مرافعات من أجل التشكيلي المغربي
[wpcc-script type=”a80147f5f2deaf59e85ebd06-text/javascript”]

الرباط ـ «القدس العربي»: ينهض التشكيل بأدوار طلائعية في معانقة الحداثة الجمالية، والارتقاء بثقافة العين، وتجسيد الوعي الإبداعي. وفي هذا الإطار، عمل الفنانون التشكيليون المغاربة على مراكمة تجارب فنية متميزة، وانعطافات مشهودة على صعيد الأساليب والتعبيرات والإبدالات الجمالية، ما أفضى إلى تحولات بالغة في قيم الجمال وفي صور التعبير عنه وتلقيه وتذوقه.
وجاء الكتاب الذي أصدرته «النقابة المغربية للفنانين التشكيليين المحترفين»، ليعكس جوانب مهمة من انشغالات الفنانين التشكيليين المغاربة، على مستوى حقوق الفنان الأساسية، والحقوق المجاورة، وأيضا على مستوى الخبرة والتسويق، وثالثا على مستوى بيداغوجيا التعليم الفني؛ علما بأن هذه القضايا شكّلت محاور ورش «المناظرة الوطنية الأولى، حول وضعية الفنون التشكيلية في المغرب»، التي نظمتها النقابة المذكورة في مدينة الرباط، بالتعاون مع وزارة الثقافة المغربية.
خلصت الورشة الأولى إلى مجموعة من التوصيات المهمة من بينها، التأكيد على أن الفنان التشكيلي يمتلك حق المبدع، أو حق المؤلف، أي حق الملكية الأدبية والفنية لمنتجه الإبداعي؛ واعتبار أن التشكيلي يمتلك حقا معنويا ورمزيا غير قابل للانتهاك، يقضي بالإقرار بملكيته لعمله، وحريته في التصرف فيه، ويتمثل هذا الحق بدوره في جملة من الحقوق المترتبة عنه، التي يتعين تفعيلها، من بينها: حق إذاعة وترويج منجزه في المكان والزمان والشروط التي يختارها أو يوافق عليها، وحق احترام العمل في روحه وكليته، ضد كل امتهان أو استعمال مسفّ أو مخلّ بقيمته الجمالية، وضد كل تحريف أو تزييف أو اجتزاء أو بتر، وكل ما من شأنه المساس به في كليته ووحدته الفنية، وحق التنقل بعمله خارج الحدود الجمركية والجغرافية، قصد عرضه في قاعات أجنبية وترويجه على صعيد دولي.
وأكدت الورشة على أن الفنان يمتلك حقوقا مالية تقضي بمشروعية استغلال منجزه الفني، واستخلاص إيرادات مالية من ترويجه، من خلال المشاركة به في معارض أو تظاهرات، أو من خلال إعارته أو بيعه أو ترويجه عبر الإنترنت، أو قنوات التواصل الجماهيري. كما أكدت على أن حقوق الفنان المعنوية والمادية لا تنتهي ولا تتوقف «ببيعه» لعمله الفني، بل تستمر عبر ما تدعوه المواثيق الفنية الدولية بـ«حقوق التتبع»، أو «حقوق الاستصحاب»، وهي حقوق تقضي بضرورة استفادة الفنانين أو ورثتهم من نسبة مئوية محددة في كل عملية بيع جديدة لأعمالهم الفنية الغرافيكية والنحتية والأيقونية.
التسويق والخبرة
على الرغم من الحيوية التي تلمع بين الفينة والأخرى في ساحة الإبداع التشكيلي المغربي، فإن التسويق الفني في المغرب مدعو إلى تأسيس ثقافة الاقتناء، ومواكبة الإبداع، حسب خصوصيات وتطلعات مبدعيه، ضمن حركة إنسانية مشتركة. ومن ثم، دعت ورشة «الخبرة والتسويق» إلى تفعيل المعارض الفنية المحلية والخارجية بشكل تواصلي أكثر فعالية، وتقدير جهود الفنانين المغاربة العارضين، وجعل تلك المعارض مناسبة لترويج وتسويق الأعمال الفنية المكدسة داخل مخازن الفنانين، ولكن على أساس فكري وتقييم موضوعي. ونصت الورشة كذلك على تنظيم التظاهرات الفنية بشكل احترافي، من بيينالات وإقامات فنية ومراسم مشتركة، مع خلق جوائز محلية ودولية محفزة، والحرص على دعم الجيل الجديد من المبدعين، والعمل على تطوير مهاراتهم الفنية عبر إقامة الورش والدورات التدريبية في مجال الفنون.
وألحت الورشة أيضا على دور «الميديا الاجتماعية» في ترويج العمل الفني، وعلى الحاجة إلى إعلام فني متخصص يشرف عليه وينشطه كتاب وباحثون لهم دراية بالمجال الفني. كما لفتت الورشة الانتباه إلى أهمية عدة مؤسسات عمومية وخاصة في ترويج الأعمال التشكيلية، من قطاعات حكومية ومنشآت مصرفية ومؤسسات خاصة ومجالس بلدية وغيرها.
أما في مجال «الخبرة الفنية»، فأعرب المشاركون في الورشة عن أملهم في إيجاد آليات حقيقية لحماية المبدعين التشكيليين، حتى يتسنى محاربة نشر الأعمال المزيفة القائمة على أصول فنانين آخرين، والحد من نشاط الوسطاء أو السماسرة.
التربية الجمالية
حيث إن الدينامية الفنية التي تشهدها الساحة التشكيلية في المغرب لا تواكبها منظومة بيداغوجية كفيلة بتوطيد دعائم تلك الدينامية، وقادرة على بناء الذائقة الجمالية المشتركة، وتحرير العين والارتقاء بها، فقد خلصت ورشة «بيداغوجيا التعليم الفني» إلى مجموعة من التوصيات والاقتراحات من ضمنها، إدماج الثقافة الفنية الجمالية في جميع البرامج والمناهج الدراسية، وإقامة شراكات بين معاهد الفن التشكيلي والإدارات المحلية للتعليم، المعروفة بالأكاديميات الجهوية، وتوسيع شبكة المعاهد العليا للفنون الجميلة، وإعداد مدرسين مختصين في الفنون التشكيلية، وتشجيع البحوث الجامعية ذات الصلة بالتشكيل مفهوما وتاريخا وممارسة، وإقامة ورش ومحترفات تشكيلية مفتوحة لفائدة التلاميذ والطلبة.
أكدت الورشــة على أنه يتعين على المدرسة المغربية استثمار المنجز التشكيلي، ليس كموضوع يدرس فقط، بل استثماره لإنجاح العملية التعليمية، وكتنشيط ذهني لتحسين الممارسة التعليمية، عن طريق إكساب التلاميذ والطلبة الآليات والتقنيات الأساسية لتحليل الخطاب التشكيلي، وأساليب التعامل مع اللوحات التشكيلية تعاملا نقديا واعيا لا انصياعيا سلبيا.
الفنان والمتلقي
ومما جاء في تقديم الكتاب بقلم الفنان التشكيلي محمد المنصوري الإدريسي (رئيس النقابة المغربية للفنانين التشكيليــين المحترفين) أنه جرى خلال المناظرة رصد المشهد التشكيلي المغربي من منظورين متعامدين: منظور الفنان وانتظاراته، ومنظور المتلقي وتمثلاته. ومثلما أصغى المرصد إلى الفنان التشكيلي وإلى تشخيصه لراهنه وتطلعه لمستقبله، فكذلك أعطى الكلمة للمتلقي العمومي للإنصات إلى تمثلاته لصورة الفنان وانتظاراته منه؛ لأنه لا يمكن فهم وضعية الفن التشكيلي الراهن إلا عبر زاوية «ديداكتيكية» يتماهى فيها المبدع والمتلقي معا.
كما تولت أرضية المناظرة التي صاغها الباحث الجمالي محمد الشيكر، تشخيص راهن الفنون التشكيلية في المغرب، من خلال الإشارة إلى أنه بقدر ما مضى الفنانون المغاربة في مراكمة تجارب فنية متميزة، وفي تنويع وسائط الأداء الجمالي، واستكشاف «كــــارتوغـــــرافيات» إستيتيقية غير مألوفة، وارتياد «غاليريهات» ومعارض وبيينالات وساحات دولية، بقدر ما ازدادت وضعية التشكيل تعقيدا، وازداد وضع الفنان هشاشة وفلتانا، بسبب حصول نوع من «الاغتراب» الجمالي والسقوط في مهاوي الاستلاب والانسلاخ، وأيضا بسبب غياب مأسسة قطاع التشكيل وعقلنة دواليبه، وغياب سياسة فنية ناظمة له، وغياب ثقافة جمالية وتعليم فني في المؤسسات الابتدائية والثانوية والجامعية والمعاهد العليا.
