مسافر

لو تعلمين كم عاماً مضى وأنا أُخيط وجه البؤس هذا كم من خبر وكم من مأتمٍ وكم من عرس أصواتٌ تهذي ونواح وكم امرأة مسحت دموعاً عن وجه الصباح وشظية متطايرة من لحمِ الوطن وكم من حقيبةٍ أنهكها السفر تلك آمالي المعلقة حين يجيءُ خريفٌ نائمة على أوراق الشجر لو تعلمين كم استغرق رسم هذا […]

مسافر

[wpcc-script type=”3e41376cf1f1889d34e86acd-text/javascript”]

لو تعلمين كم عاماً مضى
وأنا أُخيط وجه البؤس هذا
كم من خبر
وكم من مأتمٍ
وكم من عرس
أصواتٌ تهذي ونواح
وكم امرأة مسحت دموعاً عن وجه الصباح
وشظية متطايرة من لحمِ الوطن
وكم من حقيبةٍ أنهكها السفر
تلك آمالي المعلقة
حين يجيءُ خريفٌ
نائمة على أوراق الشجر
لو تعلمين كم استغرق
رسم هذا الحزن
من قصصٍ ومن حكايات
وكم صرخةً
من أصوات المقابر
*
بحثتُ كثيراً في التعاريفِ
قلبتُ كثيراً في التاريخِ
سافرتُ بين الصفحات
بحثتُ عن معانٍ وتفاسيرَ للوطن
فهذا البؤس ليس وطناً
هذا الحقدُ ليس وطناً
هذا العجز لا يمكن أن يكون وطناً
لا توجد على خدود تلك الأرض
سوى عجوز وعلى وجهها غبارُ
في كفها مسبحة
وفي صدرها مفقودٌ
يدق في جبينها مسمار
أنا لا أرى سوى
رجال يتسكعون على قارعة كتاب
تنكسر بين حروفهم أبواب
تبحث عن الحب
وتؤلف في مديح الهزيمةِ أساطيرَ
وترسم الكلمات
*
يا صغيرة..
هل تعلمين..

كم بقيت وأنا أنحت في تلك العقدةِ
كم فيها من النساءِ والأصابع والقُبلات
ما تزال في فمي رائحة الشفتين
تمتد من رحابها
وتنام على كتفي تنتظر
وتنتحب
الزمن الهاربَ المفقود
تغني لحناً مع ذلك الناي
تحملني في كل مرةٍ أجنحتي
وحدي أتفيأ في سربٍ مهاجر
*
مازلت أخيط وجه البؤس..
الذي تمشي في عروقه بعضُ ذكريات
ليست هي هذه ملامحي
ولا هذا الوجه وجهي
ليست إلا أخاديد ووديان
وأرضا وسماء

فلستُ هُنا
لا شيء إلا وجهَ من هجروا البيتَ
ونَسوا مفتاح البستان
لستُ هنا
إلا رماداً من أشلاء تلك المدينة
حملتها معي من هناك
أما أنا.. فلستُ أنا
ولست إلا عاشقاً
ثائراً..
مُسافر

شاعر سوري

كلمات مفتاحية

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *