مجمع فقهاء الشريعة بأميركا مؤسسة علمية غير ربحية تتكون من مجموعة مختارة من فقهاء الأمة الاسلامية وعلمائها تسعى إلى بيان أحكام الشريعة فيما يعرض للمقيمين في أميركا من النوازل والاقضيات ، فكيف نشأ هذا المجمع؟ ومتى؟ وعلى أي شيء تدل كثرة المجامع الفقهية؟هل هي ظاهرة صحية أم وسيلة تؤدي الى التضارب والاختلاف؟ وما الفرق بين مجمع الفقه التابع لمنظمة المؤتمر الاسلامي ومجمع الفقه التابع لرابطة العالم الإسلامي ومجمع البحوث الاسلامية بالقاهرة ومجمع فقهاء الشريعة بأميركا وما هي أهداف المجمع الأخير؟ وما أوجه التميز فيه ؟بالاضافة الى سؤال الساعة وهو حكم التعامل في الأسهم.
وقد حملت الشبكة الإسلامية هذه الأسئلة وغيرها وتوجهت بها إلى فضيلة الأستاذ الدكتور علي السالوس لأن فضيلته بالإضافة إلى مشاركته في المجامع الفقهية المختلفة هو النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأميركا وقد كان هذا الحوار الذي أجراه محمد قطب القصاص:
**كيف جاءت فكرة إنشاء مجمع فقهاء الشريعة بأميركا ومتى ظهر للوجود؟***
يوجد في أميركا حسب كثير من الإحصاءات 10 ملايين مسلم ولعلهم يمثلون أغنى جالية اسلامية، فمستوى الدخل في أميركا مرتفع ،ثم كثير منهم في وظائف كبيرة أو أعمال خاصة تدر دخلا كبيرا لذلك لهم شركات وتجمعات إسلامية وفي كل عام نجد لهم عددا من المؤتمرات لبحث مسائل يهتم بها المسلمون هناك ولاحظت عند حضوري هناك لعدد من المؤتمرات أنه لا توجد جهة مختصة يمكن الرجوع إليها بحيث يطمئن إليها المسلمون جميعا وإنما هناك بعض الأشخاص يتعرضون للفتوى وبعضهم له جوانب علمية يطمئن إليها بعض الناس فيلجأون إليهم ،ولذلك منذ سنوات والفكرة نبعت هناك بأنهم يريدون جهة يثق فيها المسلمون بصفة عامة في أميركا تكون مرجعا لهم تدرس مشكلاتهم وتبين الحلول لها وتبين لهم ما يجوز، وما لا يجوز، وما لا يوجد ما البديل الاسلامي له وهكذا وتحدث معي أكثر من مرة عدد من هؤلاء بل جاء إلي أحدهم هنا في قطر وطلب مني أن أنظر في هذا الموضوع، كما إن بعض الهيئات هناك تكلمت معي في نفس الموضوع فوجدت فرصة في أحد المؤتمرات بنيويورك وعرضت الفكرة “فكرة إنشاء هيئة تكون مرجعا للمسلمين في أميركا وتبين الحلول الاسلامية للمسلمين فيما يعرض لهم”، فوجدت ترحيبا من العلماء المشاركين في المؤتمر بالفكرة وبعد انتهاء المؤتمر استمرت الاتصالات وجاء عدد منهم إلى القاهرة وتناقشنا في الموضوع وكيف يمكن أن يتم ، ووجدنا أن المشكلة الأساسية في تمويل هذا المجمع ونحن لا نريد أن نكون تبعا لدولة ولا لجهة إنما يكون المجمع حرا مستقلا ، فإحدى الجمعيات هناك عرضت بصفة مبدئية أن تتكفل بالمؤتمر الأول بعد تحديد أسماء الأعضاء والخبراء فشكرناها على هذا العرض الذي شجع على التفكير الجاد في الموضوع، وبدأت أعرض الفكرة على من أتوسم فيهم الخير فوجدت تشجيعا كبيرا ، وبفضل الله تعالى تم تمويل المؤتمر الأول من جهات مختلفة من بينها الجمعية التي أبدت استعدادها لكفالة المؤتمر الأول، وقد تباحثنا بالنسبة للأسماء وقبل هذا المؤتمر الذي عقد في واشنطن عقدنا مؤتمرا تمهيديا وكان في القاهرة حيث وجد عدد كبير خلال إحدى العطلات بالقاهرة مما ساعد على عقد المؤتمر التمهيدي وقد وضعنا تصورا في البداية بأنه يجب أن يكون المجمع متميزا ويكون مرجعا أعلى للمسلمين في أميركا لذلك رأينا ان تكون العضوية لمن لا تقل درجته عن أستاذ في الفقه والأصول، ثم يكون هناك خبراء لمن يقلون عن هذه الدرجة وفي التخصصات المختلفة وعندما جئنا إلى الواقع العملي وجدنا أن هذا يتحقق في عدد كبير ولكنه لا يتحقق في كل من نريد أن يكونوا أعضاء في المجمع، فتساهلنا في هذا الشرط لمن يقيم في أميركا وأوروبا لأن المقيمين هم الذين يعرفون طبيعة البلد والمشكلات التي لديهم، فاكتفينا بأن يكون معه دكتوراه في الشريعة وأن يكون ممن اشتهر بالعلم والأبحاث وغير ذلك ثم هناك أشخاص في العالم لهم مكانتهم وإن لم يكونوا أساتذة جامعيين، بعد ذلك وضعنا تصورا للأهداف التي يمكن أن يحققها المجمع واخترنا عددا ليكونوا أعضاء ثم أرسلت لهم وحددنا المؤتمر الأول في العام الماضي بواشنطن بعد أن سجل المجمع في الرابع من رمضان المبارك 1422 هـ وذلك بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر فهو هيئة خيرية غير ربحية هدفها البحث في النواحي الشرعية، في المؤتمر الأول عرضنا أسماء المرشحين وأضفنا أسماء وأقررنا من أقررنا بحيث يكون المؤتمر هو الذي أقر الأسماء واخترنا رئيسا للمجمع ونائبا أول ونائبا ثانيا وأمينا عاما ونائبا أول للأمين العام ونائبا ثانيا للأمين العام‚ ثم اخترنا عددا كبيرا من رؤساء المراكز الاسلامية في أميركا وأوروبا ليكونوا خبراء يدعون للاجتماع مع الأعضاء ويحضرون المناقشات ويبدون آراءهم ؛ فهم عين المجمع لكنهم عند اتخاذ القرارات لا يشتركون‚ فجلسة اتخاذ القرارات تكون مغلقة على الأعضاء فقط لانها دراسات ومناقشات فقهية.وتم بحمد الله هذا وبدأ المجمع مسيرته الآن وله موقع على الإنترنت وتأتيه أسئلة كثيرة من أنحاء أميركا.
**كيف تتحدد مواضيع البحث بالمجمع؟***
لم تكن هناك مواضيع للبحث من قبل لأنه كان المؤتمر التأسيسي الأول ولكن بعد المؤتمر شكلت لجان لبحث المواضيع التي تحتاج الى دراسة ولوضعها على لائحة المؤتمر القادم وإن شاء الله يكون قريبا.
**هل سيكون انعقاد المؤتمرات في أميركا باستمرار؟***
ليس بشرط أن تستمر المؤتمرات في أميركا، فالمؤتمر الأول كان في أميركا على اعتبار التأسيس وقد طلبنا أن تكون المؤتمرات التالية خارج أميركا ، والمجمع الآن له مركز في أميركا وقد أصبح عضوا في المنظمة العالمية للدعوة والإغاثة ؛ لذلك له فرع الآن في القاهرة وبدأ نشاطه وله مطبوعات وصلت إلى ستة كتب.
**كثرة المجامع هل تعد ظاهرة صحية أم ظاهرة تؤدي الى التضارب والاختلاف؟***
كثرة المجامع ظاهرة طيبة فالحاجة إلى إنشاء المجامع ملحة ونذكر هنا أن مجمع البحوث الاسلامية أنشىء سنة 1961 ليكون الهيئة العليا للبحوث الاسلامية ويقوم بالدراسة في كل ما يتصل بهذه البحوث ويعمل على تجديد الثقافة الاسلامية وتجريدها من الفضول والشوائب وتجليتها في جوهرها الأصيل الخالص وتوسيع نطاق العلم لكل مستوى وفي كل بيئة وبيان الرأي فيما يجد من مشكلات ، ومجمع الفقه لرابطة العالم الاسلامي قامت فكرته على تأسيس مجمع اسلامي يضم مجموعة من العلماء والفقهاء والمحققين من مختلف انحاء العالم الاسلامي لدراسة الشؤون الاسلامية الطارئة وحل المشكلات التي يواجهها الاسلام والمسلمون في أمور حياتهم ، أاما مجمع الفقه المنبثق عن منظمة المؤتمر الاسلامي فأعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة من فقهية وثقافية وعلمية واقتصادية‚ ويقوم بدراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهادا أصيلا فاعلا بهدف تقديم الحلول النابعة من التراث الاسلامي ، فالمجامع تبحث موضوعا واحدا وأحيانا تبحث في مجمعين فيكون تأكيدا وأحيانا يكتفي المجمع بما يصدره المجمع الآخر،إنما المجامع الثلاثة تهتم بأمور المسلمين بصفة عامة لكن هذا المجمع “فقهاء الشريعة” يهتم بأمور ومشكلات المسلمين في الغرب وفي أميركا بصفة خاصة ، وكانت الفكرة أساسا أن يكون مجمع فقهاء الشريعة في أميركا وأوروبا ثم وجدنا أن أوروبا فيها المجلس الأوروبي للإفتاءات فرأينا أن يكون في أميركا فقط على أن يكون بيننا وبين المجامع الأخرى تعاون ، ولذلك مجمع فقهاء الشريعة بأميركا يضم أعضاء من كل المجامع سواء من مجمع البحوث أو مجمع الفقه برابطة العالم الاسلامي أو مجمع الفقه بمنظمة المؤتمر الاسلامي والمجلس الأوروبي للافتاء حتى يكون هناك تعاون وتكامل وليس تنافرا وتضادا .
** هل من الممكن أن تفرق لنا فضيلتكم بين مجمع الرابطة ومجمع المنظمة؟***
مجمع المنظمة يمثل العالم الإسلامي كله ؛ولذلك فإن عدد الأعضاء أكثر من مجمع الرابطة لكن مجمع الرابطة العدد أقل بينما التخصص أكثر، ومجمع المنظمة بعدده الكبير أعطاه فرصة أن يكون لجانا متخصصة فعلى سبيل المثال لجنة الفتوى تتكون من 17 متخصصا ولو لم تكن إلا هذه اللجنة لقلنا : كفى بها عن الفتاوى الفردية، مجمع فقهاء الشريعة لجنة الفتوى فيه تتكون من سبعة ولها لجنة استشارية مكونة من سبعة أيضا.
**فضيلة الشيخ: هل نستطيع أن نقول باستقلالية مجمع الرابطة عن مجمع المنظمة؟***
علاقة مجمع الرابطة بمجمع المنظمة أنه يضم رئيس مجمع المنظمة والأمين العام لمجمع المنظمة ،فهما عضوان في مجمع الرابطة، فمجمع تابع لرابطة العالم الاسلامي ومجمع تابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي فكل مجمع له استقلالية تامة إنما هذا له منهج وهذا له منهج‚ فعلى سبيل المثال مجمع المنظمة لأن العدد كبير يصدر القرار بالأغلبية ولا يذكر من وافق ومن خالف ، أما مجمع الرابطة فله منهج لعلنا نطبقه في مجمع فقهاء الشريعة بأميركا وهو أن القرار يوقع عليه جميع الأعضاء ومن يعارض يكتب أنه يعارض أو يتحفظ ، وهناك من يوافق على جزء من القرار ويخالف في جزء آخر فيذكر هذا .
**قد يكون مستحيلا جمع العلماء على رأي واحد في مسألة خلافية ولكن هذا يشتت بعض الناس لذلك يقترح بعض المخلصين لو اجتمع العلماء في ندوة مثلا لبحث مسألة ما تشغل الناس ويخرج العلماء ببيان علمي مجرد يعرض آراءهم بدلا من الإثارة في العرض أو انفراد كل عالم وبالتالي تشتت الناس، ما رأي فضيلتكم؟***
أقول هذا بالنسبة للموضوعات التي لم تبحثها المجامع، لكن ما بحثته المجامع وانتهت فيه إلى رأي، فرأيُنا أن الاجتهاد الجماعي الأصل فيه أنه لا ينقض وإن جاز أن ينقض فلا ينقض إلا باجتهاد جماعي أكبر منه أو مثله على الاقل.
** وما هي أهداف المجمع الجديد (مجمع فقهاء الشريعة بأميركا)؟***
من أهداف المجمع إصدار الفتاوى فيما يعرض عليه من قضايا ونوازل لبيان حكم الشريعة فيها ، وكذلك وضع خطة لإعداد البحوث والدراسات الشرعية التي تتعلق بأوضاع المسلمين في المجتمع الأميركي وما يجد من المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية التي تواجههم في هذا المجتمع وبيان الحلول الفقهية المناسبة لها والاشراف على تنفيذها ، وأيضا دراسة وتحليل ما ينشر عن الإسلام والتراث الاسلامي في وسائل الإعلام وتقديمه للانتفاع بما فيه من رأي صحيح وتعقب ما فيه من أخطاء بالتصحيح والرد ، ومن الأهداف معاونة المؤسسات المالية الإسلامية بإعداد البحوث والدراسات وابتكار صيغ التمويل وعقود الاستثمار وتقديم ما تطلبه من الفتاوى والاستشارات ، وتدريب كوادرها على ذلك ، وإقامة دورات تدريبية لأئمة ومديري المراكز الاسلامية في مختلف المجالات الفقهية كقضايا الاسرة والقضايا المالية وقضايا التحكيم الشرعي وغيرها ، ومن الأهداف أيضا دعم التعاون بين المجمع والهيئات والمجامع الفقهية الأخرى للوصول إلى ما يشبه الاجماع الكوني على الملزم من قضايا الامة وثوابتها ، وكذلك معالجة قضية المواطنة وما تفرضه من حقوق وواجبات على المسلمين الذين يتمتعون بحق المواطنة في الغرب ، أيضا من الأهداف دعم أنشطة لجان التحكيم الشرعية التي تقيمها الجاليات الإسلامية في البلاد الغربية ومراجعة ما ترفعه إليه من قرارات وتوصيات وإعداد تقنين ميسر للأحكام الفقهية في أبواب الأسرة والمعاملات المالية يكون مرجعا لجهات التحكيم الناشئة في الغرب ، وكذلك من أهداف المجمع إنشاء صندوق الجمع للزكاة والتكافل الاجتماعي في حدود ما تسمح به القوانين والنظم والحصول على موافقة الجهات المختصة على ذلك.
**هل تتفضلون بالقاء الضوء على اوجه التميز في هذا المجمع؟***
من أوجه التميز في المجمع :
أولا: التخصص في أعضائه ، فالأصل في العضو أن يكون أستاذا في الفقه والأصول أو على الأقل من حملة الدكتوراه في الشريعة.
ثانيا: الحيادية ، فهذا المجمع ملك للأمة ومشترك علمي عام يلتقي عليه العاملون لدين الله تعالى في مشرق أو في مغرب بعيدا عن التكتلات الحزبية أو التجمعات التنظيمية المعاصرة.
ثالثا: الجمع بين العلم بالشرع والدراية بالواقع ، فبالاضافة إلى الفقهاء يوجد بالمجمع عدد من الخبراء لا يقل عددهم عن الفقهاء‚ وهؤلاء يمكنون الفقهاء من الرؤية المستبصرة والفاحصة للواقع الذي تُطبق فيه الفتوى ؛لأن الفتوى -كما يقول اهل العلم- معرفة الواجب في الواقع ، أيضا توجد لجنة دائمة للإفتاء لمجمع تتكون من سبعة من الاعضاء من حملة الدكتوراه في الشريعة وهي مقيمة داخل الولايات المتحدة وتتولى الرد على القضايا اليومية التي ترد الى المجمع وتصدر قرارها في ذلك بالأغلبية ، كذلك توجد لجنة لمستشاري الإفتاء تتكون من ثمانية من كبار أهل الفتوى في الأمة ترجع إليها اللجنة الدائمة عند الاقتضاء ، أيضا من أوجه التميز: وجود صلة وثيقة بين هذا المجمع وبين ما سبقه من المجامع ؛ فالاصل هو التنسيق والتكامل وليس المنافسة أو التنافر أو التضاد ، فالمجمع يقدم قوة إضافية للجهود القائمة تنسيقا بينها وجمعا لشتاتها وتجسيدا للصلة بينها وبين فقهاء الأمة عبر العالم.
**وكيف يفتي لأميركا من ليس له اتصال بالواقع الأميركي؟***
لقد أجيب على هذه النقطة من قبل ، فقد أخذ المجمع على عاتقه منذ اللحظة الاولى أن يجمع القائمون على الفتوى بين العلم بالشرع والدراية بالواقع لأن الفتوى -كما يقول اهل العلم- معرفة الواجب في الواقع ، ويتحقق ذلك من خلال ما سبقت الإشارة إليه من وجود عدد من الخبراء بالمجمع لا يقلون عن عدد الأعضاء وهؤلاء هم عيون المجمع التي بها يرى الواقع ويحيط من خلالهم خبرا بمختلف جوانبه.
**وكيف يفتي المجمع في نوازل المجتمع الأميركي مع تفرق أعضائه عبر العالم؟***
توجد بالمجمع لجنة دائمة للإفتاء وهي مقيمة داخل الولايات المتحدة الأميركية وتتولى الرد على القضايا اليومية التي ترد إلى المجمع وتصدر قرارا في ذلك بالأغلبية فإن أشكل عليها أمر رفعته إلى مستشاري الإفتاء وهم وإن كانوا متفرقين في بلدان عديدة ولكن ذلك يتم من خلال “الإيميل” وموقع المجمع على شبكة المعلومات الدولية (الانترنت).
**أثيرت قضية التعامل في الأسهم مؤخرا فهل من كلمة تنتفع بها الأمة في هذا الباب؟***
هذا السؤال في الواقع يشغل الكثيرين وهو حكم التعامل في الأسهم، وأحب في البداية أن أنبه إلى أن هذا الموضوع قد بحث في ثلاثة مؤتمرات، ففي الدورة السابعة المنعقدة في سنة 1404 هـ نظر مجلس المجمع الفقهي الاسلامي (التابع لرابطة العالم الاسلامي) في موضوع سوق الاوراق المالية والبضائع (البورصة) وما يعقد فيها من عقود بيعا وشراء على العملات الورقية وأسهم الشركات وسندات القروض التجارية والحكومية والبضائع وما كان من هذه العقود على معجل وما كان منها على مؤجل، وكان من ضمن قرارات هذه الدورة أن العقود العاجلة على أسهم الشركات والمؤسسات حين تكون تلك الاسهم في ملك البائع جائزة شرعا ما لم تكن تلك الشركات أو المؤسسات موضوع تعاملها محرم شرعا كشركات البنوك الربوية وشركات الخمور فحينئذ يحرم التعاقد في أسهمها بيعا وشراء،وعندما بحث مجلس مجمع الفقه الاسلامي في دورة مؤتمره السابع الذي عقد في ذي القعدة 1412 هـ لنفس الموضوع وقدمت بحوث بخصوص نفس موضوع (الاسواق المالية) (الاسهم‚ الاختيارات‚ السلع‚ بطاقة الائتمان) وقرر المجمع أن الأصل حرمة الإسهام في شركات تتعامل أحيانا بالمحرمات كالربا ونحوه بالرغم من أن أنشطتها الأساسية مشروعة ، ثم بين حكم محل العقد في بيع السهم وقال :إن المحل المتعاقد عليه في بيع السهم هو الحصة الشائعة من أصول الشركة ، وشهادة السهم عبارة عن وثيقة للحق في تلك الحصة، وفي شعبان 1415هـ رأى مجمع الفقه بالرابطة أن يبحث موضوع الأسهم بحثا مستقلا وعلى الأخص إذا كان في بعض معاملاتها ربا ، وجاء في القرار ما يلي:
بما أن الأصل في المعاملات الحل والاباحة فإن تأسيس شركة مساهمة ذات أغراض وأنشطة مباحة أمر جائز شرعا .
لا خلاف في حرمة الإسهام في شركات غرضها الأساسي محرم كالتعامل بالربا أو تصنيع المحرمات أو المتاجرة فيها.
لا يجوز لمسلم شراء أسهم الشركات والمصارف إذا كان في بعض معاملاتها ربا وكان المشتري عالما بذلك .
إذا اشترى شخص وهو لا يعلم أن الشركة تتعامل بالربا ثم علم فالواجب عليه الخروج منها ،والتحريم في ذلك واضح لعموم الأدلة من الكتاب والسنة في تحريم الربا ؛ ولأن شراء أسهم الشركات التي تتعامل بالربا مع علم المشتري بذلك يعني اشتراك المشتري نفسه في التعامل بالربا ؛ لأن السهم يمثل جزءا شائعا من رأس مال الشركة والمساهم يملك حصة شائعة في موجودات الشركة فكل مال تقرضه الشركة بفائدة أو تقترضه بفائدة فللمساهم نصيب منه لأن الذين يباشرون الاقراض والاقتراض بالفائدة يقومون بهذا العمل نيابة عنه والتوكيل بعمل المحرم لا يجوز.
**مشكلة الفرد المسلم العادي أنه لا يستطيع التعامل مع الاختلاف الذي يحدث بين العلماء فما هي نصيحتكم؟***
هناك خلافات مجمعية وهناك خلافات فردية، الخلافات المجمعية لا نكاد نجدها ، فعلى سبيل المثال:مجمع الفقه بالرابطة بحث موضوع طفل الأنابيب وكان من قراره أن المتزوج أكثر من زوجة يجوز أن تكون البويضة في رحم الضرة ،أما مجمع الفقه للمنظمة فقد بحث الموضوع وانتهى إلى أن ذلك لا يجوز ، فعاد مجمع الرابطة وبحث الموضوع ونظر فيما انتهى إليه مجمع المنظمة فقرر فعلا العدول عن قراره السابق إلى قرار مجمع المنظمة ، ففي مجمع الرابطة والمنظمة لا نكاد نجد تعارضا، أما بالنسبة للافراد فالاختلافات كثيرة ، والأصل أن الاجتهاد الجماعي لا ينقض وإن جاز أن ينقض فلا ينقض إلا باجتهاد جماعي أكبر منه أو مثله على الأقل ، ولذلك تلاحظ أنني لا اقول : قال فلان أو قلت ، وإنما أقول : أفتت المجامع الفقهية بكذا وكذا ، ولهذا لو خالف المجمع رأيي وسألني أحد فإنني أجيبه برأي المجمع وليس برأيي .
**اسمح لي فضيلتك أن أسأل هنا سؤالا هل هو من باب الورع أنك لا تفتي برأيك أو تقوية لفتوى تنسبها للمجامع؟***
هي قوة الفتوى لأنه كما تبين الهدف من إنشاء المجامع فإنه لا يستطيع أن يقوم بهذا فرد ، فالمجمع مثلا عندما يبحث في طفل الانابيب يقوم بمراسلة الأعضاء والخبراء قبل المؤتمر بفترة ثم يشترك مع المجمع خبراء في الطب ، وعندما بحث في رؤية الهلال دعا عددا من رجال الفلك ، ولما بحث موضوع البنوك دعا عددا من الاقتصاديين والخبراء في البنوك …وهكذا ؛ لأن هذا هو فهم الواقع ثم الموضوع يناقش في الجلسة مناقشة علنية فإذا انتهى المؤتمر إلى رأي صدر القرار وإن لم ينته يؤجل ، وهناك قرارات أجلت عدة مرات وعلى سبيل المثال بطاقة الائتمان: مجمع المنظمة بحثها في أربعة مؤتمرات خلال تسع سنوات إلى أن صدر قرار المجمع الأخير ، فجهد المجمع بهذا الشكل لا يكون كالفرد مهما كانت قدرات الفرد فهي محدودة وعلمه محدود وهو لا يستطيع أن يلم بكل الأشياء ، فالفقيه ليس طبيبا والطبيب ليس فقيها والفلكي ليس طبيبا ولا فقيها وهكذا فالمجامع الفقهية إذن طريقتها في البحث والمناقشة وصدور القرار هي الأولى بالاتباع.
**نلاحظ تأجيل بعض المواضيع في مجالس المجامع لماذا ؟ هل بسبب ضغوط هل زيادة تحر وتدقيق او عدم توافر بحوث؟***
ضغوط على المجامع أمرلم نلمسه إنما قد يكون وجهة نظر للمجتمعين وليس من باب الضغط ولذلك لعلك تلاحظ في مجمع فقهاء الشريعة ألا يتبع دولة ولا جهة، وغالبا في المجامع أن يكون التأجيل لزيادة البحث ، فمثلا مجمع المنظمة وهو يبحث صكوك المقارضة بحثه في مؤتمر وأجل إصدار القرار ثم قرر عرضه على ندوة خاصة ثم عرض هذا على المجمع مرة أخرى.
أخيرا فضيلة الشيخ لا يسعنا إلا أن نشكركم على إتاحة الفرصة والتكرم بالإجابة على أسئلتنا سائلين الله أن يجزيكم خيرا وأن يبارك في عمركم وعلمكم وعملكم.