مصالحة الآخرين : كيف توفق بين متخاصمين بشكل سهل ؟

إصلاح ذات البين أحد أنبل الأمور التي قد تفعلها يومًا ما، فأنت بذلك تحل الكثير من النزاعات التي ربما تحدث بينهما، هنا نرشدك إلى طريقة مصالحة الآخرين .

Share your love

قد تكون مصالحة الآخرين والإصلاح بين ذات البين مهمة ليست بالهينة، لا سيما إذا كان الخلاف الواقع بين المتخاصمين عميقًا ويصعب تسويته، ولهذا أشار النبي محمد “صلى الله عليه وسلم” إلى أن إصلاح ذات البين أفضل من درجة الصيام، والصدقة، والصلاة النافلة، ذلك أن الإصلاح بين الناس يزيد من تآلف المجتمع وتماسكه، ويوءد الفتن في مهدها، قبل أن تتحول الخلافات الصغيرة إلى نزاعات وانقسامات كبيرة تحدث شرخًا في المجتمع قد لا يمكن رأب صدعه فيما بعد، فغالبًا ما نرى في حياتنا مشكلات ونزاعات كبيرة ومحتدمة كانت في الأصل خلافات صغيرة يمكن حلها وتسويتها إذا ما توفر أشخاص مؤهلين، لديهم من المهارات، والخبرات، والسمات ما يجعلهم قادرين على التوفيق بين الأشخاص وحل الخلافات وتسويتها بأسلوب لطيف وذكي. ولكن، كيف يتم التوفيق بين متخاصمين؟ وما هي السمات التي ينبغي أن تتوفر في الشخص الذي يتدخل للإصلاح بين المتخاصمين؟ فليس كل شخص مؤهل للقيام بهذه المهمة التي غالبًا ما تنطوي على حساسية، وتحتاج إلى تعامل من نوع خاص مع كل طرف، ومراعاة لبعض الأمور التي قد تكون عامل نجاح أو فشل في مصالحة الآخرين.

أسلوب مصالحة الآخرين الصحيح

[wpcc-script src=”https://pagead2.googlesyndication.com/pagead/js/adsbygoogle.js” defer]

الذكاء الاجتماعي

الذكاء الاجتماعي، والقبول لدى الناس، واللباقة في الكلام، وحسن اختيار الأوقات المناسبة للتدخل للإصلاح بين المتخاصمين، وسعة الصدر، والتحلي بالثقة والمحبة بين الأشخاص، والاتسام بالحكمة، والعدل، والإنصاف بين الطرفين، كلها صفات ينبغي أن تتوفر في الشخص الذي يريد مصالحة الآخرين، ويجب أن لا نغفل عن أن احتمال أن يرفض أحد الطرفين تدخلك للإصلاح هو احتمال وارد جدًا.

الذكاء الاجتماعي من الصفات التي تساعد صاحبها على تجاوز العديد من الصعاب، وتخطي الكثير من العقبات، والقيام بأمور قد تشكل معضلة لمن لا يمتلك هذه الصفة، وبالتأكيد، مصالحة الآخرين تعد من بين هذه المعضلات والمهام التي تتطلب ذكاءً اجتماعيًا. وقد يمتلك البعض ذكاءً عقليًا متميزًا، ولكن الذكاء الاجتماعي أمر مختلف تمامًا عن الذكاء العقلي، فهو بحسب العلماء القدرة على ترتيب المجموعات وتنظيم الحلول والأفكار التفاوضية، وإقامة علاقات شخصية بما يستجلب العواطف ويعزز التواصل بين الآخرين، وكذلك القدرة على تحليل مشاعر الآخرين واهتماماتهم، والتصرف بمرونة في المواقف الاجتماعية المختلفة، وبلا أدنى شك، قدرة كهذه ستسهل مهمتك وتفتح لك الطريق، عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع معضلة مثل مصالحة الآخرين.

القبول لدى كلا الطرفين

وينبغي كذلك أن يكون الشخص المتطوع لإصلاح ذات البين و مصالحة الآخرين مقبولاً لدى الطرفين المتخاصمين بالقدر الذي يمكّنه من تمهيد الطريق للصلح، ومعالجة العلاقة التي تضررت بين الأطراف بسبب التنازع، والتنافر، والخلاف؛ فمن غير المعقول أن يتدخل شخص للصلح وهو غير مقبول بالأساس لدى الطرفين المتخاصمين أو أحدهما، إذ كيف ستنجح مهمته وهو غير محبب القول أو مقبول الكلام لدى أي من الطرفين أو كلاهما، لا سيما وأن الأطراف المتنازعة غالبًا ما تكون في حالة من التوتر العصبي والنفسي لا تسمح لها بتقبل كلام الغير، أو عروضه، أو أطروحاته، فما الحال إذًا إذا كان الشخص المتدخل للصلح غير مقبول حتى في الحالة المزاجية العادية لدى الأطراف المتنازعة.

اللباقة

كذلك من الصفات التي تعد عاملاً أساسيًا في نجاح الجهود المبذولة للصلح وإتيانها ثمارها اللباقة في الحديث وحسن اختيار الكلام وتخيّر الوقت المناسب لكل حديث، فقد تكون شخصَا حسن النوايا، تحب التآلف، وتبغض أن يتنازع من حولك أو يتخاصموا، ولديك فعلاً رغبة قوية في مصالحة الآخرين، ولكن قد تفسد من حيث تريد الإصلاح، وتضر من حيث تريد النفع، وذلك لأن النوايا الحسنة لا تكفي وحدها في إتمام هذه المهمة الصعبة، فكم من قضية خسرها أصحابها، برغم قوة حجتهم، وذلك بسبب افتقارهم للباقة في الكلام، وكم من موقف خاسر حوله صاحبه لمكسب بسبب لباقته في الكلام والتخير الدقيق لكلماته، وأكثر القضايا والمواقف التي تحتاج للباقة هي مصالحة الآخرين.

اختيار الوقت المناسب

في كثير من الأحيان يكون الوقت غير مناسب للتدخل للصلح بين الطرفين المتنازعين، وذلك بسبب جو التوتر والغضب الذي يفرضه النزاع والخلاف والخصام على نفسية كلا الطرفين، ولهذا السبب يحتاج الشخص الذي يتقدم من أجل مصالحة الآخرين إلى الانتظار قليلاً حتى تهدأ عواصف الغضب وتنطفئ نيران الخصام، وبعدها يمكن أن يشرع في تمهيد الطريق للصلح بين الطرفين بما يراه مناسبًا لنفسية الطرفين المتخاصمين والظروف المحيطة بهما.

تخفيف التوتر والغضب

وكما قلنا من قبل، تسود الخلافات والنزاعات أجواء من التوتر والغضب، تصل أحيانًا إلى فقدان الوعي بما يُفعل أو بما يُقال من كلام، ولذلك أوصى الحكماء بعدم اتخاذ أي قرارات في حالة الغضب والتوتر، كما أوصى النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بعدم الغضب من الأساس، وأشار كذلك إلى أن الشخص الشديد الحازم هو من يملك نفسه ويكبح جماحها عند الغضب، وليس الشخص الذي يتمتع بقدرات جسدية تمكنه من التغلب على الآخرين، وما يعنينا هنا هو التنويه إلى إمكانية تعرض الشخص الذي يتدخل للصلح بين الأطراف المتنازعة إلى أذى كبير في نفسه، وقد يكون هذا الأذى لفظيًا، وقد يتعدى ذلك إلى الأذى الجسدي، وبما أنك قد قبلت بالتدخل من أجل مصالحة الآخرين، وأخذت على عاتقك التوفيق بين المتخاصمين، وكنت مدركًا إدراكًا جليًا وكاملاً لتبعات تدخلك هذا، فينبغي عليك إذًا التحلي بسعة الصدر، حيث إن مصالحة الآخرين تحتاج إلى شخص ذي صدر رحب، مستعد لتحمل الأذى في سبيل إتمام مهمته السامية، وهي التوفيق بين المقربين إليه ورؤيتهم متآلفين متحابين فيما بينهم.

الثقة بين الأطراف

ينبغي أن تكون جهود المصالحة والتوفيق بين الأطراف المتخاصمة قائمة على الثقة في الأشخاص الذين يتدخلون من أجل مصالحة الآخرين، إذا أنه من غير المقبول أو المعقول أن يتدخل شخص غير ذي ثقة لدى الأطراف المتنازعة، حيث إن المراوغة، والكذب، وتصوير الأمور على غير حقيقتها، تعد من الأفعال التي من شأنها هدم جميع الجهود المبذولة للصلح وذهابها أدراج الرياح، ولا سيما إن اكتشف أحد الطرفين أنه يجري خداعه والكذب عليه، وهنا تتفاقم الأمور وتنتقل من سيئ إلى أسوأ، ولذلك تمثل الثقة، التي تنشأ من صدق القول، والنزاهة، والصراحة، حجر الزاوية والعمود الفقري لنجاح الجهود المبذولة من أجل مصالحة الآخرين. وذلك لأن الهدف المرجو ليس مجرد التوصل إلى صلح ظاهري، أو إجبار طرف على الصلح وحمله حملاً عليه، أو ممارسة خدعة تنطلي على أحد الطرفين أو كلاهما لقبول الصلح، فبذلك نترك بابًا مفتوحًا لرجوع الأمور إلى ما كانت عليه أو أسوأ من ذلك، أو التعامل المقبول بين الأطراف المتنازعة مع استمرار وجود ضغائن وأحقاد وخلافات في القلوب، ولكن الهدف المنشود والنتيجة المرجوة هي السعي إلى اجتثاث ما في القلوب من ضغائن من جذورها ونبذ أسباب الخلاف والعمل على إزالتها من أجل بناء الصلح على أسس قوية وأركان متينة، وإقامة علاقات قوية تدوم طويلاً وتقوم على المحبة والتآلف، وأحيانًا تكون مصالحة الآخرين فرصة سانحة لرجوع العلاقات أقوى مما كانت عليه في السابق، وذلك إذا ما كان الأساس صحيحًا وقويًا.

وفي الختام، أود التنويه إلى أمر هام جدًا فيما يتعلق بالتوفيق بين المتنازعين، وهو العدل، فالعدل أساس الملك كما يقولون، فكما تقوم الدول على العدل، لا يمكن كذلك بناء علاقات قوية فيما بيننا إذا كان أساسها الظلم والجور على حقوق الآخرين المادية والمعنوية، فلتتدخل لصلح الآخرين مع العدل بينهما والإنصاف وحمل الطرف المتعدي على رفع ظلمه وتعديه عن الطرف الآخر، وإلا يكون الصلح جائرًا وتحسينًا لصورة الأطراف المتعدية على حساب الطرف الواقع عليه الظلم.

Source: ts3a.com
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!