معاً.. ضد الغلو والجفاء

ومن سماتِ أهلِ الغلو والجفاء الجهلُ بدين الله؛ ولا علاجَ للجهلِ أنجعَ من نشر العلمِ وتعليمِ الناس أمورَ دينهم حتى لا يلتبسَ الحقُّ بالباطل...

إذا اجتمعَ الجهلُ بدين الله مع إتباعِ الهوى والحماسةِ المتهورة ينتجُ عن هذه “الخلطة” أمرٌ قبيحٌ ولاريب؛ وهذا ما نعيشُه مع حماقاتِ الغُلاة وفضائحِ الجُفاة الذين شقيت بهم أمةُ الإسلام في هذه الحِقب. وقد اختلفت الإجراءاتُ المتَّبعةُ تجاه هذين الطرفين؛ فهناك مَنْ يحاربُ الغلو ويتغافلُ عن الجفاء إنْ لم يؤيده؛ ويوجدُ مَنْ يهاجمُ الجفاةَ تاركاً المسرحَ للغلاةِ إنْ لم يُسوغْ جرائمهم ، والمنهجُ الوسَطُ الواجبُ إتباعه مقاومةُ الطرفين وكلِّ مفسدٍ في الأرضِ حفظاً لدين الله ومصالحِ الناس وأمنِ الديار واستقرارِ الأمر.

وفي الآونةِ الأخيرةِ حدثتْ عدَّةُ أحداثٍ محرَّمة شرعاً ومرفوضة عقلاً ومصلحةً في عددٍ من بلدان المسلمين كمصرَ والمغربِ والجزائر والسعودية، شملتْ تفجيراتٍ واغتيالاتٍ وعَزَمَاتٍ آثمةً لضربِ اقتصادِ المسلمين وحرمان النَّاسِ من خير ما أودعه الله في أراضيهم. وقد تعددت وتنوعت وسائلُ حربِ هذا الغلو منذُ عدَّةِ عقودٍ دون القدرةِ على إخماده تماماً مما أوجبَ إعادةَ النظرِ في سُبُلٍ أخرى لصالح المسلمين دياراً وشعوباً.

ومن سماتِ أهلِ الغلو والجفاء الجهلُ بدين الله؛ ولا علاجَ للجهلِ أنجعَ من نشر العلمِ وتعليمِ الناس أمورَ دينهم حتى لا يلتبسَ الحقُّ بالباطل؛ على أنْ يكونَ هذا النشرُ بواسطةِ العلماءِ وطلاَّبِ العلمِ الذين يملكونَ رُسُوخَ القدم وأمانةَ الكلمة والقبولَ العام ومن غير قيودٍ رسميةٍ أوحصارٍ إعلامي؛ وهذا واجبٌ في أعناقِ العلماءِ وعلى الحكوماتِ الرعايةُ والحماية.

ومن نشرِ العلمِ ورفعةِ شأنهِ حفظُ هيبةِ المرجعياتِ العلميةِ ولجانِ الفتوى؛ لأنَّ الاستهزاءَ بهم والتقليلَ من قدرهم ومنعَ مشاركةِ العلماء الربَّانيين في هذه الجهات سيقودُ إلى إسقاطِ الهيئات العلمية والإفتائية في نظرِ العامَّة – ومن ضمنهم الغلاةُ والجفاة – وفي هذه النتيجةِ من الخسارةِ ما لا يخفى على النظر.

وللحسبةِ وأهلِها أثرٌ بيَّنٌ في دفع أذى الفريقين؛ فبالحسبة يُقضى على المنكرات التي يطربُ لها الجفاةُ وتزيد صفوفهم وفي القضاءِ على هذه المخالفاتِ هدمٌ لركنٍ يأوي إليه الغلاةُ في دعواهم الباطلةِ شرعاً؛ فيا لله والمسلمين كمْ في الحسبةِ من خيرٍ وأمنٍ واستقرار ! وبعضُ الغَشَشَة يعادي الحسبة أو يدعو لإلغائها من مجتمعاتِ المسلمين.

وعلى الدُعاةِ والكُتَّابِ واجبٌ تبصيري ومسؤوليةٌ تنويريةٌ تجاه الناس والمجتمع؛ ومن مفرداتِ هذا الواجب ردُّ الأمةِ للكتابِ والسنَّةِ وإلى علمائِها الربَّانيين؛ وبيانُ حقوقِ المرجعياتِ العلميةِ والنظاميةِ وضرورةِ الأمنِ والحفاظِ على البلاد والأوطان الإسلامية حتى لا تضيعَ في جملةِ ما ضاعَ من ديارِ المسلمين.

ومما يُحجَّم الشر وأهله قيامُ الحكوماتِ الإسلامية بواجبها الشرعي من إقامة الحكم والنظام وفق الشريعة الإسلامية في كل شيء إضافةً إلى إعادة بناء مناهج التعليم على أساس مخرجاتٍ مؤمنة بربها-سبحانه- متبعة نبيها – عليه الصلاة والسلام- موقرة علمائها وحكامها محبة أوطانها ساعية إلى ذرى المجد والسؤدد. ومن واجب الحكومات فتح منافذ التعبير الحر المنضبط وتوسيع دائرة المشاركة الشعبية وإفساح المجال للمؤسسات غير الربحية ودعمها وختام ذلك التفات دائم وتحسس مستمر لحاجات الشعوب ورغباتها الشرعية قياماً بالأمانة ومنعاً لأي احتقان أو غليان.

ووسائلُ الإعلام مطالبةٌ بالصدق والأمانة والتوافق مع المصلحة الشرعية العامة للمجتمع المسلم؛ وفي بعض تطبيقات هذه الوسائل التجني والافتراء وسوء المشورة من أساطينها في العلن والخفاء ومن ” خبراء شؤون الجماعات الإسلامية “؛ ولا نعجب من غثائية طرح الجفاة الأصليين أوالمنتكسين عن الغلو وخطَلِ رأيهم الذي لم يثمر في القضاء على الغلو بل زاد منه وكان سبباً لضراوته؛ بل نستغرب من الاستماع لهؤلاء أو الأخذ برأيهم وبعضهم أحيانا لافرق عنده بين أن يقول أو يبول ! هذا في أكثرِ وسائل إعلام المسلمين التي تنطق باسم فئةٍ قليلة على حساب كلِّ عواملِ الاجتماع في البلدان الإسلامية، وإلى الله ثم إلى أولى الأمر الشكوى.

ومع كلِّ الجهود المشكورة للجهات المسؤولة عن الأمن في قطع الطرق على الغلاة وحجزهم عن الإيذاء والتخريب إلا أنَّنا نتمنى أن تلتفت وزارات الداخلية للطرف الآخر من المعادلة الذين تجافوا عن دين الله ولم يرفعوا به رأساً وجلبوا سخط الناس وغضبهم، وتتأكد هذه الدعوة مع الإشارات المتكررة والحوادث المشهورة عن تواصل بعض هذه الفئات من المتلبررين أو الضُّلال أو الحاقدين مع دوائرَ غربيةٍ استخباراتية وإعلامية وحقوقية . كما أنَّ من الحكمةَ التي لا تغيب عن بال الأمن ورجالاته ألاَّ يَدخلَ السجنَ مَنْ لم يثبتْ عليه شيءٌ وألاَّ يخرجَ منه أحدٌ وهو أشدُّ إيغالاً في تطرفه مما كان .كما أنَّ فضحَ الداعمين لهذين الطرفين مادياً ومعنوياً مطلبٌ ملِّحٌ ما لم تقتضِ الضرورةُ الأمنيةُ تأجيله.

ولجميعِ مؤسساتِ المجتمعِ الأسرية والتربوية والتعليمية والثقافية والتجارية والترفيهية مجالٌ واسعٌ في الحربِ على ظاهرتي الغلو والجفاء والميدانُ فسيحٌ لجهدهم وجهادهم في منظومةٍ من التعاون والتكاتفِ مع جميعِ الجهاتِ الأخرى المعنية حتى تخلوَ بلادُ المسلمين من هذه النباتات السامَّة؛ وعلى الله قصدُ السبيل.

Source: www.almoslim.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *