وبـلـغ شأو هذه الجيوش الاستشراقية والتنصيرية حداً سجن العالم الإسلامي سجناً كبيراً، فلم تـدع شــيـئاً إلا دسَّت أنفها فيه حتى دخلت مخادع النساء ـ بتعبير “محمود شاكر” في رسالته القيمـة: “الـطـريـق إلـى ثقـافـتنا” ـ وكانت جيوش المنصرين والمستشرقين هم طليعة الاستعمار “الاستخراب” الغربي للعالم الإســلامي ـ كـمـا كانت هذه الجيوش الاستشراقية هي الأساس الذي قامت عليه مراكز الأبحاث وأجهزة الجـاسـوسـيـة والـمخابرات المتصلة بالنفاذ إلى أعمق أعماق عالمنا الإسلامي.
وبـعــد انتـهـــاء الاستعـمــــار “الاستخراب”
كانت الأسرة المسلمة ـ ولا تزال ـ تمثل قاعدة الاجتماع الإسلامي، وكانت ـ ولا تزال أيضاً ـ تمثل حصن هذا الاجتماع وقـلـعـتـه، ومـنـذ أن اكتشف الغـرب بحضارتـه (النصرانية ـ اليهودية) أنه لا يمكنه أن يخترق الأمة الإسلامـيــة أو يـُـجـهِـز عليها بالوسائل العسكرية عقب محاولاته ومخططاته العسكرية التي كان آخرها الحروب الصليبية؛ فإن الغرب سعى إلى تغيير وسائله، فتحول عن المواجهة العسكرية إلى المواجهة الـفـكـرية والسلوكية وهو ما يعبر عنه عادة في الأدبيات الإسلامية بـ “الغزو الفكري” وكانت أهم أدواتــه في ذلك إنشاء جيش من المنصِّرين والمستشرقين، وتأسيس كراسٍ للدراسات الاستشراقية التـي تسـتـهـدف اكتشاف العالم الإسلامي واختراقه لمعرفة عاداته وتقاليده ونفسية أبنائه.