معرض «ترانزيت» للمصري محمد خضر: حكايات ذات هائمة عن المدينة وناسها

القاهرة ــ «القدس العربي»: ستظل اللحظة الحاضرة هي المُعبّر عن زمن وهمي، نختلقه ونحاول تجسيده من خلال اللغة وحدها، لكن انعكاسها على الإنسان والمكان بالتبعية لا يوحي إلا بكونها لحظة ساكنة، خارج إطار الزمن، هذه اللحظة التي يتقاسمها ما كان وما سيكون، فهل يمكننا القبض عليها والتفكير من خلالها؟ هنا يبدو ما تحمله من ثقل […]

معرض «ترانزيت» للمصري محمد خضر: حكايات ذات هائمة عن المدينة وناسها

[wpcc-script type=”2b39317d6883676074bae642-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: ستظل اللحظة الحاضرة هي المُعبّر عن زمن وهمي، نختلقه ونحاول تجسيده من خلال اللغة وحدها، لكن انعكاسها على الإنسان والمكان بالتبعية لا يوحي إلا بكونها لحظة ساكنة، خارج إطار الزمن، هذه اللحظة التي يتقاسمها ما كان وما سيكون، فهل يمكننا القبض عليها والتفكير من خلالها؟ هنا يبدو ما تحمله من ثقل وخفة في آن، مفارقة قائمة لا حل لها. ولك أن تصف هذه اللحظة ومدلولاتها كيفما تشاء، لكنها في الغالب تُشكّل حالة (انتظار)، هذه الحالة التي تختلف بدورها، ومدى تأثيرها النسبي من كائن لآخر. «ترانزيت» هو العنوان الذي اختاره الفنان محمد خضر لمعرضه المقام حالياً في غاليري أوبنتو في القاهرة، هذا العنوان الذي يصبح بدوره علامة تدل على الحال الذي تجسده، من خلال عدة لوحات متنوعة الموضوعات، وإن كانت تنتظمها نغمة واحدة، هي اللحظة الراهنة، أو بمعنى آخر حالة الانتظار المقيم. ورغم تنوع اللوحات في تجسيد هذه الحالة، من شخوص إلى أماكن وجمادات، إلا أنها تختلق عالما كاملا يعيش هذه الحالة، قد نلمح الاحتفاء في بعض اللقطات، ووحدة وندماً في لقطات أخرى، إضافة إلى اللون الذي يؤكد هذه الحالة، التي تقف بين زمنين، هنا يأتي الأبيض والأسود، ليس تعبيراً مدرسياً عن مستقبل أو ماض، لكنك لا تدري أي منهما ينتمي لهذا الزمن أو ذاك، ومع حضور للون آخر ينفلت في لوحة ما، فما هو إلا لحظة حلم يمر سريعاً في ظل هذا السكون، وإن عاش أبطاله ولا يزالون صخباً لم يهدأ ولن ينتهي.

الهائمون

ما بين بورتريهات لنساء مختلفات يحتفين بوحدتهن ــ وليس كل احتفاء سعادة ــ تتواتر هذه النغمة حتى وسط الحشود من الكائنات الأخرى، فيتسع الإطار/الكادر من اللقطات القريبة إلى اللقطات العامة، وكأن الأمر سرد لحكاية أو قصة خروج الشخصيات على أمل تفاعلها بين آخرين، لكن ملامح صاحبات البورتريهات تصبح أشباحاً بدورها، وقد أصبحت أكثر اغتراباً بين الآخرين، فالكل متشابه في هذا المكان أو ذاك ..

ما بين لونين أسود وأبيض، يتصدر الأول صياغة الحكايات، تجسيداً حاداً لهذه الرؤية أو الأزمة، وما لمسات اللون المختلف إلا أملاً في تجاوز هذه الحالة، من هنا يتخلق شيء من التوتر/الدراما في اللوحات.

مطارات، شوارع وميادين وسط المدينة الشهيرة، رؤية الفنان هنا لا تعبّر عن ذات مفردة قاصرة تتاجر بنرجسيتها، لكنها تعبير أكثر دقة عن حال الكثيرين، ويفسر هذا كون هؤلاء في مكان مثل المطار مثلاً ــ المكان المباشر لعنوان المعرض، ورغم جمال اللوحات إلا أن المباشرة أفسدته ــ نرى المسافرين وحالات انتظارهم المختلفة، لكن في هذه اللحظة تنعكس صورتهم على الأرض، أو تتم رؤيتهم من وراء الزجاج، مساحات كبيرة من الزجاج، وكأنهم مرضى في مكان يجمعهم بالجسد فقط، لكنهم هائمون، عديمو الملامح، المسافات بينهم بعيدة، وخطواتهم تتسارع بلا جدوى، أو تتوقف فجأة لا تعرف ماذا تفعل أو تريد، وكأنها اكتشفت نفسها مصادفة، أو طالعت وجهها غفلة في مرآة. وإن كان هذا حال المخاليق، فالزعماء الذين أصبحوا ينتصبون تماثيل على رأس الميادين، هم أيضاً في حالة انتظار لا ينتهي، وفي الأسفل يكون الزحام والصراخ، هذه المدينة التي تغيّرت وتشوهت وانزوت، وهم فقط ــ الزعماء التماثيل ــ يشهدون غيابهم أكثر عن وعي وذاكرة المخاليق. وما بين بورتريه غادر إطاره وحاول أن يغادر مكاناً، تتأنسن بعض الأشياء (السيارات)، التي بدورها تتوقف في إشارة مرور لا تنتهي، فقط عيون مصابيحها المضاءة وأمطار غزيرة تحاول في استماتة حجب رؤيتها. هكذا الناس، وهكذا مدينتهم.

يقين اللون المفقود

ما بين لونين أسود وأبيض، يتصدر الأول صياغة الحكايات، تجسيداً حاداً لهذه الرؤية أو الأزمة، وما لمسات اللون المختلف إلا أملاً في تجاوز هذه الحالة، من هنا يتخلق شيء من التوتر/الدراما في اللوحات، فرغم التعامل من خلال لونين ضدين، ويمثلان حداً فاصلاً، إلا أن هذا المطلق من الأحكام هائم بدوره، ولا يمتلك ثقة كاملة في وجوده، فقط تجسيد لحظة تمتد إلى زمن غير معلوم. وفي سبيل هذه اللحظة ونسبيتها، فسكونها الظاهري يسكنه الكثير من صخب، وقد حاول الفنان أن يُسكِت شريط الصوت المُصاحب لهذه الحالات ــ الذي يمكن تخيله وسماعه ــ كل حسبما يرى أو يفكر، وهي مفارقة محسوبة تتوافق وحالات الضد التي يجسدها. ومن فكرة انتفاء الأحكام القاطعة والثقة واليقين، يأتي الحِس التأثيري في شكل جديد، فلا هؤلاء هم الناس ولا هذه الميادين وتماثيلها هي في وقائعيتها ووجودها اليومي المعتاد، ومن خلال هذه المفارقة، يؤكد الأسلوب موضوعه، ويُصر صاحبه على تجسيد رؤاه، بدون افتعال واستعراض مهارات في غير مكانها، كغيره من الموهومين بالفن، والذين يستحقون الشفقة أكثر من السخرية.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *