ما هي الحلقة المفقودة في السيطرة السريعة لطالبان على أفغانستان.. ثم أليس من الواجب من عملاء أمريكا في الوطن العربي أن يتعظوا من الدرس الأفغاني

الدكتور أوس نزار درويش

 

بأيام قليلة وبفترة قياسية سريعة أذهلت الجميع تسيطر حركة طالبان على كل المناطق الأفغانية وتدخل العاصمة الأفغانية كابل ويهرب الرئيس الأفغاني الفار (أشرف غني) بشكل مهين ومذل وتخرج الولايات المتحدة من أفغانستان مع دبلوماسييها وعسكرييها ولات سمح لعملائها الذين خدموها أكثر من عشرين عام أن يصعدوا إلى الطائرة لابل أكثر من هذا قامت بإطلاق النار عليهم وقتلهم .

بعد كل هذه الأحداث في أفغانستان في فترة قصيرة والتي هزت العالم نسأل أنفسنا كيف حدث هذا وكيف سيطرت حركة طالبان على كل المناطق الأفغانية بهذه السرعة الهائلة وبدون قتال حيث إن غالبية المناطق والولايات قد تسلمتها طالبان بدون قتال ولا حرب ومنها العاصمة كابل وأين اختفى الجيش الأفغاني والذي يقدر عدده بأكثر من ثلاثمئة ألف جندي ولماذا لم تقصف الطائرات الأمريكية وطائرات الناتو مسلحي طالبان عندما كانوا يتقدمون ويسيطرون على المناطق الأفغانية.

أسئلة منطقية تحتاج إلى البحث والتعمق ولكي نتمكن من الإجابة على كل هذه الاسئلة يتحتم علينا العودة إلى الوراء قليلا ،فالولايات المتحدة منذ عهد (باراك أوباما) قررت الإنسحاب من أفغانستان بسبب الخسائر الكبيرة التي تكبدتها هناك فالحرب في أفغانستان قد كلفت الخزينة الأمريكية ما يزيد عن 990 مليار دولار وأكثر من 5000 قتيل وعشرات آلاف من الجرحى فتوصلت الدولة العميقة في الولايات المتحدة إلى قرار الإنسحاب من أفغانستان ولإدارة هذا الإنسحاب بطريقة صحيحة تعود بالفائدة على الولايات المتحدة فقد قامت الولايات المتحدة بعقد مفاوضات مع حركة طالبان كون الحركة هي الطرف الأقوى في أفغانستان وكون الحكومة الأفغانية هي حكومة بغالبيتها من العملاء والمأجورين والمرتزقة الذين لا قيمة لهم .

وقد بدأت هذه المفاوضات مع نهاية عام 2013 وقد اختارت الولايات المتحدة أن تكون الدوحة هي مكان إجراء المفاوضات بينها وبين طالبان وبناء عليه قامت طالبان بنقل مكتبها السياسي إلى الدوحة وقد جرت جولات عديدة من المفاوضات وفي  29-2-2020 توصل الجانبان الأمريكي وحركة طالبان إلى اتفاق وتم التوقيع عليه في العاصمة القطرية الدوحة وقد قام بالتوقيع عليه كل من الملا عبد الغني برادار رئيس المكتب السياسي لطالبان والمبعوث الأمريكي للملف الأفغاني زلماي خليل زادة وكان من بنوده سحب القوات الأمريكية لجنودها في غضون 14 شهرا وتأمين انسحابهم من قبل طالبان وتبادل أسرى بين طالبان والولايات المتحدة من دون أية إشارة إلى مصير الحكومة الأفغانية ولكن الملاحق السرية لهذا الاتفاق والذي لم يتم الإعلان عنه كان ينص على عدم ممانعة الولايات المتحدة من سيطرة طالبان على كامل أفغانستان وأن يكون هذه مع نهاية آب 2021 وبالفعل هذا ما حدث وعن سحب الولايات المتحدة يدها عن الحكومة الافغانية الحالية وعلى أن تقوم الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي بالاعتراف ولكن بشكل تدريجي بالحكومة التي ستشكلها طالبان مستقبلا وما يؤكد صحة  هذا الكلام إن ما جاء في الملحق السري لاتفاق الدوحة بين الولايات المتحدة وطالبان في تاريخ   2021-2-29 إن ما جاء فيه هو ما حدث على أرض الواقع فعلا فالولايات المتحدة لم تمنع طالبان من السيطرة على أفغانستان مع إنها لو أرادت لكانت منعتها أو على الأقل أخرت سيطرتها على أفغانستان عن طريق طيرانها فالولايات المتحدة لم تواجه طالبان أبدا عند اجتياحها للمناطق الأفغانية ومنعت أيضا الجيش الأفغاني العميل الذي دربته أكثر من عشرين عام من مواجهة طالبان حيث إن كل ما جرى في أفغانستان قد حدث بدون أية حرب حقيقية عبارة استلام وتسليم.

وأيضا طالبان بعد سيطرتها على العاصمة كابل أصبحت تغازل الولايات المتحدة والدول الغربية من خلال تصريحها إنها ستكون متسامحة مع الجميع ولن تحارب المرأة وستسمح للمرأة بالعمل وستسمح بحرية الصحافة والإعلام ،وهذا الكلام طبعا كله للاستهلاك الإعلامي ولذر الرماد في العيون فكما نعلم فإن حركة طالبان هي من الحركات المتشددة وهذه الأمور التي أعلنت عنها تخالف منهجها وأدبياتها الأساسية .

وعلى الجانب الآخر في إقليم بانجشير هذا الإقليم المنيع والذي بقي لوحده خارج سيطرة طالبان وأيضا عندما حكمت طالبان في السابق من عام 96 حتى عام 2001 قد عجزت عن السيطرة عليه في هذا الإقليم تكونت قبل أيام حركة معارضة قوية لحكم طالبان هذه الحركة يتزعمها نائب الرئيس الفار والمسمى(آمر الله صالح) والذي أعلن عن نفسه من إقليم بانجشير رئيسا لأفغانستان مستندا في ذلك لأحكام الدستور الأفغاني والذي يقول إنه في حال استقالة الرئيس أو فراره يتولى نائب الرئيس مهام الرئيس وآمر الله صالح هذا من الشخصيات القوية والذكية جدا وقد تحالف آمر الله صالح مع إبن أحمد شاه مسعود القائد الأفغاني التاريخي الكبير والذي يحظى بشعبية ورمزية كبيرة عند الكثير من الأفغانيين وإبن أحمد شاه مسعود وإسمه (أحمد شاه مسعود الإبن) أعلن عن نيته محاربة طالبان في مقال كتبه قبل أيام وقد طلب من الولايات المتحدة وفرنسا مده بالسلاح لهزيمة طالبان، هذا بالإضافة إلى لجوء الكثير من أفراد الجيش الأفغاني السابق والكثير من معارضي طالبان إلى بانجشير وبدأوا بتجهيز أنفسهم لبدء حرب ضد طالبان.

وهنا نسأل أنفسنا لماذا انسحبت الولايات المتحدة من أفغانستان بهذه الطريقة وماهي أهدافها من كل ما حصل وما سيحصل في المستقبل ،بالإضافة للخسائر الكبيرة التي تلقتها الولايات المتحدة في أفغانستان فالولايات المتحدة تهدف من انسحابها تحقيق الكثير من الأمور :

فأولا: تريد الولايات المتحدة من أفغانستان أن تكون عاملا مزعجا للصين وعائقا أمام مشروعها الاستراتيجي الكبير (الحزام الواحد -الطريق الواحد) فالولايات المتحدة قريبا ستعمل على خلق الفتن بين طالبان والصين وخصوصا إن طالبان لها علاقات قوية مع الإيغور والحزب الإسلامي التركستاني  وهذا ما سيسبب مشاكل داخلية للصين مستقبلا.

ثانيا: تريد أيضا الولايات المتحدة من أفغانستان طالبان أن تكون عاملا مزعجا لطهران وخصوصا إنه بين إيران وأفغانستان حدود مشتركة كبيرة فالولايات المتحدة ستعمل أيضا عن طريق أذنابها على خلق فتن طائفية ومذهبية بين طالبان وإيران حتى تزعج إيران وحتى تبقي الصراع السني الشيعي متأجج في المنطقة.

ثالثا :وهو العامل الأهم فانسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان يأتي تطبيقا لما يسمى بالجيل الرابع من الحروب هذا المصطلح والذي ألفه البروفسور الأمريكي المعروف (ماكس مانواريانغ) عام 2008 ومن أهم بنود هذا المصطلح كما وضحه (مانواريانغ):(إننا في الولايات المتحدة قد تكبدنا الكثير من الخسائر بسبب حروبنا الخارجية سواء في فيتنام في السابق أو في أفغانستان والعراق حاليا فالأفضل لنا أن لا نحارب بجيوشنا فنستطيع تحقيق مانريده بدون أن نخسر أي شي وهي أن نجعل عدونا يضرب بعضه ببعضه عن طريق زرع الفتن والمؤامرات وعن طريق استخدام الصراعات الدينية والفكرية)

وبناء على هذا المبدأ فالولايات المتحدة انسحبت من أفغانستان فكما نلاحظ إنه بالتزامن مع سيطرة طالبان نشأت في إقليم بانجشير حركة عسكرية معارضة لطالبان وهذه الحركة مدعومة أمريكيا ويقال إن أمريكا ستقوم بتسليحها وما يؤكد كلامنا إن فيلسوف الخراب والدمار الصهيوني بيرنارد هنري ليفي قد التقى قبل فترة مع أحمد شاه مسعود الإبن في لقاء مشبوه لأن بيرنارد هنري ليفي مثل طائر الغراب أينما يحل يحل الخراب، فهذا ما تريده الولايات المتحدة استمرار القتال والحرب في أفغانستان من دون أن تخسر جندي واحد من خلال تجشيعها للحرب بين طالبان وبين المعارضين في بانجشير ومن خلال إثارتها للفتن وللمسألة العرقية حيث إن طالبان من البشتون وسكان إقليم بانجشير من الطاجيك.

وفي النهاية هناك  مشهد قبل أيام استوقفني وهذا المشهد يعكس منتهى الخسة والندالة الموجودة عند الولايات المتحدة عندما خرج عملاء الولايات المتحدة الذين عملوا معها وخدموها أكثر من عشرين عام إلى مطار كابل ولم تسمح لهم بالصعود للطائرة وأطلقت النار عليهم وقتلت الكثير منهم لابل أكثر من هذا قامت بإخراج الكلاب البوليسية إلى الطائرة ورفضت إخراج هؤلاء العملاء الأفغان فقيمة هؤلاء الكلاب عند الولايات المتحدة أكبر من قيمة هؤلاء العملاء الذين خدموها وهذا ليس غريبا على الولايات المتحدة فهي دائما ما تتخلى عن أذنابها عندما تنتهي مهامهم كشاه إيران والذي منعت طائرته من الهبوط في أمريكا بعد سقوطه للعلاج بعد أن أصيب بالسرطان أيضا الرؤوساء الآخرين عملاء الولايات المتحدة والذين قامت بالتخلي عنهم كسوهارتو رئيس إندونيسيا السباق ومانويل نورييجغا رئيس بنما السابق والقائمة تطول.

وهنا أقول لعملاء الولايات المتحدة في وطننا العربي ألم يحن الوقت لتستفيدوا من تجارب غيركم وأن تدركوا حقيقة إنكم لا تساوون شيئا عند أمريكا وها هو منظر العملاء الأفغان ماثلا أمام أعيننا فالولايات المتحدة فضلت كلابها على العملاء فيتحتم على عملاء الولايات المتحدة في منطقتنا العربية سواء كانوا ملوك أو حكومات عميلة أو أحزاب أو أفراد عاديين أن يعيدوا حساباتهم في عمالتهم مع أمريكا لأن أمريكا عندما تنتهي منهم ستقوم بالتخلي عنهم ورميهم مثلما ترمي الأوساخ هذه هي الحقيقة الدامغة والتي يجب أن يدركها عملاء أمريكا في منطقتنا العربية فلعلهم بعد هذا يعيدون حساباتهم في عمالتهم مع الولايات المتحدة ولو أنني أشك كثيرا بهذا لأن العميل والخائن يبقى عميلا وخائنا والله أعلم كما يقول أستاذنا الكبير عبد الباري عطوان .

 

كاتب وباحث سياسي عربي سوري وأستاذ جامعي في القانون العام    

Source: Raialyoum.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *