ما هي الصلة بين الذكاء العاطفي والعلاقات الاجتماعية؟

إنَّ امتلاك الرغبة في تغيير عادة لا تخدمنا جيداً يتطلب قدراً من التحلي بالشجاعة، لا سيما وأنَّ مثل هذا العمل ينشأ عادةً بسبب المعاناة التي تلي تدمير العلاقات، لكنَّ التغيير هو ما ينمِّي شخصياتنا ويحسِّن حياتنا؛ ولكن من أين تأتي احتياجاتنا؟ وكيف نحرر أنفسنا وعلاقاتنا من احتياجاتنا اللاواعية؟

Share your love

نحن نمتلك القدرة والوسائل لفعل كل ما نريده وتغيير كل ما نحتاجه في حياتنا، ولكنَّنا نحتاج إلى معرفة طريقة القيام بذلك.

كيف نطوِّر احتياجاتنا؟

ينبع كل ما يتعلق بنا، من سلوكات ومعتقدات ورغبات، من المورثات ومن تجاربنا التعليمية وبيئاتنا، فما نتعلَّمه ونختبره كأطفال يحدد طريقة نمو دماغنا وتطوُّره، ويخلق خلايا عصبية تشكل شخصياتنا، لهذا السبب، لكل منَّا طباعه واحتياجاته الاجتماعية والعاطفية المختلفة التي تقود حياته وتؤثر في علاقته مع الآخرين.

اتفق علماء النفس، على أنَّ التجارب السابقة السيئة تخلق مجموعةً من المشاعر والأفكار السلبية الخارجة عن وعينا الواعي وتؤثر في سلوكنا؛ ممَّا يجعلنا نطور آلياتٍ دفاعية مختلفة تمنعنا من إدراك الأفكار السيئة، وآليات الدفاع اللاواعية هذه هي المصدر الأساسي للأنماط المتكررة لدى الناس، والتي تسبِّب المعتقدات المقيِّدة للذات والشعور بالتعاسة.

ببساطة، تأتي احتياجات الناس من أمرين؛ إما من تكرار تجربة أمر يطور عادة كاستجابة للحاجة إلى تكرار تلك التجارب أو المشاعر مرةً أخرى، أو من الحرمان من أمر يقودنا إلى الرغبة في تجربته، ويحدث هذا الأمر عندما نواجه نزاعاً مع الآخرين، ونشعر بمشاعر الغضب أو الحزن أو الخوف، دون معرفة سبب شعورنا بهذه الطريقة أو من أين تأتي هذه المشاعر، ويسمى ذلك بالاحتياجات اللاواعية.

خلال سنواتنا الأولى، تعلَّمنا طريقة تلبية احتياجاتنا من أجل الاستمرار في الحياة، وآباؤنا هم أول من لاحظ طريقة تلبية احتياجاتنا من خلال البكاء والركل، فالأطفال الذين يمتلكون مقدِّم رعاية أو آباءً يوفرون لهم بيئةً مليئة بالمحبة والاستقرار الاقتصادي، سيكون لديهم احتياجات مختلفة في علاقاتهم في وقت لاحق من حياتهم، مقارنةً بالأطفال الذين يتعلمون منذ سن مبكرة أنَّ الأشخاص الذين من المفترض أن يكونوا مصدر رفاهيتهم لن يلبوا حاجتهم في الرعاية والاهتمام.

حيث تُحدَّد شخصية كل طفل – والتي تتشكل من الجينات وتجارب الحياة والتعليم – من خلال مجموعة من الاحتياجات اللاواعية، والتي تؤدي إلى بناء استراتيجيات لتلبية هذه الاحتياجات.

يكبر الأطفال ويصبحون مدركين لمعظم احتياجاتهم اللاواعية، لسوء الحظ، تُظهِر حقيقة أنَّنا نرى بعضنا يعاني من تقلبات مزاجية من وقت لآخر، وغير قادرين على حل النزاعات مع الآخرين ومستمرين في امتلاك أفكار مدمرة ذاتياً، أدلةً كافيةً للاعتقاد بأنَّ بعضنا لا يزال لديه احتياجات غير واعية تفتقر إلى الاستراتيجيات اللازمة لتلبيتها، ويمكن ملاحظة نتيجة تلك الاحتياجات اللاواعية في العلاقات.

شاهد بالفديو: 8 طرق لاستثمار الذكاء العاطفي في كسب محبة الناس

[wpcc-iframe class=”embed-responsive-item lazyload” src=”https://www.annajah.net/fe/images/annajah_large.jpg” width=”200″ height=”385″ frameborder=”0″ allowfullscreen=”” data-src=”https://www.youtube.com/embed/GNPTQEXnTTo?rel=0&hd=0″]

تحمُّل مسؤولية احتياجاتنا:

نظراً لأنَّ احتياجاتنا اللاواعية دائماً ما تكون نشطة وتتجه نحو الآخرين – لا سيما الأشخاص الذين نحبهم أكثر من غيرهم – فمن الصعب أن نمتلك علاقة واعية وسليمة مع الآخرين عندما تكون علاقتنا مع أنفسنا مدمرة جداً، وعندما يثيرنا أمر ما أو شخص ما، تنعكس مشاعرنا السلبية في تفاعلاتنا، وتؤثر حالتنا المزاجية في أفعالنا وأفكارنا.

وبحكم التجربة إذا لم نكن متعاطفين مع أنفسنا، فلن نكون أبداً متعاطفين مع الآخرين، وإذا لم نكن سعداء بوضعنا الحالي، فلن نكون سعداء أبداً بوضعنا مع شخص آخر، وإذا كنَّا لا نحب أنفسنا، فلن نحب أيَّ شخص آخر أبداً؛ إذ إنَّ جميع علاقاتنا الجيدة هي انعكاس لعلاقتنا الجيدة مع أنفسنا.

لجذب الوعي إلى حالتنا اللاواعية، يجب أن نتحمل مسؤولية احتياجاتنا وأفكارنا وأفعالنا كاملةً؛ وذلك بأن نكون مسؤولين عن احتياجاتنا؛ بحيث ندرك احتياجاتنا المتوقعة ونتوقف عن رؤية أصدقائنا وأفراد عائلاتنا وأزواجنا كمصادر لرفاهيتنا أو سعادتنا، وأن نراهم كما هم حقاً والعكس صحيح.

كما إنَّ ترك احتياجاتنا تحكم علاقاتنا لا يسمح لنا برؤية الشخص الآخر في أفضل حالاته، ويمنع الآخرين من أن يكونوا كما يريدون، ومن عيش الحياة التي يريدونها، وقد لا نكون مسؤولين تماماً عن ماضينا، لكنَّنا مسؤولون عن الأمور التي يمكننا التحكم فيها؛ أي أفكارنا وأفعالنا الحالية وسعادتنا.

يجب أن نستبدل بعض الأسئلة مثل: “لماذا يؤذيني؟” أو “لماذا لا تفعل ما أريده منها؟”، بأسئلة مثل: “ماذا أطلب منه أن يفعل لأجلي والذي أحتاج أن أفعله لنفسي؟” أو “لماذا لا أحلُّ الأمر بنفسي بحيث لا أواجه هذا النوع من المواقف بعد الآن؟”.

من السهل إلقاء اللوم على الآخرين ومن الصعب أن نسأل أنفسنا، وفي الوقت نفسه العلاقات هي الوسيلة المناسبة لمساعدتنا على إدراك احتياجاتنا اللاواعية، وتحرير أنفسنا منها والسماح بالازدهار والنمو وتحسين العلاقات مع أنفسنا، وفي النهاية مع الآخرين؛ ومن ثمَّ، فإنَّ العلاقات ضرورية جداً لتطوير الذكاء العاطفي.

كيف ننشِّط حديثنا الإيجابي مع أنفسنا؟

يمكننا جعل اللاوعي واعياً من خلال فحص أنماط علاقاتنا خلال حياتنا كلها، وتحليل المحفزات اليومية، فكل عاطفة تُحفَّز لديك، سواءً كانت شعوراً بالحزن أم الغضب أم الخوف، فهي تمثل اعتقاداً مقيِّداً للذات؛ ممَّا يخلق استجابات نفسية وسلوكية تبني عادات سلبية.

سواءً كنتَ تعرف والداً محبطاً يتوقف عن التحدث مع ابنه بسبب اختياره دراسة فرعٍ لا يرغب فيه، أم صديقاً غاضباً يحاول التأثير في الأشخاص الذين يفعلون أموراً لا تناسبه، أم زوجاً غيوراً يتحكم في زوجته، أم أيَّ شخص يريد أن يكون أكثر سعادةً، يمكنهم دائماً اتباع هذه الخطوات من أجل تنشيط حديثهم الإيجابي مع أنفسهم وإدراك احتياجاتهم:

1. إدراك الذات:

يحدث النمو عندما نكتشف محفزاتنا أو رغباتنا أو احتياجاتنا اللاواعية، فنحن نحتاج إلى إدراك متى وكيف تؤدي هذه المحفزات دوراً في حياتنا اليومية، ويوجد ثلاث طرائق لزيادة وعينا الذاتي وهي:

  • ممارسة تأمل اليقظة الذهنية: والذي يتيح لنا إدراك الأفكار السلبية ويساعدنا على التعافي بسرعة من حالات سيطرة اللوزة الدماغية.
  • خوض تجارب جديدة: والتي تسمح لنا بإدراك ما نشعر به وطريقة التصرف عند مواجهة مواقف جديدة.
  • تلقِّي التغذية الراجعة من الأشخاص الذين نحبهم: والتي مهما كانت مؤلمة أو غير سارة، فهي تحفز تحقيق الوعي لحالة اللاوعي.

2. دراسة التجارب السابقة:

بمجرد أن تصبح احتياجاتنا غير واعية، قد يكون من المفيد أن نفهم من أين تأتي هذه الاحتياجات، فنحن نفكر في الماضي لمعرفة كيف يمكننا تحقيق النمو في حاضرنا، ولا نقضي وقتاً طويلاً في التفكير في الأمور التي لم تعد تحت سيطرتنا بعد الآن، فإنَّ إدراك سبب وجود احتياجاتنا يدفعنا للتعاطف مع أنفسنا – لا سيما في أثناء حدوث صراعات – والتعاطف تجاه الآخرين.

لفهم احتياجاتنا الواعية جيداً يجب أن نسأل أنفسنا “من أين تأتي هذه المشاعر المحفزة؟” و”ما الذي حدث معنا في الماضي أو خلال طفولتنا وسبَّب هذه الحاجة؟”.

3. التفكير في النتائج:

عندما ندرك احتياجاتنا، نحن نحتاج إلى التفكير في عواقب العادات التي سبَّبَتها تلك الاحتياجات، لنقرر فيما إذا كان يجب علينا تغيير عاداتنا وطريقة القيام بذلك، فيجب أن نسأل أنفسنا “ما هي نتيجة السماح لاحتياجاتي بالتحكم في أفكاري وأفعالي ومشاعري؟” و”كيف تؤثر احتياجاتي فيني وفي بقية علاقاتي؟” و”كيف ستكون حياتي لو كنتُ قادراً على التحكم في احتياجاتي؟”.

4. تحديد الأسباب:

إذا قررنا تغيير عادة ما لأنَّها لا تفيدنا جيداً، فيجب أن نحرص على أنَّ التغيير سيحدث على الرغم من الصعوبات، ولن يحدث النمو أبداً دون إدراك دافعنا للتغيير، ودون أن نسأل أنفسنا “لماذا هذا هام بالنسبة إلينا؟” أو “لماذا نهتم بذلك؟”؛ حيث تساعدنا الإجابة عن هذه الأسئلة على العثور على أسباب احتياجاتنا ودوافعنا التحفيزية لمساعدتنا على تحقيق أيِّ هدف، وتغيير أيَّة عادة نريدها.

5. بناء الاستراتيجية:

بمجرد أن نقرر السيطرة على احتياجاتنا، يجب علينا وضع استراتيجية نهائية لتحييد احتياجاتنا عن علاقاتنا عندما تزداد المشاعر السلبية، فنحن نحتاج إلى التوصل إلى شيء لنقوله أو نفكر فيه أو نفعله؛ بحيث يجعلنا نشعر بالهدوء خلال لحظات التحفيز، فقد نختار الجري أو التنفس بعمق ثلاث مرات أو التفكير في احتياجات شخص آخر أو التفكير في احتمالات أخرى في موقف معين، أو تذكُّر طبيعة احتياجاتنا اللاواعية بالإضافة إلى دوافعنا التحفيزية، ومهما كانت الاستراتيجية، ستنجح طالما أنَّها تحررنا من نقل احتياجاتنا اللاواعية إلى علاقاتنا.

بعد فترة من تنشيط حديثنا الإيجابي مع أنفسنا، ستُعزَّز الروابط العصبية بين مناطق الدماغ، بما في ذلك تلك التي تؤدي أدواراً هامةً في تطوير المهارات المختلفة للذكاء العاطفي والاجتماعي، وتعديل سلوكاتنا وتحريرنا من احتياجاتنا اللاواعية.

لن نحقق أبداً علاقة جيدة مع أيِّ شخص آخر أفضل من تلك التي يمكننا تحقيقها مع أنفسنا، وللقيام بذلك، يجب أن نكون مسؤولين عن أفكارنا ومشاعرنا وأفعالنا من أجل تحرير أنفسنا من احتياجاتنا اللاواعية ومن جروحنا وماضينا؛ ومن ثمَّ، تحرير علاقاتنا من المعاناة الخارجية.

بهذه الطريقة، لن نحتاج إلى أصدقائنا وأفراد عائلتنا وأزواجنا لتلبية احتياجاتنا؛ لأنَّنا سنفعل ذلك بأنفسنا، ولكنَّنا سنحبهم لأنَّهم يجعلون حياتنا أفضل وأكثر صحةً وسعادةً ممَّا هي عليه بالفعل، ويجب أن يفعلوا الأمر ذاته مع أنفسهم، وبهذه الحالة سنمتلك القدرة على محبة أنفسنا والآخرين بحرية.

المصدر

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!