ما هو الجمال الحقيقي، وما هي الأسباب التي تدفعنا إلى عمليات التجميل؟

نحن نعيش في وسط الوجوه المتشابهة، حيث أصبحت الفتيات عبارةً عن نسخٍ كربونيةٍ عن بعضهن، إذ فقدت الوجوه خصوصيتها وتميُّزها وبراءتها، وأُعلِن تبنِّي شعار: "يحيا المُزيَّف والوهمي". سنناقش في هذا المقال الأسباب الكامنة وراء لجوء الكثير من فتيات اليوم إلى عمليات التجميل، محاولين الوصول إلى مُقاربةٍ منطقيةٍ لعلاج هذه الظاهرة المُقلِقة، والآخذة بالانتشار يوماً بعد يوم.

Share your love

لقد ابتعدنا عن الحقيقة، وسعينا وراء الوهم، وضِعنا في خَضَمّ معايير جماليةٍ ظالمةٍ لا نعرف مَن اخترعها، وتحوَّل الشكل الخارجي إلى هوسٍ وهاجس يشغل بال الكثيرات؛ كما لم تسلم الفتيات المُتصالحات مع أجسادهن ووجوههن من نيران الثورة، حيث اتُهِمن بأنَّهن بعيداتٍ عن متغيِّرات العصر وغير حضاريات.

نعم، أصبح معيار التميز والتفرد والقيمة لا يُقاس بما تملكه الإنسانة من أفكار تطويريةٍ وعمقٍ نفسيٍّ وروحي، ولا بما تملكه من نيةٍ حسنةٍ وصادقةٍ في التعاطي مع أمور الحياة وأشخاصها؛ بل بعدد عمليات التجميل الناجحة التي خضعت لها، وبعدد السيارات التي تمتلكها.

لماذا أصبحنا أسرى الماديَّات؟ وكيف غدا تعويلنا الأساسي على القشور، وبعُدنا عن الأساس والغاية؟ ولماذا بعدنا عن حبِّ ذواتنا وأشكالنا الطبيعية، وأصبحنا لا نوفِّر أيَّ طريقةٍ لكي نغيِّر من أشكالنا؟ ألهذا الحدِّ فقدنا حالة الرضا؟ ولماذا أصبحنا ندور في حلقاتٍ مفرغة، معتقدين أنَّ سعادتنا تكمن في عملية التجميل تلك، ثمَّ بعد قيامنا بها لا نلبث أن نشعر بالملل وعدم الرضا من جديد، وكأنَّها مجرَّد سعادةٍ مؤقتةٍ ما تلبث أن تعيدنا إلى حالة الضياع من جديد؟ وهل يا تُرَى عشقنا للتجميل بمثابة رسالةٍ نوجِّهها إلى الكون، مفادها: “أنا لست سعيدة”، أو “أنا متعلِّقة بالماديات لكي تعطيني السعادة”، أو “أنا لست راضية، إذ تمتلك فلانةٌ ملامح أجمل من ملامحي ولا يجوز ذلك، وسأسعى لأكون الأجمل، فالمظهر الخارجي هو كرت العبور الأنجح إلى الحياة”.

سنناقش في هذا المقال الأسباب الكامنة وراء لجوء الكثير من فتيات اليوم إلى عمليات التجميل، محاولين الوصول إلى مُقاربةٍ منطقيةٍ لعلاج هذه الظاهرة المُقلِقة، والآخذة بالانتشار يوماً بعد يوم.

ما هو الجمال؟

  • نعيش اليوم في ثقافة “القوالب الجاهزة” و”المعايير المبالغ فيها للجمال”، مُقلِّدين الفنانات أو الممثلات بطريقةٍ عمياء، ونتابع بالتزامٍ مطلقٍ آخر المستجدَّات في مجال الموضة، غير واعين لسؤال هامٍّ جداً: “مَن الذي وضع هذه المعايير وارتأى أنَّها تحقِّق الجمال؟”، و”هل يُحدَّد الجمال من امتلاك أنفٍ صغير، وشفتين ووجنتين ممتلئتين، وشعرٍ طويلٍ ساحر، وجسدٍ مثاليٍّ رائع؟ أم أنَّ الجمال أعمق بكثير من هذا؟”.
  • هل سألت نفسك ذات مرة: لماذا تلتقي في الكثير من الأحيان بفتياتٍ مُطابقاتٍ للمعايير الجمالية السائدة، لكنَّك لا تشعر بجمالهن؛ بل تشعر أنَّ هناك شيئاً ناقصاً، فتتساءل عن ماهيَّته؟
  • هل تعتقدين أنَّ جسدك ووجهك هو “أنتِ الحقيقية”. إذا كنتِ تعتقدين ذلك، فأجيبي عن السؤال التالي: “في حال تعرَّضتِ إلى حادثٍ ما (لا قدَّر اللَّه)، وانحرق كامل جسدك؛ ألن تبقى ذاتك كما هي؟ أم أنَّك ستتحوَّلين إلى شخصٍ آخر؟”؛ إذاً فأنتِ ليس جسدك، أنتِ ذاك الشيء الثابت خلف الجسد.
  • الجمال حالةٌ إدراكية، ندركها بعقولنا وليس بأعيننا، ستجد يوماً ما أنّ تلك الفتاة الإيجابية الجالسة على كرسيٍّ متحرّك، والمؤمنة بالحياة، والشغوفة بالموسيقى، والممتلئة بالنية الحسنة والقيم الرائعة والمفيدة؛ جميلة جداً.

لماذا نلجأ إلى عمليات التجميل؟

يلزمنا في الحقيقة البحث بعمقٍ للإجابة عن سؤالٍ كهذا، إذ يُخفِي لجوء الكثيرات بطريقةٍ جنونيةٍ إلى عالم التجميل وراءه ضبابيةً في الفهم العميق لماهيَّتنا والغرض الأساسي لوجودنا؛ لذلك سنطرح الأسباب الكامنة وراء السعي نحو عمليات التجميل من خلال الأسئلة التالية:

1. مَن نحن؟

  • نحن نعيش الحياة بطريقةٍ ساذجةٍ وعشوائية، ولا نعي ضرورة طرح أسئلةٍ وجوديةٍ في حياتنا؛ لذلك نبقى في حالة ضياعٍ وتشتُّت،؛ لأنَّنا تبنَّينا مفهوم “الحياة لمجرَّد الحياة”، دون الغوص في الجوهر الحقيقي للأمور.
  • هل نحن مظهرنا الخارجي وشهرتنا ومكانتنا الاجتماعية، وعلاقاتنا؟ أم أنَّ هذه الأشياء معرَّضةٌ إلى التلاشي في أيِّ لحظة؟ ونحن أعمق بكثيرٍ من كلِّ هذا.
  • أغلق عينيك وانفصل عن كلِّ الأشياء المحيطة بك، وراقب نَفَسَك بينما يدخل ويخرج من جسدك. إنَّ النَفَسَ الداخل والخارج الذي تراقبه هو “ذاتك الحقيقية”، والتي قد يسميِّها بعضهم “الروح”، أو “الطاقة المستمدة من طاقةٍ عليا مطلقة”؛ فلا تهمُّ التسميات في الحقيقة، بل ما يهمُّ هو استشعارك لذاتك الحقيقية.
  • هذه “الروح” هي الأساس في كلِّ شيء، وسنكتشف عند تعاملنا مع أيِّ شخصٍ أنَّنا لا نتعامل مع جسده ومظهره، بل مع روحه؛ إلَّا أنَّنا وضعنا حواجز -مثل المظاهر الخارجيَّة- تمنع من تواصل الروح مع الروح.
  • أثبت العلم وجود طاقةٍ عليا غير ملموسةٍ أو غير مرئيَّةٍ تحرِّك الكون، فالكون كلُّه قائمٌ على النماذج المصنوعة بطريقةٍ مذهلة، من الإنسان أو الطبيعة أو الفضاء. حتَّى في حال عدم رؤيتنا هذه الطاقة، نستطيع تقفِّي أثرها في كلِّ مناحي الحياة، فعلى سبيل المثال: “عندما تحضن الأم ابنها، فنحن لا نرى الطاقة غير المرئية الواصلة إلى ولدها؛ لكنَّنا نستطيع ملاحظة أثرها من خلال التوازن النفسي للطفل”؛ لذلك، إلى كل المشكِّكين بوجود “اللَّه” أو “الطاقة العليا في الكون”، نتيجة الانخراط الكبير في شكل الحياة المادية المجردة، والتي لا تعترف إلَّا بما هو ملموس؛ اقصدوا بنيَّةٍ طيبةٍ البحث عن اللَّه، وستجدونه حكماً في كلِّ تفاصيل الحياة.
  • نحن جزءٌ من كُل، جزءٌ من طاقة عليا؛ لذلك يجب أن يكون اتصالنا الأساسي مع اللَّه، وتعويلنا عليه. يمكِّننا وعينا لهذه الجزئية من تحديد وجهتنا بطريقةٍ صحيحة، فلا نُخطِئ ونضع طاقتنا وتركيزنا في مكانٍ غير صحيح. على سبيل المثال: “إنَّ من تُعوِّل على عملية تجميلٍ لكي تشعر بمزيدٍ من الأمان والثقة بنفسها؛ عليها أن تعرف أنَّ الوجهة لديها خاطئة، وأنَّ اتصالها مع “الطاقة العليا” يلزمه الكثير من إعادة النظر، فالطاقة العليا مصدر كلِّ الاحتياجات النفسية التي يريدها الإنسان؛ كما وتُحقِّق حالة التواصل الحقيقي مع اللَّه بالطريقة التي يرتاح فيها الإنسان، الإشباع النفسي المطلوب”.
  • إنَّ من يَعِي لهذه الجزئيَّة بصدق، ستختلف كلُّ ردَّات أفعاله مع الأشخاص، بحيث يصبح تعامله أرقى بكثير، ولن يشغل باله كلام الآخرين عنه، فهو متحرِّرٌ من نظرة الناس كليَّاً؛ لأنَّه مُدرِكٌ أنَّ قيمته أكبر بكثيرٍ من نظرة الناس عنه.
  • اعلمي في حال كان الحصول على رضا الآخرين يُشكِّل هاجساً لديك، أنَّك تستمدين طاقتك من مصدرٍ خاطئ، وليس من المصدر الأساسي (اللَّه).

2. لماذا نحن موجودون في الحياة؟

  • نحن موجودون في الحياة لكي يقوم كلٌّ منَّا بدوره بتقديم النفع إلى الأرض، كلٌّ حسب شغفه واهتماماته.
  • عندما تعلمين أنَّكِ في تجربة الحياة من أجل دورٍ ورسالةٍ ما، فستكرِّسين جهدكِ من أجل رسم دورك، بحيث يكون مُتقناً ومبدعاً. لكن عليكِ أن تبقي مُدرِكةً أنَّكِ لستِ الدور، بل “الروح”، والدور وسيلتك لاجتياز اختبار الحياة بالشكل الأمثل؛ لذلك حاولي أن تراقبي حياتك من بعيد -زوجك وأولادك ومهنتك وكلُّ شيء- واعلمي أنَّ ذاتك الحقيقية هي تلك التي تراقب، وليست مَن تعيش الدور؛ ولكن لا يعني هذا أن تزهدي في حياتك، بل عيشي دورك وطوِّري من جودة حياتك ومن شكلك الخارجي بطريقةٍ صحيَّةٍ دون عمليات تجميل، وباستمرار، وابقي واعيةً أنَّك “الروح” وأنَّك “جزءٌ من كل”، وأنَّك في تجربة الحياة لفترةٍ مؤقتةٍ وسترحلين؛ وستشعرين بعدها أن لا شيء يستحقُّ ألمك ومعاناتك، فأنتِ منفصلةٌ عن الدور ولستِ متماهيةً معه.

3. ماذا عن عشقك لذاتك؟

  • من أسباب انتشار ظاهرة عمليات التجميل: عدم رضا الفتاة عن ذاتها، في حين أنَّ عليها أن تُدرِك أنَّ طاقتها الفطرية هي طاقة غنى؛ لأنَّها جزءٌ من اللَّه؛ لكنَّها للأسف، تتعلَّق بالماديات من: مظهرٍ خارجيٍّ ومالٍ وشهرة؛ ممّا يجعل طاقتها طاقة فقر، ويصيبها بسوء تقديرٍ لذاتها.
  • على كل فتاة أن تَعِي أنَّها مُنْتَجٌ عظيمٌ جداً، فهي صناعةٌ ربانية، وقادرةٌ على فعل إنجازاتٍ أكبر بكثيرٍ من مجرَّد زيارة عيادات التجميل.
  • احتفي بإنجازاتك مهما صغرت، فالنجاح حالةٌ تراكمية؛ لذلك اجعلي نيَّتك إيجابيةً في كلِّ أمرٍ تقومين به، واطرقي جميع الأبواب المتاحة أمامك، وستجدين كم ستكون الحياة كريمةً معك؛ فما يهمُّ هو أن تبدئي المسار، وستحظين خلال الطريق بالتطوُّر والفرص.
  • ركِّزي على ما لديك، وليس على ما ينقصك. استيقظي صباحاً في كلِّ يوم، واشكري اللّه على نعمة الصحة، واستشعري ذلك بصدق.
  • ابتعدي عن المقارنات مع الأخريات، فأيُّ قيمةٍ مضافةٍ ستجنينها من مقارنة شفتيك أو وجنتيك مع فتاةٍ أخرى؟ بدلاً من ذلك، قارني بين أدائك في السنة الماضية وأدائك في هذه السنة، فمن شأن ذلك أن يُضفِي قيمةً مضافةً على حياتك.
  • أكبر نفعٍ تُحقِّقينه في الكون في وسط انتشار طاقة الكره والغلِّ والحقد، هو أن تكوني إيجابيةً مع ذاتك وأسرتك ومحيطك.
  • اقبلي نفسك كما هي، واسعي إلى تطويرها، واعلمي أنَّ الحياة عبارةٌ عن جبالٍ ووديان، فتقبَّلي ذلك بصدرٍ رحب، ولا تنسي أنَّك “الروح” وليس الدور؛ لذلك عيشي دورك بالشكل الأمثل، لكن لا تتماهي معه فتنسي حقيقتك.

الخلاصة:

حياتكِ ملكٌ لقراراتك ونظرتكِ إلى الأمور، لذا ابدئي في استشعار الرضا، وعيشي الحياة بتقبُّلٍ ووعيٍ، فأنتِ قويةٌ وإيجابيةٌ ومطمئنَّة، وتستطعين تحقيق إنجازاتٍ أكبر بكثيرٍ من مجرَّد زيارة عيادات التجميل من أجل تغيير الهيئة التي وهبها اللَّه لك؛ فالتجميل الحقيقي هو سعيك إلى تجميل روحك وطريقك في الحياة.

 

المصادر: 1، 2، 3، 4

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!