحياة أيضاً له عواقب سلبيّة، ففي هذه الحالة نكون متحمّسين، وقلقين، وسريعي الغضب، وهذا في الواقع يقلّل من قدرتنا على العمل بفعالية مع الآخرين، حيث أنّه مع المزيد من الارتعاش ونبض القلب المتسارع سنجد صعوبةً في تنفيذ إنجازاتٍ دقيقةٍ، والتحكم بمهاراتنا.

تتداخل شدّة تركيزنا على البقاء مع قدرتنا في إصدار أحكامٍ دقيقةٍ من خلال استخلاص المعلومات من العديد من المصادر، حيث نجد أنفسنا أكثر عرضةً للحوادث وأقلّ قدرةً على اتخاذ قراراتٍ جيدةٍ.

هناك القليل من الحالات في الحياة العملية الحديثة التي تكون بها هذه الاستجابة مفيدةٌ، حيث أنّه من الأفضل اتباع النهج الهادئ والعقلاني، والمُسَيْطَر عليه والحساس اجتماعياً.

نحتاج للحفاظ على استجابة “الكَرّ أو الفَرّ” تحت السيطرة على المدى القصير لكي نكون فعالين في أعمالنا، كما نحتاج إلى إبقائها تحت السيطرة أيضاً لتجنّب المشاكل الصحيّة والإرهاق على المدى الطويل.

ملاحظة:

قام “هانز سيلي” (أحد أوائل الباحثين في مجال التَّوتُّر كما ذكرنا سابقاً) بتطوير أفكار “التَّوتُّر الجيد” و”التَّوتُّر السّيء” (أو المحنة).

اعتقد “سيلي” أنّ المستوى المعتدل من التَّوتُّر يشجّع الأشخاص والحيوانات على التصرّف بطريقةٍ أكثر نشاطاً، في حين أنّ المستوى المفرط من التَّوتُّر من شأنه أن يعيق أداءهم.

منذ ذلك الحين استخلص أشخاصٌ آخرون استنتاجاتٍ مماثلة، واستبدلوا فكرة “التَّوتُّر” بفكرة “الضغط”. هذه الفكرة بغاية الأهمية ولاسيما بسبب ارتباط التَّوتُّر بالتعاسة وفقدان السيطرة، حيث يُنْظَر إلى التَّوتُّر الحقيقي الآن على أنّه أمرٌ سيءٌ في جميع الظروف.

لذلك لم تعد أفكار “التَّوتُّر الجيّد” و”التَّوتُّر السّيء” مفيدةً في المواقع، وقد يكون الضّرر من ذلك عائداً من الطريقة التي يستخدمها المديرون في تحفيز مرؤوسيهم عن طريق زيادة الضغوط السيئة التي يواجهونها.

والخطأ في هذا النّهج واضحٌ إن تمكّنْتَ من تذكّر أنّ “الضغط” مختلفٌ عن “التَّوتُّر”.

تحذير:

يمكن أن يسبب التَّوتُّر مشاكل صحية حادة وفي حالاتٍ معينةٍ قد يسبب الموت، وعلى الرغم من أنّ تقنيات إدارة التَّوتُّر لها تأثيرٌ إيجابيٌّ للحدّ من التَّوتُّر إلا أنها وُجِدت للإرشاد فقط، ويجب على القرّاء أخذ نصيحة المتخصصين الصحيين المؤهلين لهذا الغرض بحال كان لديهم أيّ مخاوف بشأن الأمراض المرتبطة بالتَّوتُّر، أو زيادة مستويات التَّوتُّر لديهم أو الشعور بالتعاسة.

كما يجب استشارة المهنيين الصحيين قبل إحداث أيّ تغييرٍ كبيرٍ في النظام الغذائي أو مستويات ممارسة الرياضة.

 

المصدر: مايند تولز

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!