تولد الفتاة، كما هو معلوم علمياً، بعدد محدود من البويضات. وفي كل شهر يتسابق عدد يراوح بين سبع وعشر بويضات للوصول الى طور النمو اللازم للتلقيح، ولكن بويضة واحدة هي التي تنجح في المرور بالتغيرات اللازمة للنضوج كلها. وفي أثناء عملية النضوج هذه تعمل البويضة، والغطاء الحامي لها، على افراز هرموني الأنثوية وهما: هرمون “الأستروجين” وهرمون “البروجيسترون“.

ومع بداية سن الأربعين يبدأ عدد البويضات في النقصان، وبالتالي تبدأ كمية الهرمونات الأنثوية في الانسحاب والنقصان التدريجي، وهذا يعتبر مؤشراً لبداية الدخول في مرحلة انقطاع الطمث (سن الأمان)، حيث إن مسمى “سن اليأس” يأتي من “اليأس من المحيض”، وهذه المرحلة ليست كذلك، بل هي مرحلة نضوج وبلوغ لذروة النجاح الاجتماعي والثقافي، وقد تغير هذا المسمى إلى “الأمان” بدلاً من اليأس حيث قد تقضي المرأة أكثر من ثلث عمرها في هذه المرحلة، وهي مرحلة سنية وعمرية مثلها ككل المراحل السابقة في عمر المرأة ولكن لها مميزات فسيولوجية خاصة يجب على المرأة فهمها ومعرفة كيفية التعامل معها تماماً، كما حدثت لها تغيرات فسيولوجية في مرحلة البلوغ وتعاملت معها.

وقالت الدكتورة راندا مصطفى، استاذة وظائف الأعضاء والسلوك، ورئيس قسم العلوم الطبية الأساسية بكلية الطب في جامعة الشارقة، إن فترة ما قبل انقطاع الطمث قد تستمر من 3-2 أعوام يستعد فيها الكثير من الهرمونات الأنثوية للانسحاب، ويعمل على التأقلم مع هذه المعدلات المتناقصة حتى يصل بالتدريج إلى مرحلة الانقطاع النهائي، وتعرف بعدم حدوث دورة شهرية لمدة ستة أشهر متوالية.

وأوضحت أن انسحاب الهرمونات الأنثوية قد يؤدي إلى حدوث بعض الأعراض الاكتئابية وتذبذبات في الحالة النفسية مع التذبذبات الحادثة في الهرمونات. ويجب عليها أن تساعد نفسها على المرور من هذه المرحلة مثل السعي وراء هدف وممارسة الهوايات، ويجب على المرأة أن تتصالح مع نفسها وتحبها أكثر لأنها مرحلة لها جمالها ورونقها وأحاسيسها، وعليها أيضاً أن تعمل على تخطي الطاقة السلبية التي قد تتولد داخلها نتيجة إدراكها بأنها قد كبرت في العمر، ولم يعد لها جاذبية كالسابق، أو لم تعد شابة صغيرة، وهذا خطأ كبير تقع فيه المرأة، ويجب عليها أن تحول كل تلك الأفكار السلبية إلى طاقات إيجابية تبعث بداخلها طاقة متجددة وحباً للحياة وللعطاء في المناحي كافة حيث إن لكل سن جمالها ولها مميزاتها وخصائصها.

وتؤكد الدكتورة راندا مصطفى أهمية ممارسة الرياضة لمدة ساعة واحدة ثلاث مرات في الأسبوع على الأقل، وشددت على أهمية المشي لأنه يرفع الحالة المعنوية من خلال إفراز المخ للاندورفين الطبيعي المعالج للاكتئاب المستعصي ويشيع في الجسم الطمأنينة ويعطي إحساساً بالراحة، كما يسهم المشي في المحافظة على صحة العظام لفعاليته في ترسيب الكالسيوم والتقليل من اكتساب الوزن الزائد فتظل المرأة محتفظة برشاقتها ما يزيد من ثقتها بنفسها.

وعن التغذية الصحية للمرأة تنصح بتناول الموز وسبع حبات من اللوز غير المملح يومياً، والطماطم والخضراوات الخضراء والورقية، والبعد عن المقليات والأطعمة السريعة، لأن المرأة في هذه المرحلة تكون عرضة للإصابة بأمراض القلب مثل الرجال. وثمرة القشطة البيضاء من أكثر الثمرات التي تحمي من الأورام السرطانية، وتناول المكملات الغذائية مثل الفيتامينات وأهمها فيتامين “B”، والتعرض للشمس يومياً، خصوصاً اليد والوجه لمدة 15 دقيقة يومياً، وتناول سمك السردين مرة واحدة أسبوعياً لوجود كمية هائلة فيه من فيتامين “D” كافية لترسيب الكالسيوم وبناء العظم. ولا مانع أيضاً من تناول قطعة من الشيكولاته فهي تعمل على رفع الحالة المعنوية, من خلال رفع نسبه السيروتونين في المخ الذي يحسن الحالة المعنوية والنفسية.

الهبات الحرارية

وعن الهبات الحرارية، التي قد تحدث عند بعض النساء مع انسحاب الهرمونات الأنثوية قالت الدكتورة راندا: “يجب على المرأة متابعة والتعرف إلى الأسباب التي قد تؤدي إلى ارتفاع حرارة الجسم، والتي قد تتسبب في حدوث الهبات الساخنة. وعلى سبيل المثال ارتفاع درجة الحرارة في الغرفة، أو تناول مشروبات أو أطعمة ساخنة والتوتر العصبي. فإذا كانت المرأة تعاني تكرار الهبات الساخنة فعليها أن تسجل متى وأين حدثت، والحالة النفسية والعصبية وقت حدوث ذلك، وكذلك أنواع الأطعمة والمشروبات التي تناولتها، وهكذا يمكنها تفادي مسببات الهبات الساخنة والابتعاد عنها”.

وذكرت الدكتورة راندا أنها لا تفضل اللجوء إلى استخدام الهرمونات التعويضية إلا في الحالات القصوى وتحت تأثير إشراف طبي دقيق، كما يجب أن يتوفر لدى السيدات جدول للفحص الدوري، حيث يجب الفحص كل سنتين على الثدي وكل سنة إذا كان هناك تاريخ مرضي بالعائلة، ويجب كل عام إجراء فحص ” مسحة عنق الرحم”، للتعرف إلى أية تغيرات يمكن علاجها في الحالات الأولية قبل تطورها، وكذلك فحص كثافة العظام ونسب الكولسترول والسكري وضغط الدم. ونصيحتها لكل النساء أن يستخدمن جدولاً لتدوين مواعيد الفحوصات الدورية لتسهيل المتابعة مع الطبيب المختص.

كيف تتغلبين على الهبات الساخنة؟

 • قللي من تناول القهوة:

تشير بعض الأبحاث والدراسات إلى أن الإقلال من تناول القهوة وكذلك تناول القهوة منزوعة الكافيين قد يساعد على تناقص حدوث الهبات الساخنة، كما أن تناول القهوة، وخصوصاً الساخنة جداً قد يؤدي إلى حدوثها في الكثير من الحالات. وهذا ينطبق أيضا على المشروبات الغازية والشاي أيضاً، رغم احتواء الشاي فقط على نصف ما تحتويه القهوة من كافيين.

وحاولي أن تستبدلي -يومياً- فنجاناً أو فنجانين من القهوة بكوب من الماء أو من المشروبات العشبية التي تحبينها.

 • قللي من استعمال البهارات والتوابل:

لاحظي ردة فعلك تجاه الأطعمة كثيرة التوابل، فقد تتسبب في حدوث الهبات الساخنة لدى بعض السيدات، وبالتالي يجب تجنبها. واستخدمي الثوم والشومر والبقدونس في الطهي عوضا عن البهارات والتوابل.

 • حافظي على وزنك:

هناك دلائل تشير إلى أن الزيادة الكبيرة في الوزن في الفترة الزمنية المصاحبة لانقطاع الطمث قد تؤدي إلى حدوث الهبات الساخنة، وعلى النقيض فالنحافة الزائدة تؤدي أيضا إلى زيادة الهبات الساخنة.

• اختاري بعناية نوعية غذائك للإقلال من الهبات الساخنة:

تجنبي الأطعمة التي تحتوي على السكريات والنشويات، كالحلويات والشيكولاته والكعك والبسكويت. فتناول مثل هذه الأطعمة يؤدي إلى زيادة السعرات الحرارية بسرعة وإلى الشعور بحرارة زائدة وحدوث الهبات الساخنة. الأفضل أن تتناولي السكريات الطبيعية القابلة للتمثيل الغذائي ببطء، كتلك الموجودة في الفواكه الطازجة والمجففة، وإن كنت لا تفضلين تناول المشروبات الساخنة من دون سكر، فالأفضل أن تستخدمي قليلاً من العسل الأبيض بدلاً من السكر، فهو يرفع تركيز السكر في الدم ببطء عن السكريات الأخرى، ومن الأفضل أيضاً تناول وجبات خفيفة ومتكررة، فهضم وجبة واحدة كبيرة ودسمة قد يؤدي إلى ارتفاع حرارة الجسم بدرجة أكبر، وقد يؤدي هذا بدوره إلى حدوث الهبات، ولا بد أيضاً من اختيار الأغذية ذات المعدلات السكرية المنخفضة والتي تُهضم ببطء وينتج عنها ارتفاع تدريجي بطيء في تركيز السكر في الدم. وعلى سبيل المثال، البروتين، كما في اللحوم ومنتجات الألبان منخفضة الدسم، فهذه الأطعمة تقلل من معدل امتصاص السكر.

نصائح مفيدة للتعامل مع الهبات الساخنة

حاولي تجربة النصائح التالية عند حدوث الهبات الساخنة:

• اغسلي رسغيك بالماء البارد لمدة دقيقة أو دقيقتين، فهذا يعطيك إحساساً مباشراً بالبرودة.

• لو شعرت بقرب حدوث الهبة الساخنة، تناولي كوبا من الماء البارد.

• احتفظي في حقيبتك برشاش صغير للماء، يمكنك استخدامه لرش رذاذ الماء على الوجه والعنق عند حدوث الهبات، كما أن استخدام ماء الورد قد يكون منعشا وطيب الرائحة أيضاً.

• احتفظي بالمناديل المبللة في حقيبتك لاستخدامها عند حدوث الهبات الساخنة، والمناديل المعطرة برائحة الليمون والخيار على وجه الخصوص تعطيك إحساسا بالانتعاش، ويمكنك تبريدها أيضاً للحصول على مزيد من الانتعاش.

• كبديل للمناديل المبللة، يمكنك الاحتفاظ بقطعة قماش مبللة في الثلاجة/ البراد، لزيادة التأثير الجيد لها، ويمكنك إضافة قطرات من النعناع أو ماء الزهر إليها.

• يمكنك استخدام كيس من الخضراوات المجمدة أيضاً لتبريد منطقة الوجه والعنق والرسغين للتخلص سريعاً من الهبة الساخنة.

• حاولي الاسترخاء، فقد أثبتت الدراسات أن ممارسة تمارين الاسترخاء بانتظام قد تؤدي إلى تناقص حدوث الهبات الساخنة بنسبة 60 في المئة.  وأثناء الهبة الساخنة حاولي الاسترخاء والتنفس بعمق بدلا من التوتر، فإن ذلك سيمكنك من التخلص سريعا من الهبة الساخنة، فقد أثبتت بعض الأبحاث أن التنفس بعمق قد يؤدي إلى انخفاض حدوث الهبات بمقدار النصف. وحاولي استنشاق الهواء ببطء من الأنف: عِدّي حتى ثلاثة، ثم توقفي لمدة ثلاث ثوان، ثم ابدئي في الزفير لمدة ست ثوان، وعند حدوث الهبة الساخنة تخيّلي أنك في مكان بارد أو في مسبح بارد. أو تخيلي أن الثلج يحيط بك من رأسك إلى قدميك.

• مارسي الرياضة، حيث أثبتت العديد من الدراسات أن ممارسة الرياضة بانتظام لمدة ساعة ثلاث مرات أسبوعياً تقلل من حدوث الهبات الساخنة، ولا يلزمك زيارة المراكز المتخصصة، ويمكنك فقط زيادة النشاط الحركي خلال حياتك اليومية.

• توقفي عن التدخين: لأن التدخين يؤدي إلى زيادة الهبات الساخنة، وكذلك إلى زيادة أعراضها، وقد يكون التوقف عن التدخين صعباً، ولكن لدى الأطباء الآن ما يساعدك على هذه الخطوة المهمة، وهناك عيادات متخصصة لذلك، وهناك أيضاً بعض المواقع الإلكترونية التي تقدم لك النصيحة في هذا المجال.

• ارتدي الملابس المناسبة، لأن الألياف الصناعية، كالنايلون والبوليستر تزيد من التعرق المصاحب للهبات الساخنة. ومن الأفضل ارتداء الملابس المصنوعة من القطن والكتان، لأنها تمتص العرق، وارتدي الملابس الفضفاضة. ولو كنت ترتدين الملابس في طبقات، تستطيعين التخفيف منها عند حدوث الهبة الساخنة، وتجنبي تغطية العنق، حيث يقلل ذلك من التخلص من الحرارة، وتذكري أن الملابس الحريرية غير ملائمة لأنها تترك بقعا مبللة مرئية

• تحكمي في درجة الحرارة، وتأكدي أنها في منزلك مناسبة، وذلك باستخدام مكيفات الهواء أو فتح النوافذ، واستخدمي مراوح الهواء الصغيرة.

• نامي بعمق: قد تؤرق الهبات الساخنة نومك، وقد تشعرين في وقت ما بالسخونة الشديدة وتتخلصين من أغطية الفراش، وبعد قليل تشعرين بالبرودة الشديدة، وتستعيدين الأغطية ثانية. ولتفادي هذه المشكلة حاولي اتباع بعض النصائح البسيطة الآتية:

1. احتفظي بفراشك بارداً، وبدرجة حرارة مناسبة للغرفة. وارتدي ملابس نوم قطنية، واستخدمي ملاءة قطنية تحت غطاء السرير. وعند شعورك بالهبة الساخنة يمكنك التخلص من الغطاء وتبقى فقط الملاءة القطنية.

2. احتفظي بحافظة (جيل) باردة تحت مخدتك أثناء الليل، وتكون من النوع الذي يمكن وضعه في مكان التجميد في الثلاجة (الفريزر)، واقلبي المخدة حينما تشعرين بالحاجة إلى تبريد.

3. احتفظي بكوب من الماء البارد أو النعناع المنعش بجوارك أثناء النوم، فالقليل منه يعوّض ما فقده الجسم أثناء الهبات الساخنة، وفي أوقات الصيف أضيفي قطع الثلج.

التغييرات الظاهرية لسن الأمان

ان تغير شكل جسم المرأة، وتغير نفسيتها، والجفاف المهبلي، والأقاويل المتداولة من أنها أصبحت فرداً غير منتج أو فعال في المجتمع قد يؤدي إلى إصابتها بحالة من الإحباط هي وزوجها.

وتؤكد الدكتورة راندا أن هذه السن لا تؤثر إطلاقاً في ممارسة العلاقة الحميمية بين الرجل والمرأة، وقد تكون فرصة لإعادة تعريف العلاقة الزوجية وإعطاء المرأة إحساساً بالثقة وأنها مرغوبة.

التغلب على الاكتئاب

وعن تجربتها مع “سن الأمان” تقول “س. ب” (45 عاماً)، إنها عانت من الاكتئاب مدة ستة أشهر نتيجة للتغيرات الهرمونية في جسمها، وقد فكرت في الانتحار ولم تكن تتحدث إلى الآخرين ولا استشارة الأطباء، وقد تعرفت إلى جمعية تعنى بالسيدات في سن الأمان بالصدفة، عن طريق برنامج تلفزيوني، حيث قامت بالتواصل معها وبالاتصال مع الدكتورة راندا مصطفى رئيسة الجمعية التي قامت بدورها بالاستماع إليها وتفهم حالتها ومتابعتها لفترة طويلة.

وقالت إن الدكتورة راندا شجعتها على تغيير أسلوب حياتها وأن تثق بنفسها أكثر وتقتنع وترضى بذاتها وتشعر بأنوثتها، وإن هذه التغيرات طبيعية تحدث عند التقدم في العمر، وبالفعل حدث التغيير وظهرت “س.ب” في برنامج “خطوة” على قناة أبوظبي، كتجربة ناجحة لتخطي اليأس في هذه المرحلة مع الدكتورة راندا.

مقالات مجلة بلسم لشهر أيار (مايو) 2012 العدد رقم 443