مستقبل الحجاب في السعودية!

تعد قضية المرأة من أكثر القضايا حساسية في الصراع الليبرالي الإسلامي, ويعود السبب في ذلك إلى معرفة كل فريق بأهمية الدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع...

تعد قضية المرأة من أكثر القضايا حساسية في الصراع الليبرالي الإسلامي, ويعود السبب في ذلك إلى معرفة كل فريق بأهمية الدور الذي تلعبه المرأة في المجتمع، ففي الوقت الذي ينظر إليها الليبراليون على أنها مفتاح التغيير الأهم, نجد الفريق المقابل يشبهها ب(قضية القدس)، والتي مهما حدث من تنازلات في غيرها من القضايا إلا أنها تبقى عصية على التنازلات.

ومحور حديثي في هذا المقال هو عن أحد الموضوعات المرتبطة بالمرأة، والذي طالما دارت حوله العديد من المعارك بين الجانبين، ألا وهو (الحجاب).
وسأحاول في هذا المقال استعراض نظرة كل فريق تجاه هذا الموضوع وكذلك الخطوات التي يبذلها تجاهه انطلاقا من نظرته الخاصة،و من ثم سأحاول تقييم مدى نجاح كل فريق في فرض رؤيته والترويج لمشروعه.

أولاً: (التيار الليبرالي):
ينظر التيار الليبرالي إلى الحجاب على أنه أمرٌ (نابع من العادات والتقاليد وليس واجب ديني)(1)، وانه (ظاهرة تنطلق من أيديولوجية التخوين الاجتماعي التي يعيشها الفرد مع نفسه قبل أن يعيشها مع محيطه)(2) بل ويعترف بعض من ينتمي إلى هذا التيار بعدم ارتداء الحجاب خارج الوطن(3)، ويؤكد كذلك على أن الحجاب (قد ساهم بشكل مباشر في تعطيل بعض المهارات الأساسية عند المرأة؛ فالكلام الحر الطبيعي أصبحت العباءة تمنعه وتستبدله بكلام منخفض متقطع لا يشكل جملة مفيدة وإنما هو مجرد وصوصة وهمهمة لا تفهم بوضوح)(4).

وبسبب وجود هذه النظرة تجاه الحجاب عند هذا التيار فقد كان من الطبيعي أن يبذل جهوداً حثيثة لمناهضته والحد من انتشاره .
غير أن من اكبر العوائق التي تقف في طريق تحقيق هذا الهدف هو أن هذا التيار يعيش وسط مجتمع شديد التدين ليس عنده استعداد (على الأقل في هذه المرحلة) لتقبل فكرة نزع الحجاب بالكلية، وهذا ما يجعل بعض من ينتمي لهذا التيار يصابون بالإحباط مما يدفعهم أحياناً إلى مهاجمة هذا المجتمع الرافض لأطروحاتهم في كثير من الأحيان.

تقول إحدى الكاتبات وبلغة لا تخلو من التشنج: (وصل الحد إلى درجة تنتهك فيه المرأة حقها بنفسها وذلك خوفا من – التغريب – ونقصا في العلم والمعرفة والخبرة السياسية والاجتماعية والحقوقية)(5)، وذلك في تعليقها على نتيجة دراسة أثبتت أن 97 بالمائة من مجموع 400 امرأة وفتاة سعودية تتراوح أعمارهن بين 15 عاما إلى اكبر من 45 عاما، اعتبرت هذه الفئة قيادة المرأة للسيارة أمرا غير مقبول، فيما بلغت نسبة الرافضات للعمل المختلط أكثر من 86 بالمائة، أما الرافضات لسفر الفتيات للدراسة بالخارج من دون محرم فقد بلغ 92 بالمائة(6).

بينما تصف كاتبة أخرى ما قامت به إحدى الطالبات من رفض لقيادة المرأة للسيارة خلال ندوة نظمتها إحدى الكليات الأهلية وحضرتها وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية بالأمر المحبط، بل تهجمت على تلك الطالبة التي عبرت عن رأيها بحرية بقولها: (إنها مراهقة ينقصها الإدراك بواقع مجتمعها الذي تعيش فيه ويتوقع منها هذا النوع من النزق..)(7).

إلا أن هذا التيار وبعد أن فهم صعوبة المهمة، فقد سعى إلى التدرج في طرح رؤيته المتعلقة بالحجاب وعمد إلى بعض الأساليب والطرق التي قد لا تسبب له اصطدما مباشراً مع المجتمع, ومنها :
1. التركيز على نزع غطاء الوجه.
وفي هذا الصدد تقول إحدى الصحفيات في مقابلة مع إحدى الفضائيات ورداً على السؤال الآتي: هل تحبين أن ترين المرأة السعودية وقد ارتدت الجينز وحلت شعرها كما تفعل غيرها في دول العالم؟
فكان الجواب: المهم أن تكشف الوجه والباقي نتحدث عنه لاحقاً(8).

ومما يلاحظ على هذا التيار في هذا الصدد استخدام ما يلي:
• تقديم نماذج محلية تخلت عن غطاء الوجه وإبرازها عبر وسائل الإعلام سواءً المرئي أو المقروء، حتى أصبح من المألوف رؤية بعض من ينتمين إلى بعض الأسر المعروفة بشدة المحافظة وقد تخلين عن غطاء الوجه.
• الاستفادة من الانقسام المتزايد في الأوساط الإسلامية (بما فيها الوسط المحلي) حيال موضوع كشف الوجه، واللجوء في بعض الأحيان إلى الخطاب الشرعي كونه الأكثر تأثيراً في المجتمع وذلك بالانتصار للقول بجواز كشف الوجه.
• المطالبة بالاستفادة من النموذج المطبق للحجاب في بعض البلدان الإسلامية مثل (ماليزيا)، والقول بأن ذلك النموذج أكثر عملية وملائمة للعصر الحالي.

2. الدعوة إلى نبذ العباءة (ذات الطراز المحلي).
و محاولة إثبات أن هذا الطراز يمثل مشكلة بالنسبة للمرأة السعودية لأن (العباءة السوداء بطرازها السعودي المتداول اليوم تخلق بشكل معين نمطا من الشخصية الخنوعة الخائفة التي تشعر بأنها قطعة جنسية, وكذلك فإن عباءة الرأس تحول المرأة وكأنها مخلوق مختلف وربما تكون أشبه بطائر ضخم يمشي. أما عباءة الكتف فهي تشغل المرأة بكثرة القطع التي تلف على الكتف وأخرى على الرأس وأخرى على الوجه حتى لا تتمكن لابستها من التحرك بسهولة)(9), ويكثر التساؤل: (إلى متى ستستمر النساء في بلادي باتشاح السواد الحزين، والتواري في المقاعد الخلفية كالشياطين)(10).

3. إيجاد جيل من الكاتبات والصحفيات والمذيعات والروائيات يتولين أمر المطالبة بنزع الحجاب باعتباره حقاً من حقوقهن.
4. الاستفادة من الضغوط الخارجية،
ومن أمثلة ذلك الدعوة الأخيرة لفتح نوادي نسائية تجنبا لتجميد العضوية السعودية في اللجنة الأولمبية الدولية.
5. إيجاد البيئات المناسبة لتطبيق النموذج الليبرالي للمرأة (المتجردة من الحجاب بالكلية والمختلطة بالجنس الآخر) على المرأة السعودية, والتسويق له إعلاميا.

ولصعوبة إيجاد مثل هذه البيئات في الداخل فقد يُلجأ إلى إيجادها في الخارج،ومن ذلك استغلال المناسبات ذات الطابع العالمي أو الإقليمي (رياضية,اقتصادية, علمية، وغيرها) لهذا الغرض, وقد يتم التنسيق في ذلك مع بعض الجهات الأجنبية الداعمة لهذا التيار، ومثال ذلك ما حدث في دورة ألعاب الخليج الأخيرة من حضور لبعض الطالبات السعوديات (الدارسات في الجامعة الأمريكية في دبي) إلى المدرجات والاختلاط بالجماهير واعتراف بعض منظمي رحلة التشجيع المختلطة بدور تلك الجامعة بقولهم:(هذه الجامعات المنفتحة لم تمدنا بالمعرفة والمناهج العلمية فحسب, إنها ربّتنا على قيم التعاون والاعتداد بالذات والقدرة على التنظيم.. وحصّنت كل منا بالثقة تجاه الآخر أياً كان، فلا فرق بين فتاة وشاب في تعاملنا ونظراتنا لبعضنا”)(11), ومن الأمثلة أيضا ما يحدث في بعض الملتقيات العلمية أو البعثات الطلابية.

ويهدف هذا الأسلوب إلى كسر الحاجز النفسي عند المجتمع والذي لم يألف رؤية مثل تلك النماذج المحلية، إلا ما كان من حالات يغلب عليها الطابع الفردي.
ومع أن هذا الأسلوب يعد من الأساليب الحديثة التي ينتهجها هذا التيار, إلا أنه يعد أقواها في الترويج للنموذج الليبرالي للمرأة كونه يمثل الجانب التطبيقي لمشروع نزع الحجاب،ولذلك فلا يستبعد التركيز على هذا الأسلوب مستقبلاً.

ثانياً: (التيار الإسلامي):
ينظر التيار الإسلامي للحجاب على أنه فريضة ربانية وأمرٌ إلهي لا يمكن مخالفته، ويستندون في ذلك إلى ما جاء في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ويرى هذا التيار أن في الحجاب عصمة للمجتمع من الانجرار إلى كثير من المشكلات الأخلاقية، وكذلك فإن فيه حماية للمرأة وصوناً لها ودلالة على تكريم الإسلام لها، ولست هنا بصدد ذكر ما يستند إليه هذا التيار من أدله.
وبسبب وجود هذه النظرة تجاه الحجاب عند هذا التيار فقد كان من الطبيعي أن يبذل جهوداً حثيثة للدعوة إليه والسعي لتطبيقه.

ويمكننا القول إن هذا التيار قد نجح كثيراً في الدعوة إلى الحجاب ونشر الوعي بأهميته عبر السنوات الماضية,و نتيجة لذلك فقد اختفت العديد من مظاهر السفور التي وجدت في بعض المناطق نتيجة للجهل ولوجود بعض التقاليد السائدة هناك, كما أن من أعظم النجاحات التي حققها هو مشروع تعليم البنات من الابتدائية وإلى مراحل التعليم العالي، وكذلك إيجاد فرص عمل كثيرة للمرأة، كل ذلك مع وجود الحجاب، مما أثبت بطلان نظرية أن الحجاب يتعارض مع تعليم المرأة.

ولعل من أهم العوامل التي ساعدت هذا التيار في النجاح في دعوته هو أن هذا التيار يعتبر (صاحب الأرض والجمهور) إن صحت التسمية، وأقصد أن هذا التيار لم يجد صعوبة بالغة في إقناع المجتمع بضرورة الالتزام بالحجاب وذلك لأن هذا المجتمع متدين بفطرته، وكذلك فإن من طبيعته الغيرة على المحارم،بالإضافة إلى أن الدولة التي تحكمه قامت في الأصل على تطبيق الشريعة الإسلامية، وقد عمد هذا التيار إلى الأساليب التالية في الدعوة إلى الحجاب:
1. نشر العلم بأهمية الحجاب وتوعية المجتمع عبر وسائل الدعوة المختلفة.
2. تحذير المجتمع من العادات والتقاليد المنافية للكتاب والسنة.
3. تحذير المجتمع من دعوات تحرير المرأة ونبذ الحجاب.
4. الدعوة إلى أخذ العبرة من المجتمعات الإسلامية التي سبقت إلى التحرر من الحجاب، حيث لم يسهم ذلك في تطورها وزيادة الصناعات فيها، بل زادها انحطاطا ومشكلات أخلاقية.
5. إبراز نماذج واقعية لمتحجبات حصلن على أعلى الدرجات العلمية في تخصصات مختلفة.
6. الاستشهاد بأقوال بعض الغربيين عن الحجاب.

كما تقول إحدى الأمريكيات والتي كانت تعمل ممثلة وعارضة أزياء:(كامرأة، غير مسلمة سابقا، أنا أصر على حق جميع نساء الأرض أن يتعرفن على الحجاب وأن يعرفن فضائله، لنساء الأرض جميعهن الحق كل الحق أن يعرفن مدى السعادة والطمأنينة التي يضفيها الحجاب على حياة النساء المحجبات كما أضفاها على حياتي)(12).

وبعد هذا الاستعراض الموجز لمواقف الفريقين، وبنظرةٍ واقعية لما نعيشه ونلحظه اليوم فإننا يمكننا القول بأن التيار المناهض للحجاب وبالرغم من عدم استناده على قاعدة شعبية صلبة، وبالرغم أيضاً من كل ما يثار حوله من علامات استفهام كثيرة، فإنه قد حقق نجاحات نوعية في محاولاته لتغيير واقع المجتمع فيما يتعلق بالحجاب، ولا أدلّ على ذلك مما يشاهد اليوم عبر وسائل الإعلام المحلية المختلفة، فقد تم تأنيث العديد من البرامج التلفزيونية، وتم أيضا تحقيق (الاكتفاء الذاتي) من فتيات الغلاف! بمعنى انه لم تعد فتاة الغلاف مطربة عربية أو ممثلة خليجية، بل أصبحت فتاة نجدية أو حجازية!

كذلك فإن من الإنصاف الاعتراف بجرأة هذا التيار في طرح رؤاه الخاصة، خاصة بعد الأحداث العالمية والمحلية المتأخرة، مما ينبئ بحدوث تغيرات أوسع قد يفاجأ بها البعض، إلا أنه وبالنظر إلى بعض المعطيات الحالية فإنها قد تبدو للبعض الآخر طبيعية!

وهذا الأمر قد يُصعِّب من مهمة التيار الإسلامي في ظل وجود ما يمكن أن نسميه بحالة (انقسام) حيال بعض الموضوعات والتي كانت تعد بالأمس مسلمات ومنها الحجاب! فقد أصبحنا نسمع من يهون من شان الخلاف في هذه القضية، أومن يجيز كشف الوجه للمرأة عند السفر إلى خارج هذه البلاد، بل أصبح هناك من يحِلُ ضيفاً على بعض البرامج التلفزيونية التي يتولى تقديمها مذيعات كُنَّ بالأمس محل نقد واعتراض هذا التيار! وكما ذكرت فقد استغل الطرف الآخر هذا الانقسام باحترافية عالية.

وفي هذا الصدد فإن هناك جملة من النصائح التي يقدمها البعض للتيار الإسلامي ويرون انه يلزمه العمل بها متى ما أراد أن يحد من التقدم الليبرالي المتسارع، والذي شرع في تغيير واقع المرأة في هذه البلاد، ومنها:
1. وضع خطة استشرافية لواقع المرأة عامة في المملكة في السنوات الخمس أو العشر القادمة خاصة وأن المجتمع مقدمٌ على الكثير من التغيرات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
2. الأخذ بزمام المبادرة ووضع الخطط الاستباقية وعدم الاكتفاء بسياسة إطفاء الحرائق والتي أثبتت عدم جدواها خاصة في ظل ما ذكرته من سرعة وقوة طرح الطرف المقابل لرؤاه ومشاريعه.
3. علاج الانقسام الحادث حول عدد من القضايا ومن بينها مسألة الحجاب والسعي لإزالة الشبهة العلمية الكبيرة المتعلقة بهذا الموضوع عبر التواصل والتحاور الايجابي المؤصل.
4. زيادة التواصل والتعاون والتلاحم مع ولاة الأمر والذين عُرف عنهم العمل للدين ونصرته, مما يساعد على التعريف بخطورة المشاريع التغريبية.
5. تكثيف البرامج الموجهة للمرأة ومحاولة تحدثيها والخروج بها عن حالة الرتابة والجمود.
6. تفعيل دور المسجد.
7. العمل على إيجاد كوادر نسائية مؤهلة تتولى الدفاع عن قضايا المرأة وفق المنظور الإسلامي.
8. التخلي عن النظرة السوداوية للمستقبل والتي يعاني منها بعض من ينتمي إلى هذا التيار، والتحلي في المقابل بروح التفاؤل وبث الأمل بمستقبل أفضل.
و يبقى السؤال منطقياً ومؤرقاً للكثيرين: ما هو مستقبل الحجاب في السعودية؟

________________
(1) http://www.elaph.com/ElaphWeb/Interview/2006/5/150922.htm
(2) مقال بعنوان (الحجب)؟
(3) http://www.elaph.com/ElaphWeb/Interview/2006/5/150922.htm
(4) مقال بعنوان (شخصية العباءة (.
(5) مقال بعنوان(تغيير المرأة السعودية)
(6) مجلة ” الإرشاد”، الصادرة عن جهاز الإرشاد والتوجيه بالحرس الوطني السعودي.
(7) مقال ” لقاء طالبات دار لحكمة مع وكيلة وزارة الخارجية “.
(8) في مقابلة مع قناة المستقلة ” تطلعات المواطن السعودي خلال الفترة المقبلة.
(9) مقال بعنوان (شخصية العباءة (..
(10) مقال “المرأة السعودية بين المصالح والأهواء”
(11) مقابلات بعنوان (سعوديات مع الأخضر.. هل أنتم محصنون ضد الحريم؟!) _ صحيفة عكاظ _ يوم الثلاثاء 11/1/1428هـ.
(12) (رحلتي من البكيني إلى النقاب الرمز الجديد لحرية المرأة)، لسارة بوكر: ممثلة وعارضة ومتسابقة كمال أجسام وناشطة سابقا، وهي الآن مديرة قسم الاتصالات في حركة مسيرة العدالة (The March For Justice)، ومؤسسة للشبكة العالمية للأخوات (The Global Sister’s Network)، ومخرجة الوثائقي الشهير .(The March Shock & Awe gallery) “

Source: www.almoslim.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *