زين أبو رافع
على أرضية نتائج حرب غزة الأخيرة، يعود الملف الفلسطيني بقوة على الأجندة الدولية، وجهود القاهرة في القطاع، ومحاولاتها في إدارة ملفي تبادل الأسرى وإعادة إعمار القطاع، جعل من مصر اليوم ومن خلال غزة دولة تجبر الولايات المتحدة بالعودة للاعتراف بدورها الإقليمي في المنطقة، مما يدفع الآراء لأنْ تنقسم حول هذا السعي من مصر، فهل تريد (من خلال دورها الهام الذي تلعبه اليوم في غزة) احتواء حماس أم احتواء الأزمة، أم حماية نفسها من مشروع سد النهضة الذي يهدد وجودها، وإزالة ملف حقوق الإنسان المُدرج على جدول أعمال الولايات المتحدة الأمريكية؟
دور هام
كشف مصدر، رفض الكشف عن اسمه لوسائل الإعلام أن تقدماً جرى على صعيد تفاهمات تثبيت التهدئة في قطاع غزة، وتسريع وتيرة إعادة إعمار ما دمرته الحرب الإسرائيلية الأخيرة في مايو/أيار الماضي، وجهود تخفيف الحصار المفروض منذ 15 عاماً، وذلك خلال اجتماع رئيس حركة حماس اسماعيل هنية مع رئيس جهاز المخابرات المصرية عباس كامل، فالتصعيد الأخير بين إسرائيل وحماس أعاد مصر إلى دائرة الضوء، وعزز أهميتها في إدارة أحد أهم قضايا الشرق الأوسط، فخلال الفترة الأخيرة المنصرمة أي من 11 أيار حتى الآن، حيث قدمت مصر دوراً هاماً في ملف قطاع غزة، وكانت التحركات التي قامت بها من أجل تهدئة الأوضاع وفرض هدنة في قطاع غزة، سبباً بوضعها تحت الأضواء من جديد، حيث نشطت القاهرة لإنجاز عدة ملفات، أبرزها تثبيت وقف إطلاق النار، والوصول إلى هدنة طويلة الأمد بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، الأمر الذي دفع واشنطن وعلى الرغم من الخلافات حول ملف حقوق الإنسان إدارة الرئيس جون بايدن، استئناف تعاونها مع القاهرة على أعلى المستويات، مما منح مصر اعترافاً دولياً بدورها الإقليمي، وذلك بسبب دورها الأكثر بروزاً مما سبق من الحروب السابقة على غزة، حيث تعاملت مع حركة حماس بشكل براغماتي وبعيداً عن جذور الحركة التي تم تصنيفها على أنها تنظيم إرهابي، وذلك من أجل احتواء الصراع.
أمر طارئ
تعتبر حفصة حلاوة الباحثة غير المقيمة بمعهد الشرق الأوسط،، أن مصر تعلمت كيف تتخطى العثرات في علاقاتها مع واشنطن، وبعد أن أثبتت دورها في موضوع غزة فإنها كسبت مساحة تتيح لها التقاط الأنفاس فيما يتعلق بسجل حقوق الانسان، كما أشارت الباحثة إلى أن القاهرة أصبحت فاعلاً “يتحلى بالصبر” في مجال السياسة الخارجية، وهذا نابع من اعتقاد راسخ في قلب المؤسسة أن مصر أكبر من أن تفشل، أما أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل، بلال الشوبكي، رأى أن التحرك المصري في قطاع غزة مدفوع بأهداف مصرية وأخرى إقليمية وتحفيز دولي، حيث أوضح بقوله: “هذا التحرك يهدف لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، وإسعاف إسرائيل التي منيت بهزيمة خلال الحرب الأخيرة”، وأضاف عن حماس: “دوماً سعت الولايات المتحدة لتحجيم حركة حماس، والدور المصري في طياته تحجيم للحركة عبر ربط ملف الإعمار بالحكومة الفلسطينية (في رام الله)، لكن من غير الممكن تطويعها واحتوائها، وأوضح ذلك بقوله: “الزيارات المكوكية لشخصيات سياسية إلى رام الله ليست لتعزيز مسار التسوية، بل للتأكيد أن السلطة الفلسطينية والحكومة هما الجهة المسؤولة عن ملف إعادة الإعمار، وأن التعاون والتعاطي مع حركة حماس هو أمر طارئ ومع تثبيت التهدئة ينتهي”.
لماذا غزة؟
جانبان مهمان تسعى مصر للوصول إليها من خلال عودتها وبشكل قوي إلى الساحة الإقليمية، ودورها الذي فرض نفسه على ملف غزة بشكل كامل، وانقلاب تعاملها مع حركة حماس، فالجانب الأول يتجلى بمشروع سد النهضة الكبير على النيل الأزرق، الذي سبب توترات لمصر مع أثيوبيا، فالأخيرة توضح أن هذا المشروع يُنقذ 110 ملايين مواطن أثيوبي من الفقر، إلا أن هذا السد سوف يشكل تهديداً وجودياً لمصر، أما الجانب الآخر يتضمن المساعدات التي تحصل عليها مصر من الولايات المتحدة والتي فرضت تقليصها بسبب ملف حقوق الإنسان الذي ما زال مطروح على جدول أعمالها، وبالتالي هذين الجانبين يمكن لإسرائيل أن تؤثر فيهما على الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تريد من إسرائيل أن تواصِل حثَّ إدارة بايدن على الحدِّ من انتقاداتها لسجل مصر في مجال حقوق الإنسان، بالمقابل بدأت شركة مصر للطيران في تسيير رحلات مباشرة بين القاهرة وتل أبيب في الثالث من الشهر الجاري، كنوع من التطبيع العلني ولكن بحذر، مما دفع مصر إلى ضرورة عودتها إلى الساحة الإقليمية من جديد وذلك من خلال دورها الهام في قضية فلسطين.
تقاطع مصالح
ما جرى وما يجري حتى الآن من قبل حركة حماس، ومصر، وإسرائيل، يدل على أن هناك تقاطع مصالح في التحرك المصري بقطاع غزة، أولها مصلحة مصرية وذلك بلعب دور كبير ومهم في أهم القضايا العربية، وإعادة دورها المحوري كوسيط بين الطرفين، فاللقاء الدافئ مع رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في شهر أيلول الماضي، والذي حظي بترحيبٍ كبيرٍ من بايدن، كان وسيلةً للقاهرة لتذكير الولايات المتحدة بأنها لاعب لا بديل عنه في الحفاظ على الاستقرار في المنطقة، ولا ينبغي الضغط عليها بشدة في شؤونها الداخلية، وقد أحرزت مصر تقدماً كبيراً في ترسيخ تلك الصورة في عيون الأمريكيين خلال الفترة الماضية، كما أن إسرائيل لعبت دوراً كبيراً بتوضيح أهمية دور مصر في غزة، حيث أفصحت علناً بالتشديد على دور مصر، إذ أكد وزير الخارجية الإسرائيلي لئير لبيد، خلال خطابه حول غزة في الشهر الماضي، على “الأهمية الحاسمة لمصر”، قائلاً: “لن يحدث أيُّ شيء بدون دعم ومشاركة شركائنا المصريين وبدون قدرتهم على التحدث إلى جميع الأطراف”، أما مصلحة حركة حماس فهي لعب الدور الرئيسي في القضية لمنافسة السلطة في رام الله، وتجلى ذلك بشكل واضح من خلال الزيارات لبعض الدول العربية، وبالنسبة إسرائيل وعبر الولايات المتحدة ومصر وحتى عبر السلطة الفلسطينية، تكمن مصلحتها في احتواء حماس، وتسكين الأزمة، من أجل الوصول إلى صفقة تبادل أسرى”.
الإعلام المصري
حتى الإعلام المصري وعلى غير عادته، لم يقف مكتوف الأيدي حيال ما حدث في غزة خلال الأشهر الأخيرة، حيث قام بتغطية مفتوحة لأحداث الحرب في غزة، واستخدم كلمات لم يسبق ورودها في الإعلام المصري مثل الذي كتبته صحيفة الأهرام التي وصفت إسرائيل بالاحتلال، وحماس بالمقاومة، وقد انتشرت تسريبات بأن تعليمات سيادية مباشرة صدرت من جهاز المخابرات لوسائل الإعلام بتكثيف تناول التصعيد الإسرائيلي، وعدم التعرض لحركة حماس بالانتقاد أو الهجوم، وانتهاج خطاب إعلامي يستند إلى أن إسرائيل هي من بادرت بالعدوان، وأن ما فعلته المقاومة هو رد فعل، مما دفع مصر للعودة إلى دورها الإقليمي واستعادت مكانتها في أن تكون المسؤول الوحيد عما يجري في غزة، وذلك بعد أن دخلت دول إقليمية سابقاً على خط القضية الفلسطينية مثل تركيا وقطر.
أخيراً وليس آخراً يبدو أن هذه الأهداف تقوم على بعضها، فتثبيت الهدنة يسمح بالبدء في عملية الإعمار بسرعة، ويحمي إسرائيل من أي هوم مفاجئ لحماس، كما يساعد ذلك مصر على استعادة دورها وتحقيق أهدافها فيما يخص سد النهضة الأثيوبي، أما استئناف السلام فهو يتطلب توحيد الصف الفلسطيني واستكمال جهود القاهرة الدائمة، لتأكيد المصالحة وتوحيد الصف بالشكل الذى يسمح بأي تحركات قادمة، أي إذا استمرت حماس في سياستها والسلطة الفلسطينية أيضاً بسياستها لوحدها، فلن تصل مصر إلى أي اتفاق نحو السلام مع إسرائيل، الذي طالما سعت إليه الكثير من الدول سابقاً.
Source: Raialyoum.com