فؤاد البطاينة
لو تفحصنا جروح الصراعات على أرض سوريا والمنطقة العربية بشقيها السياسي والعسكري لتلمسنا اثنين رئيسين. الأول، أن قضية احتلال فلسطين أو تحريرها وكذا الجولان ليس في وارد أي طرف من الأطراف الدولية المشاركة في هذه الصراعات ولا هو سبب لتدخل أي منها، وأن اغرضها لا تتعدى الإستخدام السياسي أو حماية المصالح أو الحصول على غنائم سائبة. وكلها تحرص على عدم الصدام مع “إسرائيل” رغم انخراطها بالصراع تحت عباءة أمريكا وروسيا ورغم هاجسها في أن ينتهي الصراع بخروجها سيداً على منطقة عربية هامدة وإقليم راضخ لها.
الثاني، أن كل هذه الأطراف المنخرطة بالهجمة على أقطارنا ومنطقتنا العربية ما كان لها أن تفعل ذلك لولا انهيار المنظومة العربية الرسمية بدولها سياسا واقتصاديا وعسكريا وقيمياً على أيدي حكام مأجورين ارتموا فريسة بيد الصهيو أمريكي وأصبح مصير سلطتهم وربما حياتهم بيده رهن أدائهم لدورهم الخياني المطلوب. وما كان لهذا بدوره أن يحدث لولا فشل شعوبنا في مواجهة تحدي صعوبات فرض النظام الديمقراطي الممأسس، مما أفقدها سلطتها، وأسقط جيوشها أدوات بأيديهم بعد اختراقها وإعادة هيكلتها تدريجياً وتغيير عقيدتها لتُستخدم ضد الوطن والشعب.
ففي إطار هذا الواقع العربي المتهاوي، وأمام تعرضنا كشعوب لحرب مستمرة علينا وعلى أوطاننا بلا هدنة، أصبحنا في ظرف له أولوياته. فلا انخراط في بناء ديمقراطيات ممكناً أو أولوية، ولا انتظار لدولة غير عربية تُحرر لنا فلسطين كي تخرج أقطارنا من دائرة الإستهداف، وليس أمامنا دولة عربية متشافية أو لها فرصة بناء تحالفات استراتيجية نظيفة تؤمن بزوال الإحتلال لتكون مثل هذه الدولة ملجأ لأحرار العرب واحتضان مشروع الحقبة. فما هو الحل ضمن ظروفنا والظرف الدولي وقوانينه؟
وبهذا أقول بأن الحاكم العربي، والسياسي النخبوي، والمفكر العتيد، مخطئون إذا لم يؤمنوا بأن لا حل ناجز يُفضي لمشروع تحرري وتحريري ثم نهضوي سوى الحل العربي. ولا طريق للتحرير تاريخيا وشرعياً ومنطقياً سوى استراتيجية المقاومة الشعبية المسلحة. فهي وحدها التي توقف الغطرسة وتقلب الموازين وتدوس على التفوق العسكري والعلمي والمالي. ولا تحرُّك ودعم إسلامي أو دولي لقضيتنا ما لم نبدأ كعرب بالمشروع المقاوم بأنفسنا. فإن كانت قضية فلسطين واحتلالها يتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي الممثل بالأمم المتحدة بالإضافة الى الحكام العرب المتآمرين منهم والصامتين، فإن من يتحمل مسؤولية تحريرها هي شعوبنا العربية بقيادة طلائعها.
لا مقاومة بلا طليعة ولا طليعة إلّا من سكان ألأرض المحتلة. وأمامنا الإحتلال المكشوف والمعلن في فلسطين وسورية (الجولان)، وهناك احتلالات قائمة دون إعلان في كل أسيا العربية. السؤال الغاضب هنا موجه لقيادة سورية ولأحرار فلسطين، لماذا لا نشهد التلاقي بين المقاومين، ولماذا نشهد بدلاً من ذلك تلاقياً يتنامى باتجاه جر دمشق وغزة للحاضنة العربية المُطبعة بالذات؟ من سيدجن الأخر؟ وعلى ماذا ستلتقي دمشق وغزة مع السعودية والإمارات وإرث بريمر ومع وكلاء أمريكا والصهيونية في المنطقة. نحن مع وحدة الشعوب العربية وفتح أو تحطيم الحدود بين الأراضي العربية وانسياب الأشخاص والبضائع على أن يكون هذا بمعزل عن الغزل المحرم وزواج المحارم، وبمعزل عن التطبيع السياسي ففي فلسطين حياة العرب أو موتهم. دعونا نكون واضحين، التطبيع السياسي لأي نظام عربي مع شقيق مُطبع هو تدجين سياسي ولن تكون خيانة فلسطين الوطن المقدس وجهة نظر. وإن حصل فلن يُعيد ذرة تراب من الجولان أو فلسطين وسيأتي على كل الوطن العربي والإقليم.
لماذا لا نشهد دمشق تتبني مقاومتها في مكانها، ولماذا لا تستقطب لا هي ولا غيرها من أقطارنا التي تدعي بعروبتها وبحريتها، الطليعة الفلسطينية وتصبح حاضنة لمشروع المقاومة العربية والتحرير مثلاً ؟ نريد جواباً لا تطنيشاً. إن لوم أو لعن أي قوة دولية تتواجد على الأرض السورية هو لوم فاسد ولعنٌ أفسد طالما لا يوجد مقاومة شعبية سورية عربية مسلحة. فلو كانت هذه المقاومة المشروعة موجودة منذ احتلال الجولان لما ترسخ احتلاله ولما ضُم، ولمَا سمعنا اليوم كلام رئيس وزراء الكيان المحتل الأخير عن الجولان. إنه كلام لا يكون الرد عليه إلّا ببناء وانطلاقة مقاومة سورية شعبية نحو الجولان وكل شبر محتل من الأرض السورية.
كل قوة أجنبية على الأرض السورية وحش قلبه على معدته ما لم تكن قوة رافضة ً رفضاً واعياً واستراتيجياً للوجود الصهيوني في فلسطين ولمشروعه في المنطقة. وكل نظام دولي يؤمن بدولة اسمها إسرائيل أو يعنيه وجودها لا يمكن أن يكون حليفاً استراتيجياً للعرب. ولا تحالف نظيف مع سورية ما لم يكن أولاً مع الأرض السورية والشعب السوري في الإطار العربي. وبالمقابل كل لوم لكيان الإحتلال أو لدولة مطبعة من قبل مقاوم فلسطيني يبقى ً لوماً فاسداً إلى أن تُكنس سلطة أوسلو وأجهزتها ورجالها أولاً، ويعاد الميثاق بنسخته الأصلية وتعود منظمة التحرير مقاوِمة تحريرية تمثل ضمير الشعب الفلسطيني
نأتي لمحور المقاومة القائم، فنحن ندعمه ونحرص عليه، إلا أن هناك فرقاً بين المقاومة الردعية الدفاعية وبين المقاومة التحريرية. محور المقاومة ما زال يقوم على مبدأ الدفاع وردات الفعل الخجولة. وتنقصه المأسسة الجماعية في اتخاذ القرار وتنقصه الإستراتيجية التحريرية. بينما محور الإحتلال والإخضاع والتطبيع قائم على الهجوم ووضوح الهدف. والنتيجة هي تآكل الأقطار العربية وترسيخ الإحتلال الصهيوني لفلسطين وتمدده لبقية الأقطار بأشكال مختلفة. فلا بد من مراجعة لهيكلة واستراتيجية محور المقاومة لتصبح هجومية تَقضم الإحتلال وتجعله في حالة دفاع حتى يركع.
وبهذا فإننا نجامل على حساب الحقيقة والحق إن لم نقل بأن روسيا ضامنه للكيان الإسرائيلي وأمنِه واحتلاله، وبأن التحالفات المقاومة على أرض سورية هي مجرد توافقات الحد الأدنى، فيها قامع ومقموع في القرار.، وهناك خشية من دور روسي تقايضي باتجاه الدفع نحو محور التطبيع. المقاومة مرتبطة بالإحتلال والتحرير. ومهما تعددت أشكالها وأسبابها وغاياتها تبقى في لأصل وليدة الإحتلال، وأرضنا هي المحتلة، ولا منطق في أن لا تكون طليعتها عربية ويكون قرارها الزماني والمكاني عربياً وعلى مقاس الشعب العربي وطليعته الفلسطينية. فنحن العرب في مواجهة قوة عاتية هي أمريكا ولا مصلحة في المحصلة لدولة ما في معادتها والصمود بوجهها غير العربي صاحب الأرض المحتلة والقضية التي لا تخضع للتفاوض. وروسيا ستكون أول المدافعين عن وجود الإحتلال الصهيوني لفلسطين لأسباب عميقة
وفي الختام، إن صمت الجيل العربي في كل أقطاره وأخذه دور المشاهد تحت أي سبب وذريعة، يرقى للخيانة. وإن تنصله من المسؤولية، وتركها للأجيال القادمة كفرٌ واستسلام وخيانة، ولعل أضعف الإيمان أن يرفض هذا الجيل بالصوت والصورة وينتفض بوجه كل حاكم عربي مطبع بأي شكل كان أو متواطئ مع الإحتلال الصهيوني لفلسطين مفرخة الإحتلالات.
كاتب وباحث عربي
Source: Raialyoum.com