يعد الطبيب الفرنسي “جان لاندري” أول من اكتشف هذه المتلازمة في العام 1859م، ولذلك أطلق على المرض “شلل لاندري” نسبة إليه. ونجح بعدها طبيبان في تشخيص حالتين، واكتشفا طريقة للتشخيص، عبر ارتفاع معدل البروتين الكلي والألبومين، من دون ارتفاع تعداد الكريات. وإلى الطبيبين تعود تسمية المرض وهما: “جورج غيلان” و”الكسندر باريه”.

وتعتبر “متلازمة غيلان باريه” من الاضطرابات التي يهاجم فيها الجهاز المناعي الأعصاب، وتبدأ الأعراض الأولية لها من خلال الشعور بالضعف والوخز في الأطراف.
ويمكن لهذه الأعراض أن تنتشر بشكل سريع، وتؤدي في النهاية إلى إصابة الجسم الكامل بالشلل، ولذلك فإن هذا الاضطراب يعتبر في بعض الأحيان حالة طبية طارئة، تستلزم المكوث في المستشفى لتلقي العلاج.
يبدأ المرض في فترة تتراوح بين ساعات وأسابيع، ويبلغ شدته خلال الأسبوع الأول، ومن الممكن أن يفقد أغلب المصابين القدرة على المشي، وعند 50 في المئة يكون هناك ضعف في التنفس، ما يؤدي إلى الحاجة إلى تهوية آلية.

ويعترف الأطباء بأن السبب وراء هذه الحالة لا يزال مجهولاً. وفي الغالب، فإن الإصابة بها يسبقها الإصابة بأحد الأمراض المعدية؛ كعدوى الجهاز التنفسي. ويمكن أن تخفف العلاجات المتاحة أعراض هذه الحالة، وذلك لأنه لا يتوافر علاج معروف حتى الآن، وبصفة عامة، فإن معظم المصابين يتعافون، وإن كان هناك من يظل يعاني بعض الآثار كالضعف والإرهاق والخدر.
وكان يعتقد بداية أن “متلازمة غيلان باريه” هي اضطراب وحيد، غير أنه تبين أن لها عدة أنواع، الأول منها التهاب الأعصاب الحاد المزيل للنخاعين، وهو الأكثر شيوعاً، وضعف العضلات الذي يبدأ من أسفل الجسم وينتشر إلى الأعلى، هو أبرز العلامات عليه.

ويبدأ النوع الثاني من هذا الاضطراب، المسمى بـ “متلازمة ميلر فيشر”، الشلل في العينين، كما أنه يرتبط بالمشي غير الطبيعي.
وتنتشر الإصابة بالنوع الثالث، وهو الاعتلال العصبي المحوري الحركي الحاد، والحسي الحركي في دول آسيا الشرقية والمكسيك، في حين تقل الإصابة به في أمريكا.


أسباب المرض

يقول الخبراء الطبيون أن السبب الرئيسي وراء الإصابة بـ “متلازمة غيلان باريه” غير معروف حتى الآن، ويمكن أن ترجع الإصابة إلى بعض الأمور، ومنها تعرض الرئة أو الجهاز الهضمي للعدوى.
وتعتبر العدوى سبباً في إصابة معظم الحالات بهذا الاضطراب، حيث تظهر أعراضه بعد فترة تتراوح بين أيام وبضعة أسابيع، عقب إصابة الجهاز الهضمي أو التنفسي.
ويمكن أن ترجع الإصابة إلى إجراء جراحة، أو تناول أحد أنواع التطعيم، وإن كان هذا بنسبة قليلة، وفي بعض الحالات يكون الحمل سبباً في هذا المرض.

الإنفلونزا والكبد:
وأرجع الخبراء متلازمة غيلان باريه إلى الإصابة بعدوى بكتيريا العطيفة، وذلك في كثير من الحالات، وهذه البكتيريا توجد في الغالب في الدواجن غير المطهوّة.
ويزيد خطر الإصابة بهذا المرض في الحالات التي تصاب بفيروس الإنفلونزا، ويشتبه بأن لقاحات الإنفلونزا أحياناً ترفع من معدل الإصابة، وإن كان لا تتوافر أدلة مؤكدة على هذا الأمر.
ويزيد خطر حدوث هذه المتلازمة عند الإصابة بأي نوع من التهاب الكبد (إيه وبي وسي وإي) وأيضاً فيروسات “زيكا”، ونقص المناعة البشرية.

أعراض المرض

  • وخز وضعف: ويشعر المصاب بمتلازمة غيلان باريه في بداية ظهور الأعراض بوخز وضعف بداية من القدمين والساقين، ومن ثم ينتشر إلى الأجزاء العلوية من الجسم والذراعين.
    وتظهر هذه الأعراض في الذراعين والوجه في البداية. ويصف المصاب إحساسه بأن هناك إبراً أو دبابيس في أصابع اليدين أو القدمين، وكذلك الكاحلين والمعصمين.
    وتصاب الساقان بالضعف مع تطور المرض، ويمكن أن يصل الضعف إلى حد الشلل، مع اختلال التوازن عند المشي، ويفقد المريض قدرته على المشي بشكل تام، أو صعود السلالم كحد أدنى للحالة، وذلك مع زيادة حدة المرض.
  • صعوبة التنفس: ويجد المصاب، كذلك، صعوبة في التنفس، مع تفاوت في مستوى ضغط الدم ارتفاعاً وانخفاضاً، كما أن معدل نبضات القلب يختل نظامه. ويعاني مريض متلازمة غيلان باريه ألماً شديداً أسفل الظهر، ويجد صعوبة في تحريك العينين وعضلات الوجه، وكذلك صعوبة في البلع والكلام.
    ويمكن أن يشعر المصاب بمتلازمة غيلان باريه بألم شديد يصل إلى حد التشنج، وهو الأمر الذي ربما يزداد حدة خلال الليل. وبصفة عامة، فإن المصابين يعانون أشد أوقات الضعف ما بين أسبوعين وأربعة أسابيع من بداية ظهور الأعراض.
  • آثار على الأعصاب: تتسبب “متلازمة غيلان باريه” في عدد من المضاعفات ترجع إلى تأثير المتلازمة في الأعصاب، وهي المتحكمة في حركة ووظائف الجسم.
    وتشمل المضاعفات صعوبات في التنفس، وذلك إذا انتقل الضعف أو الشلل إلى العضلات المتحكمة في التنفس، وهذا الأمر من المضاعفات الخطيرة، وفي هذه الحالة فإن المصاب يحتاج إلى جهاز مساعد في التنفس والإقامة في المستشفى.
    ويعاني بعض المصابين ضعفاً أو وخزاً بسيطاً يكون متبقياً من المرض، وذلك على الرغم من الشفاء. ومن المضاعفات كذلك انتشار حالات عدم انتظام ضغط الدم واضطراب نظم القلب.
  • الجلطات والعجز: وتتسبب المتلازمة في حدوث مشاكل في الأمعاء والمثانة، حيث تصاب الأمعاء بالكسل، ويحدث احتباس في البول.
    ويؤدي عجز المصابين بهذه المتلازمة عن الحركة إلى زيادة خطر تعرضهم لجلطات دموية، ولذلك ينصح الأطباء في هذه الحالة بتناول أدوية مسيلة للدم وارتداء الجوارب الداعمة.
    ويترتب على عجز المصاب عن الحركة إصابته بقروح الفراش، كما أن هناك نسبة من المصابين يتعرضون للانتكاس، ومن الممكن أن تحدث الوفاة بسبب بعض هذه المضاعفات.

تشخيص المرض

يمكن أن يجد الطبيب صعوبة في تشخيص “متلازمة غيلان باريه”، وذلك في بدايات الإصابة؛ لأن أعراضها تتشابه مع أعراض العديد من الاضطرابات العصبية الأخرى، وهو يحتاج لذلك إلى الاطلاع على التاريخ الطبي للمصاب مع فحصه بدنياً.

ويلجأ إلى بعض الاختبارات، كالبزل الشوكي، وفيه يتم سحب كمية قليلة من سائل القناة الشوكية أسفل الظهر، ويهدف إلى البحث عن أي تغيير، وهو الأمر الشائع لدى المصابين بهذه المتلازمة.
ويمكن إجراء تخطيط كهربية العضل، حيث يتم قياس النشاط العصبي في العضلات، وذلك بإدخال أقطاب رفيعة في العضلات المراد دراستها.
ويتم قياس سرعة الإشارات العصبية من خلال دراسة توصيل الأعصاب التي تتم عبر لصق أقطاب على الجلد فوق الأعصاب.

ويقوم الطبيب المعالج بوضع خيارين لعلاج “متلازمة غيلان باريه” أمام المريض، يهدفان إلى تقليل حدة المرض ومضاعفاته، وذلك أنه لا يتوافر علاج لهذه المتلازمة.
ويتم في النوع الأول، تبادل البلازما، أو فصادة البلازما، وفصل البلازما من خلايا الدم، ثم تعاد الخلايا مرة أخرى إلى جسم المصاب، وتعوض هذه الخلايا ما تمت إزالته من البلازما بإنتاج المزيد منها.

ويعطى المصاب في النوع الثاني الجلوبيولين المناعي، وهو يحتوي على أجسام مضادة سليمة من متبرعين بالدم. ويتم إعطاؤها من خلال الحقن الوريدي، ويمكن للجرعات العالية منه أن تمنع الأجسام المضادة الضارة، وهي التي ربما كانت وراء الإصابة بمتلازمة غيلان باريه.

علاج المرض

العلاج الطبيعي

يوصي الطبيب المصاب بتناول بعض الأدوية التي تخفف من الألم الشديد الذي يعانيه، إضافة إلى أدوية أخرى تقي من الإصابة بالجلطات الدموية بسبب قلة الحركة.
ويحتاج المصابون إلى مساعدة بدنية قبل التعافي، تتضمن تحريك الذراعين والساقين، حتى يساعد ذلك في الحفاظ على مرونة العضلات وقوتها.
ويساعد العلاج الطبيعي في التغلب على الإرهاق، واستعادة القوة والحركة المناسبة، وتمنح أجهزة التكيف، كالكراسي المتحركة والدعامات، المصاب القدرة على التنقل ومهارات الرعاية الذاتية.

الخط الزمني

يمر أغلب المصابين بـ”متلازمة غيلان باريه” بخط زمني واحد، يبدأ عقب الأعراض الأولية، بتفاقم الحالة بصورة تصاعدية خلال أسبوعين.
وتلي ذلك فترة استقرار الأعراض لمدة أربعة أسابيع، ثم مرحلة التعافي، التي تستغرق من ستة أشهر إلى سنة، وربما وصل في بعض الحالات إلى ثلاث سنوات.
وتشير دراسة أمريكية حديثة إلى أن الإحصاءات الخاصة بالمتعافين تبين أن أكثر من 75 في المئة يستطيعون المشي بشكل مستقل بعد ستة أشهر من تشخيص الحالة.

وينجح نحو 60 في المئة في استعادة القوة الحركية، بعد مرور عام على التشخيص، في حين أن هناك من يتأخر في التعافي بشكل شديد أو لا يتعافى بصورة كاملة، وهي نسبة تتراوح من 5 إلى 10 في المئة، ويتعافى الأطفال، والذين تقل إصابتهم بهذه المتلازمة، بشكل أكبر من البالغين.

وينصح المريض بالتعود على الحركة المحدودة والشعور بالتعب، ويمكن من أجل التغلب على الضغوط المرتبطة بالتعافي من هذه المتلازمة المحافظة على نظام دعم، من خلال الأصدقاء والعائلة، والتواصل مع مجموعات الدعم، وأخيراً مناقشة أية مخاوف يتعرض لها المصاب مع أحد الاختصاصيين.