محادثة بوتين وماكرون حول الأزمة الأوكرانية.. هل تفضي لانفراجة اللحظة الأخيرة؟

أجرى الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون مكالمة، في محاولة -على ما يبدو- للإبقاء على هامش التسوية السياسية للأزمة حول أوكرانيا، ومنع تحولها إلى صدام مباشر بين روسيا والغرب.
Russian President Vladimir Putin meets with French President Emmanuel Macron in Moscow
بوتين (يمين) أكد في اتصال هاتفي مع ماكرون أن استفزازات القوات الأوكرانية هي من تقف وراء تصعيد الموقف في دونباس (رويترز)

موسكو– وسط استمرار التصعيد العسكري وتدهور الأوضاع على خطوط التماس في دونباس، وحديث غربي عن احتمال اندلاع شرارة حرب روسية أوكرانية في أي لحظة هناك جاءت المكالمة الهاتفية بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، في محاولة -على ما يبدو- للإبقاء على هامش التسوية السياسية للأزمة حول أوكرانيا، ومنع تحولها إلى صدام مباشر بين روسيا والغرب.

من حيث الشكل، جاءت المباحثات بين الجانبين بمبادرة من الجانب الفرنسي، وليس واضحا بعد فيما إذا كانت المبادرة تحمل في طياتها رسائل أميركية أوروبية، إلا أن ما تمخض عنها من اتفاق قد يشكل “امتحان ربع الساعة الأخيرة” لمدى استعداد الأطراف المعنية لوقف التصعيد وإتاحة المجال أمام الحل السياسي.

بيان الكرملين حول نتائج المباحثات أشار إلى تأكيد الرئيس بوتين في حديثه مع ماكرون أن “استفزازات القوات الأوكرانية هي من تقف وراء تصعيد الموقف في دونباس”، و”ترفض بعناد تنفيذ اتفاقيات مينسك والاتفاقيات التي تم التوصل إليها بصيغة النورماندي”.

كما كشف عن أن الرئيسين اتفقا على استئناف العمل بصيغة النورماندي، وعلى عقد اجتماع خلال الساعات القليلة المقبلة لمجموعة الاتصال الثلاثية في ما يتعلق بتفاقم الوضع في دونباس.

وفيما يبدو استشعارا بخطورة الوضع الراهن تم الاتفاق على تكثيف البحث عن حلول بالوسائل الدبلوماسية من خلال وزارات الخارجية والمستشارين السياسيين لقادة الدول المشاركة في صيغة النورماندي.

كما أوضح البيان أن بوتين “أكد على ضرورة أن تأخذ الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي مطالب روسيا بضمانات أمنية على محمل الجد، وأن يستجيبا لها بشكل ملموس وفي صلب الموضوع”.

من جهته، تحدث بيان الإليزيه عن خطة فرنسا لعقد اجتماع “رفيع المستوى لتحديد نظام جديد للسلام والأمن في أوروبا”، وهي عبارة تصدر لأول مرة عن دولة أوروبية في ظروف التدهور الحالي للعلاقات بين روسيا والغرب، ولا سيما على ضوء رد الولايات المتحدة على مطالب روسيا بخصوص الضمانات الأمنية، والذي رفضته موسكو.

انهيار النبوءة الأميركية

وتصاعد الموقف على خط المواجهة في دونباس بشكل كبير في الأيام الأخيرة، وأعلنت الجمهوريتان غير المعترف بهما عن قصف عنيف من قبل القوات الأوكرانية -بما في ذلك بالأسلحة الثقيلة- تبعه إعلان عن تعبئة عامة وإجلاء للسكان المدنيين الى داخل الأراضي الروسية، فيما يواصل الجانب الروسي التأكيد على أن وقف التصعيد في دونباس لا يعتمد على أفعاله.

يأتي ذلك فيما انقضى يوم 20 فبراير/شباط الجاري دون حصول اجتياح روسي لأوكرانيا كما كررت ذلك مرارا وتكرارا الإدارة الأميركية رغم أن موسكو جددت تأكيدها -في ردها على الجواب الأميركي بخصوص الضمانات الأمنية- أنها لا تنوي مطلقا غزو أوكرانيا.

خطاب واحد ومصالح متضاربة

يميل مراقبون روس إلى الاعتقاد بأن وحدة الخطاب الأوروبي الأميركي التي تجلت في قمة ميونخ الدولية للأمن مؤخرا لا تعني انسجاما كاملا في المواقف الأوروبية، والتي عادة ما يتجنب الحلف الغربي الحديث عنها.

وفي هذا السياق، أشار رئيس المركز الدولي للتحليل السياسي والتنبؤ دينيس كوركودينوف -في حديث للجزيرة نت- إلى أن فرنسا وألمانيا تتميزان بتفهمهما ضمنيا وبالحد الأدنى لضرورة مراعاة الهواجس الأمنية لروسيا.

فألمانيا -خلافا لواشنطن ولندن- رفضت إرسال أسلحة إلى أوكرانيا، بل منعت إستونيا من إعادة تصدير الأسلحة الألمانية إلى هناك، ومنعت الطائرات البريطانية المحملة بالأسلحة إلى أوكرانيا من العبور من خلال أجوائها، وهو ما انتقدته كييف علنا.

وعلاوة على ذلك، تؤيد برلين إحياء صيغة النورماندي محادثات السلام التي تعتبر شريكا فيها إلى جانب روسيا وفرنسا وأوكرانيا، كما أنها لا تعتبر الأخيرة ساحة دفاع أمامية عن أوروبا.

ويؤكد كوركودينوف أن ألمانيا اتخذت خيارا لصالح مصالحها الخاصة، وذلك على ضوء التنافس الروسي الأميركي، وهو ما تحدثت عنه صراحة وسائل إعلام أميركية وأزعج واشنطن.

وبالحديث عن فرنسا، يشير إلى أن لباريس وواشنطن مصالح مختلفة في العلاقات مع روسيا، ومبادرة ماكرون في الاتصال مع بوتين في ذروة الحملة الإعلامية الأميركية لترهيب أوكرانيا والعالم بتواريخ غزو روسي مزعوم تعبر عن رغبة الرئيس الفرنسي في إجراء حوار مستقل مع موسكو.

U.S. President Biden holds joint news conference with Germany's Chancellor Scholz in Washington
يرى مراقبون أن ألمانيا تراعي مصالحها الخاصة على ضوء التنافس الروسي الأميركي وهو ما أزعج واشنطن (رويترز)

تباينات وراء الكواليس

أعاد المتحدث إلى الأذهان تصريحات ماكرون -بعد لقائه مع بوتين في صيف العام 2019 في بريغانسون- بأن لباريس وشركائها مصالح مختلفة في ما يتعلق بموسكو، في إشارة إلى واشنطن، متابعا أن التصريحات العلنية لا تعكس ما راء الكواليس من تباينات، بما فيها ما يخص الأزمة حول أوكرانيا.

ويؤكد أن باريس وبرلين لن تذهبا بعيدا في مغامرة تجاهل الخطوط الحمراء لروسيا، ولن تسقطا في فخ إسقاط أوروبا ووضعها بالكامل تحت رحمة المصالح الأميركية التي بدأ يتكشف تعارضها، وكذلك تجاهلها مصالح حلفائها، مما يبقي الأبواب مفتوحة أمام تحرك أوروبي يمنع اندلاع حرب لن تكون القارة العجوز محصنة ضدها.

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *