‘);
}

سورة الطور

تعدّ سورة الطور من السور المكيّة، وتتألّف من تسعٍ وأربعين آيةً كريمةً، وتعدّ السورة صاحبة الترتيب الثاني والخمسين بين سور القرآن الكريم، في الجزء السابع والعشرين، والحزب الثالث والخمسين، في الربعين الأول والثاني منه، كما أنّها نزلت على النبيّ محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- بعد نزول سورة السجدة، وقد تحدّثت سورة الطور عن معالجة العقيدة الإسلاميّة في نفوس العباد، وقد جاءت على ذكر أصول العقيدة، التي تشمل الرسالة والوحدانية والبعث من القبور والجزاء يوم القيامة، وسمّيت بالطور؛ لأنّها تحدّثت عن تكليم الله تعالى للنبيّ موسى عليه السّلام، الذي كان عند جبل الطور، ولسورة الطور مكانةٌ جليلةٌ وعظيمةٌ دلّ على ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه عن الصحابي الجليل جبير بن مطعم، حيث قال: (سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقرأُ في المغربِ بالطُّورِ)،[١] وبذلك أصبح جبل الطور ذا مكانةٍ فضيلةٍ يتميّز بها عن سائر الجبال.[٢]

جبل الطور

اختلف العلماء في جبل الطور وفي تحديد مكانه، حيث ذهب كلٌّ من ابن عباس -رضي الله عنهما- وابن العالية كما نقل القرطبي والبغوي والألوسي وغيرهم من المفسرين؛ أنّ جبل الطور هو الجبل الذي التقى به الله تعالى بنبيه موسى عليه السّلام، وقالوا: إنّه ما زال موجوداً ولم يختفِ، وذهبت طائفةٌ أخرى من العلماء إلى القول بأنّ اللقاء بين الله وموسى كان عند جبل الطور، والطور اسمٌ يطلق على كلّ جبلٍ، وليس على جبلٍ محدّدٍ، وقال آخرون: إنّه اسمٌ يطلق على كلّ جبل ينبت فيه نباتٌ ما، وقال بعض العلماء: إنّ كلمة الطور سريانية الأصل، وتطلق على كلّ جبلٍ، ونقل كلٌّ من البغوي والخازن وابن الجوزي روايةً أخرى عن ابن عباس وعن أنس بن مالك تفيد أنّ الجبل الذي كلّم الله تعالى عنده موسى -عليه السّلام- اسمه زبير وليس جبل الطور، ولكن المؤكّد فيما يخصّ الجبل أنّه دُكّ دكاً؛ أي أنّه أصبح مستوياً مع سطح الأرض، كما نقل ذلك ابن حجر العسقلاني، ودليل ذلك قول الله تعالى: (فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا)،[٣] وبناءً على ذلك؛ فإنّ كون الجبل أصبح دكاً -كما جاء في الآية الكريمة- فلا خلاف في ذلك، ولكن الخلاف فيما إن كان الجبل ما يزال قائماً، فإن كان الجبل هو ذات جبل الطور أو ما يسمّى بطور سيناء؛ فيحتمل أنّ الله تعالى أقام الجبل بعد أن جعله دكاً، حيث إنّ الله تعالى رفعه على بني إسرائيل، ثم أرجعه إلى ذات المكان، ودليل ذلك قول الله تعالى: (وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ)،[٤] ويحتمل أن يكون القول ببقاء جبل الطور قولاً خاطئاً، حيث أورد بعض الباحثين أنّ جبل الطور دُكّ دكاً، ثمّ رفعه الله تعالى فجعله كالظلّة على بني إسرائيل بين السماء والأرض، ثمّ استقرّ في مكانه، والواجب على المسلم أن يؤمن بقلبه بحصول اللقاء بين الله تعالى ونبيه موسى -عليه السّلام- وما أوردته النصوص الشرعيّة حول هذا الموقف.[٥]