ضمن سلسلة دراساته حول موضوع اللاجئين الفلسطينيين، أصدر مركز العودة الفلسطيني في لندن دراسة جديدة للدكتور أحمد صدقي الدجاني بعنوان “مستقبل فلسطينيي الخارج في ظل اتفاقات التسوية”.
وقد تناولت الدراسة موضوع فلسطينيي الخارج من جوانب مختلفة بدء بتعريف اللاجئ وتحديد هويته وجنسيته ، مرورا بأثر اتفاقيات التسوية عليه، وانتهاء بالمطلوب من الجميع عمله للحفاظ على اللاجئ الفلسطيني وحقه في العودة الى الديار التي أخرج منها.
وقد بدأ الباحث بالتأكيد على أن قضية فلسطينيي الخارج تتكامل مع قضية فلسطينيي الداخل في فلسطين المحتلة عام 1948، ومع قضية فلسطينيي الداخل في فلسطين المحتلة عام 1967، ومع قضية القدس بقسمها المحتل عام 1948 وقسمها المحتل عام 1976.
وقال ان قضية فلسطينيي الخارج قد مرت بمراحل تبعا لقضية فلسطين الواحدة. ودخلت معهاـ ومع الصراع العربي الصهيوني ـ مرحلة جديدة في أعقاب زلزالي أوروبا الشرقية والخليج وانتهاء الحرب الباردة، آذن بها انعقاد مؤتمر مدريد يوم 30/10/91 ومباشرة عملية تسوية للصراع دعاها مصممها الأمريكي وراعيها الرئيسي “عملية سلام الشرق الأوسط”، وبلغت هذه المرحلة الجديدة في قضية فلسطينيي الخارج ذروة عند إعلان اتفاق أوسلو.
ثم تطرق الدكتور الدجاني الى تحديد الهوية الفلسطينية من الزاوية الذاتية الفردية والجماعية، واستعرض ما ورد في الميثاق الفلسطيني من تحديد، وكذلك من زاوية رؤية الأخر لحامل هذه الهوية وأثره في تعزيزها. ثم خلص الى أن الهوية الفلسطينية باقية رغم البعد عن فلسطين.
وبعد ذلك أخذ الدكتور الدجاني ببيان توزيع الفلسطينيين في البلاد المختلفة، وحصر الأرقام الواردة في ذلك. وأشار الى الحاجة الماسة لحصر دقيق لعدد اللاجئين الفلسطينيين في مختلف تجمعاتهم. ويشمل هذا الحصر كل فلسطيني ينطبق عليه تعريف الميثاق الوطني الفلسطيني لمن هو الفلسطيني.
وقال: إن “هذه مهمة تستحق أن يتعاون على إنجازها دائرة العائدين في منظمة التحرير الفلسطينية مع إدارة فلسطين في جامعة الدول العربية المضيفة مع وكالة الغوث للأجئين الفلسطينيين، بحيث يصبح لدى دائرة العائدين في المنظمة سجل دقيق، وكذلك لدى ادارة فلسطين في جامعة الدول العربية”.
وتحت عنوان أوضاع فلسطيني الخارج أخذ الباحث في اعطاء نبذة عن الاوضاع الاقتصادية والاجتماعية والتعليمية لهم. ثم استعرض أوضاع فلسطيني الخارج في “سلام الشرق الاوسط” وأشار الى أن “أساس التفاوض ضبابي غامض حمّال أوجه، وإلى ما يحمله من خطر على حقوق فلسطينيي الداخل والخارج”، مبينا أن رسائل التطمينات الأمريكية بمجموعها أوضحت أن قرار مجلس الأمن 242 هو للتفاوض وليس للتنفيذ، وأن طرح موضوع اللاجئين دون الإشارة الى أنهم فلسطينيون أو تحديد زمن لجوئهم في عام 1948 وعام 1967 والسماح (لإسرائيل) أن تطرح ما تريد بشأن هذا الموضوع، سيفسح المجال للحديث عن لاجئين يهود، ولطرحه على صعيد إنساني وليس على صعيد الحقوق المشروعة.
وأضاف انه في إتفاقات أوسلو استمر التعامل مع قضية فلسطيني الخارج أثناء المفاوضات السرية التي جرت في أوسلو وفق الخطوط التي رسمتها (عملية سلام الشرق الأوسط) منذ مؤتمر مدريد. وهي خطوط جعلت (السياق التفاوضي دون مرجعية واضحة محددة). وقد توصلت هذه الإتفاقات في ليل إلى إعلان (مبادىء حول ترتيبات حكومة إنتقالية ذاتية) جاء في سبعة عشر بندا وأربعة ملاحق وجدول زمني، مثّل في مجموعه خطرا على قضية فلسطينيي الخارج. ولم يشر هذا الإعلان بكلمة إلى حقهم في العودة.
وبعد ذلك عرض الباحث الى المخططات الامريكية لتصفية قضية فلسطيني الخارج واستعرض في هذا المجال ما جاء في كتاب “دونا ارزت” أستاذة القانون الدولي في جامعة سيراكوز بولاية نيويورك الذي عنوانه “من لاجئين الى مواطنين” : الفلسطينيون وإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي”، والذي يدعو إلى التخلي عن حق العودة للفلسطينيين.
ثم تكلم حول المخطط الإسرائيلي لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، واستعرض دراسة “مشكلة اللاجئين الفلسطينيين، قضايا الحل الدائم : إسرائيل – الفلسطينيون” بقلم شلومو غازيت ، أحد كبار رجال الموسادـ الصادر عن مركز جافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل ابيب عام 1994 دراسة. وبين أن هذه الدراسة عمدت إلى “نسف” الأساس الذي أرسته الشرعية الدولية بشان اللاجئين الفلسطينيين في القرار الأممي رقم 194 الذي ينص على حقهم في التعويض والعودة. التعويض عما خسروه من ممتلكاتهم، والعودة الى بيوتهم في وطنهم فلسطين.
فاعلنت الدراسة بداية ان هذا القرار “بات متقادما وغير قابل للتطبيق في صيغته القائمة”. ثم لجأت الى “تفريغ” مصطلح اللاجئ من مضمونه بتقديم تعريف خاص له، يستطيع من خلاله تقليص عدد اللاجئين الذين تعامل معهم وكالة الغوث إلى حوالي النصف.
وتحت عنوان : “ما هو مستقبل قضية فلسطينيي الخارج في اطار قضية فلسطين في ظل اتفاقات التسوية؟ قال الدكتور الدجاني: “إن من الواضح أن تحالف قوى الطغيان الامريكية والصهيونية يسعى بقوة لتصفيتها، والحكم على خمسة ملايين من ابناء فلسطين العربية بالبقاء منفيين محرومين من العودة إلى وطنهم ومثوى آبائهم واجدادهم. ولكن هل يمكن لهذا السعي القوي لفرض واقع الظلم ان ينجح؟ ان مسار قضية فلسطين والصراع العربي الصهيوني، يؤكد ان الجواب عن هذا السؤال هو بالنفي، وان مقاومة فلسطينيي الخارج والداخل ستستمر الى ان تحقق عودتهم. وهذا ما نستخلصه ايضا من دراسة تاريخ حركات التحرير بعامة.
لقد جعلت “عملية سلام الشرق الاوسط” واتفاقات اوسلو قضية فلسطينيي الخارج “اللاجئين” إحدى قضايا أربع يجري بحثها عند بحث الحل النهائي. وهذا ما دعا العدو الإسرائيلي الصهيوني إلى المضي في إيجاد أمر واقع يحول دون هؤلاء اللاجئين والعودة إلى وطنهم، مستغلا تأجيل بحث القضية، وعامدا في الوقت نفسه الى وضع مخططه لتصفية قضيتهم وتجسيد ذلك عمليا في المفاوضات المتعددة الاطراف التي عرضت لهذه القضية. وقامت الولايات المتحدة شأنها دوما بتمكينه ودعمه. ولكن مقاومة شعب فلسطين العربي لتصفية قضية فلسطينيي الخارج استمرت ودخلت مرحلة جديدة تمثل حلقة في سلسلة حلقات هذه المقاومة التي بدأت منذ نكبة عام 194