متى نسد هذه الثغرة؟

متى نسد هذه الثغرة من طالع تاريخ الإسلام منذ بعث الله به محمدا صلى الله عليه وسلم حتى اليوم يرى ظاهرة واضحة كل الوضوح وهي أن الإسلام ما برح يخوض معارك متعددة النواحي تستهدف القضاء عليه أو تشويهه أو صرف المسلمين عنه وهذه المعارك تتسم من جهة أعدائه بالدقة والتنظيم والكيد المحكم كما تتسم من جهة المسلمين بالبراء..

متى نسد هذه الثغرة؟

من طالع تاريخ الإسلام منذ بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم حتى اليوم يرى ظاهرة واضحة كل الوضوح وهي أن الإسلام ما برح يخوض معارك متعددة النواحي تستهدف القضاء عليه أو تشويهه أو صرف المسلمين عنه، وهذه المعارك تتسم من جهة أعدائه بالدقة والتنظيم والكيد المحكم كما تتسم من جهة المسلمين بالبراءة والغفلة عن هذه المؤامرات والدفاع العفوي دون إعداد سابق أو هجوم مضاد، ولولا أن الإسلام دين الله الذي تكفل بحفظه لكانت بعض مؤامرات أعدائه كافية للقضاء عليه ومحو أثره.

ومن الواضح أن المؤامرات العدائية للإسلام تلبس في كل عصر لبوسها، فهي حين يكون المسلمون أقوياء تأخذ طريق التهديم الفكري والخلقي والاجتماعي، وحين يكونون ضعفاء تتخذ طريق الحرب والتجمع وتستهدف الإبادة والإفناء، فإذا عجزت طريق الحرب عن تحقيق أهدافها انقلبت إلى طريق فكري خداع تستهوي الغافلين أو المغفلين، فينبت للإسلام في داخل أسواره نابتة تنحرف شيئاً فشيئاً عن عقيدة الإسلام السمحة المشرقة المحررة حتى تنتهي إلى عقائد وأفكار تخالف المبادئ الأساسية للإسلام، وتحقق الأهداف الرئيسية التي يسعى إليها أعداؤه من حيث يبدو أنهم لا علاقة لهم بهذا التخريب والتهديم.

ونسوق مثلاً آخر على يقظة أعداء الإسلام وإحكام المؤامرات عليه، وهو استغلال الخلاف الذي وقع في صدر الإسلام بين الصحابة رضوان الله عليهم حول الخلافة، إن مثله يقع في كل أمة وفي كل عصر، ولكنا لم نر أمة من الأمم غيرنا عنيت بإثارة مثل هذا الخلاف أربعة عشر قرناً!..

إن المؤامرة تبدأ من اليهودي الماكر عبد الله بن سبأ ثم يتلقفها قادة الفرس الوثنيون الذين خلص الإسلام شعوبهم من حكمهم الظالم وعقيدتهم الوثنية، وفتح عقولها وعيونها لرؤية النور والتعرف على الحق، فهؤلاء حين انهزموا أمام الجيش الإسلامي المنقذ لم يجدوا وسيلة للانتقام من هؤلاء المحررين إلا أن يشوهوا سمعتهم وسيرتهم في بث الأخبار الكاذبة عنهم مما يزري بمكانتهم حقاً لو صحت هذه الأخبار، ومما يحط من شأن هذا الدين وحضارته إذ كان هؤلاء حملته وقادة جيوشه، وليس أدل على ذلك من أن نقمة أولئك الحاقدين قد انصبت على مفاخر الحضارة الإسلامية علماً وحكماً وقيادة، أي على جميع القادة العسكريين الذين كانوا يوجهون هذه الحملات التحريرية، وعلى علمائهم الذين نشروا علم الإسلام وشريعته وأدوا أمانة العلم إلى من بعدهم بتجرد لا يعرف أولئك الحاقدون له مثيلاً في تاريخهم أو تاريخ غيرهم.

لقد حصل هذا كله وأثر أثراً بالغاً في تشتيت كلمة المسلمين ووهن قوتهم فيما بعد، وكان الظن أن يعي المخلصون المثقفون من المسلمين في هذا العصر هذه الدروس المؤلمة، ولكن الأسف أن كثيراً من هؤلاء لم يمسكوا القلم ليرفعوا أمتنا من حضيض الجهالة والتأخر، وليدفعوها إلى ميادين العلم والقوة والحضارة، بل أعادوها جذعة من جديد، فاقتصرت كل كتاباتهم وأقاصيصهم على تصوير الخلاف القديم بأسلوب يزيد في الفرقة، ويؤجج نار الضغائن، ويشمت أعداء الإسلام بنا، ويحقق لهم أهدافهم في منعنا من الالتقاء من جديد على الحب والخير والتعاون على البر والتقوى.

ولو سألت هؤلاء الذين يزيدون النار اشتعالاً، فيم هذا الجهد الضائع؟ وفيم هذه المساعي التي تلهي أمتنا عن بناء المجد من جديد وعن تحرير أوطانها من الاستعمار وآثاره، وتمكن الاستعمار الجديد أن يتمم رسالة الاستعمار القديم في إذلالها واستلاب خيراتها والحيلولة دون تجمعها ووحدتها؟ ولو سألتهم فيم هذا كله لما كان جوابهم إلا جواب واحد: إننا ندافع عن حق سلب من أصحابه!.. هل في تاريخ العالم كله أن أمة شغلت بنزاع بين أجدادها مضى منذ أربعة عشر قرناً وقد انتهوا إلى ذمة الله وهو وحده الذي يحكم بينهم فيما كانوا فيه يختلفون؟ هل في العالم اليوم أمة تحترم نفسها وتغار على كرامتها تشغل بخلاف عفى عليه الزمان عن أخطار محدقة بها من كل مكان؟

هذه بعض الأمثلة على يقظة أعدائنا وسهرهم على إحكام المؤامرات على أمتنا وشريعتنا وتاريخنا، وغفلتنا نحن عن ذلك كله، وانسياقنا مع الأهواء والعواطف التي يعرف أعداؤنا كيف يثيرونها في كل عصر بما يلائم روح العصر ومقتضيات مصالح أولئك الأعداء..

ترى، لم فاض تاريخ الإسلام بهذه الظاهرة المؤلمة: يقظة أعدائه ودأبهم على حبك المؤامرات لتهديمه، وغفلة أبنائه عن ذلك كله فلا يشعرون بالخطر إلا بعد أن يقع بهم فعلاً، وبعد أن تنهكهم الجهود في دفعه وتقليل أخطاره؟ أهو ناشئ من براءة الإسلام وخبث أعدائه؟ أم هو ناشئ من طبيعة الخير وطبيعة الشر في كل زمان؟ أم هي طبيعة العصور الماضية التي لم تكن تتقن وسائل اكتشاف المؤامرات والجرائم والخيانات؟ قد يكون من هذه الأمور كلها، فهلا آن الأوان لأن تقوم فينا مجامع ومؤسسات لتتبع آثار المؤامرات وأهدافها ووسائل تنفيذها، كما تقوم في كل دولة من دولنا الآن دوائر لتتبع آثار المؤامرات السياسية والعسكرية على أوطانها وشعوبها؟

إن استمرارنا في هذه الغفلة جريمة لا يغفرها الله، ولا يعذرنا فيها التاريخ، ولا يحترمنا معها الأحفاد، ولو أن دولة إسلامية خصصت عشر ميزانيتها لفضح هذه المؤامرات لكان أعظم شرف في تاريخ الإنسانية: شرف القضاء على الشر المتربص بالخير تربصاً يؤدي إلى شقاء الإنسانية ودمارها.
وهل لنا أن ننادي جميع عقلاء المسلمين ومفكريهم وكتابهم ـ ممن لا يتاجرون بالخلافات المذهبية ـ بأن يلتقوا من جديد على كلمة سواء: أن يدفنوا آثار الماضي كله، وأن يعملوا على ما يدفع عن أمتهم الأخطار المحدقة بهم من كل مكان، متعاونين بصدق وإخلاص، تعاون الذين لا تعرف الأهواء إلى قلوبهم سبيلاً، ولا الدسائس إلى عقولهم منفذاً، وأن يجعلوا قدوتهم محمداً صلى الله عليه وسلم، وهدفهم تخليص المسلمين من أوزارهم وأغلالهم، وتبليغ رسالة الإسلام ونشر هدايته ونوره في العالمين، حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله؟ اللهم إننا بلغنا فاشهد..
ـــــــــــــــــــــــــ
* (حضارة الإسلام) العدد التاسع.

Source: islamweb.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *