سلامة الدرعاوي
رغم أن خطة الدولة الماليّة تأتي ضمن قانون يقرّه مجلس الأمة بغرفتيه الأعيان والنوّاب حسب الأصول الدستورية، مما يستوجب الالتزام الكامل بتنفيذ بنوده، إلا انه ومع نهاية العام ومع إقرار الحسابات الختامية للخزينة، تظهر المخالفات الفادحة في ميزانية الدولة، يتمثل أبرزها في نموّ النفقات وارتفاع العجز والمديونية، وفي بعض الفترات عدم تحقيق المؤشرات الماليّة الرئيسة فيها خاصة فيما يتعلق بالإيرادات العامة سواء الداخليّة ام الخارجيّة.
الأسباب التي تدفع لمخالفة قانون الموازنة لا يمكن أبداً تبريرها، فهي تبقى مخالفة لقانون وجب تنفيذه حرفيا، ويستوجب المساءلة القانونية من خلال الجهات الدستورية وهي مجلس النوّاب في محاسبة كُلّ من خالف القانون المالي للدولة.
لكن طالما ان المُنفذّ للقانون هو الحكومة، والمراقب هو مجلس النوّاب، فإن هناك تواطؤا رسميا لتلك المخالفات، وهو ما يستوجب إعادة النظر في أسلوب تعاطي السلطتين مع قانون الموازنة العامة.
أسباب مخالفة قانون الموازنة العامة متعددة وأشكالها مختلفة، لكن بإمكاننا حصرها بالأسباب التالية:
1 – عدم قدوم المساعدات الخارجيّة وعدم تحصيل الإيرادات المحليّة الضريبيّة وغير الضريبية بالشكل المقدر في قانون الموازنة، والذي قد يكون سببه إما سوء التقدير وعدم التحوط لدى قراءة الأرقام الماليّة والاوضاع الاقتصاديّة، او نتيجة ظروف سياسية واقتصادية خارجية وداخلية طارئة أحدثت خللا في تدفق تلك الإيرادات.
2 – مخالفة الوزراء لخطط وزاراتهم بطلبات ومستحقات ماليّة خارج إطار ما خصص لهم في قانون الموازنة العامة، وهذا ناتج اما رغبة بتنفيذ شيء جديد في مشاريع وزارتهم، او نتيجة أيضا سوء التخطيط الرأسمالي في تلك الوزارة، وهذه التجاوزات لا يمكن ان تمر على مجلس الوزراء الا اذا لقيت دعما مباشرا من رئيس الوزراء للضغط على وزير الماليّة لتمرير تلك الطلبات، وبالتالي يكون رئيس الوزراء ووزير الماليّة متواطئان في مخالفة القانون.
3 – أسباب سياسيّة امنية تتطلب تحركا ماليا طارئا لمعالجتها كما حدث وقت الربيع العربي الذي كلف الخزينة في ذلك الوقت ما يزيد على 480 مليون دينار كإجراءات وتدابير سريعة لاحتواء استياء الشّارع وحراكه.
4 – ظروف دوليّة استثنائية فرضت واقعا اقتصاديّا جديدا، أثرت على شكل الاقتصاد وديناميكيته، مما انعكس في النموّ الاقتصاديّ بشكل عام، والتحصيلات الماليّة للخزينة بشكل خاص، وهذه ظروف خارجة عن إطار قدرة الحكومات في مواجهتها، بل قد تكون خارج قدرة دول العالم في احتوائها كما هو الحال في كورونا التي تركت تداعيات عميقة في الاقتصاد العالمي وعطلت حركة الإنتاج في مختلف القطاعات، وساهمت سلبا في إحداث حالة انكماش في غالبية اقتصاديات دول العام ومنها الاقتصاد الأردنيّ الذي حقق نموا سالبا لأول مرة في العام 2020 بلغت نسبته 1.6 %.
5 – مطالبات نيابية ضاغطة على الحكومات في إطار صفقات سياسية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية خاصة وقت منح الثقة للحكومات من قبل السادة النوّاب الذين يمطرون الحكومات بسيل كبير من الطلبات المناطقية والخدمية التي تكون نتيجتها في حال استجابة رئيس الوزراء وخضوعه لها مزيدا من الإنفاق الطارئ الذي يستوجب إصدار ملاحق قانون موازنة لتغطيتها دستوريّاً، وهذه الطلبات في العادة تكون بالتعيينات وخدمات بنية تحتية وغيرها من الطلبات الخدمية التي اعتاد النوّاب على فرضها بكافة الأشكال على الحكومات.
بالنسبة لما حدث في غالبية مخالفات قانون الموازنة العامة خلال السنوات الماضية كانت غالبيتها رضوخ الحكومات لطلبات النوّاب إضافة إلى سوء تقدير الحكومات لأرقام الموازنة وعدم التحوط، والفشل الرسمي في إدارة الاقتصاد بالشكل المنصوص والمحدد في قانون الموازنة، إضافة لضعف المتابعة والمساءلة والرقابة النيابية على قانون الدولة المالي، لذلك لا بد من معالجة الاختلالات والتشوّهات السابقة في سلوكيات السلطات إتجاه الموازنة العامة وتأطيرها مؤسسيا يضمن الالتزام بتنفيذها ومحاسبة المقصرين والمخالفين لها إذا ما أريد اصلاح حقيقي للاقتصاد، وفي النهاية يبقى وزير المالية ومن خلفه رئيس الوزراء هما الشخصان الوحيدان المسؤولان مسؤلية قانونية وشخصية عن تنفيذ الموازنة بالشكل الصحيح او مخالفتها.