معرض «ذات» للفنانة المصرية أحلام فكري عن طقوس الوحدة وجمالياتها
[wpcc-script type=”7a5429f66379ec1dd435184a-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: في ظل صرعة المعارض التشكيلية التي تقام في القاهرة على مدار العام، خاصة كانت أو جماعية، إضافة إلى معارض الدولة التي في أغلبها تكرار لا طائل منه سوى تسديد خانات لا أكثر، تأتي أعمال فارقة، ويبدو أصحابها في الغالب لا يشغلهم إلا عملهم وعالمهم الفني. ويأتي معرض الفنانة أحلام فكري المعنون بـ«ذات» الذي أقيم في قاعة الباب في دار الأوبرا المصرية، ليصبح إضافة إلى مسيرتها وكذلك التشكيل المصري.
استنزاف الذاكرة
قد تبدو النظرة الأولى إلى اللوحات بتكويناتها وألوانها الصاخبة، من حيث نقاء اللون والإضاءة الاحتفائية، أنها لوحات/لقطات يومية أو اعتيادية لامرأة تعيش الوحدة، لكن الأمر أبعد من ذلك، فهناك مقارنة دائمة بين واقع هذه اللقطات أو الحالة، وذكريات بعيدة هي المحرّض عليها، حكايات مطموسة لم يظهر منها أو يُحكى غير القليل، وعلى المتلقي أن ينسج بدوه تفاصيل الحكاية من بدايتها، كيف كانت، وكيف وصلت إلى هذا الحد. الأمر أشبه بحالة مجهِدة من استنزاف ذاكرة تستمتع بهذا اللعب، حتى لو كان في منتهى القسوة.
حالة التآلف
والتآلف هنا يأتي من محاولة خلق عالم متناغم، ما بين الشخصية وعالمها، جمادات أو حيوانات.. وسائد، مناضد، مقاعد شاغرة تتذكر بدورها بدون أن تنتظر، قط أليف، وهكذا أشياء تتآلف وتخلق احتفاء بهذه الوحدة. وبعيدا عن تهويمات (المرأة الوحيدة التي تم استهلاكها في الأعمال الفنية، وقد أصبحت ثيمة سخيفة، وكأننا أمام نساء مهوسات ومتاجرات بوحدتهن، ناهيك عن المتاجرة بكونهن ــ الفنانات ــ شرقيات، ويردن إيصال الصورة النمطية ومفرداتها، من قهر وعذاب وما شابه من هذه المفردات. هنا تبتعد الفنانة أحلام فكري تماما عن هذه الدعاية المقيتة، ولا تلوذ إلا بنفسها، كمحاولة للتعبير عن تجربة تتلمس الصدق الفني، فلا اغتراب ولا استغراب ولا تجريب بدون وعي. حالة الشخص الوحيد المتآلف والمتناغم مع عالم يخلقه ويحتفي به، بدون أدنى اهتمام بما هو خارجه، هي حالة يمكن أن نطلق عليها (بعد ما بعد الحداثة)، حيث تشيّد الشخصية عالما متكاملا يخصها، تتحاور معه وتعيش من خلاله، وعلى الآخرين الدخول إلى هذه التجربة والتأثر بها قدر الإمكان، سواء كان اتفاقا أو اختلافا.
هناك أشباه للمرأة، أو نسخ مككرة منها، حتى تتوالد وتتكرر الأجساد، وهي تعطي ظهرها للعالم وتطالعنا.
يبدو هذا واضحا في الألوان التي تحتل مساحات كبيرة من جسد الشخصية/ المرأة، ألوان مختلفة ــ حارة في أغلبها ــ إضافة إلى بعد الرموز المعهودة، دونما استغراب، من حيث دلالتها أو وضعيتها في تكوين اللوحـــة.. برواز يحمل صورة رجل وامرأة على سبيل المثال، وآخــــر تكوين لخيال مآته، حتى فكرة الجمهور المستمتع بعزف المــرأة، جمهور يبدو ككتلة بعيدة ومن عالم لا ينتمي إليها، لكنه يستمع وينصت.
من ناحية أخرى لا تبدو الوحدة في شكلها التقليدي أو الاستهلاكي، هناك أشباه للمرأة، أو نسخ مككرة منها، حتى تتوالد وتتكرر الأجساد، وهي تعطي ظهرها للعالم وتطالعنا نحن، وكأن محاولات الشخصية للتواصل قد انتفت تماما، وتأكد يقينها بأنه لا جدوى من المحاولات المستميتة التي قامت بها، فهي كما هي الآن، تستمتع بهذا العالم رغم قسوته، حتى في الإيحاء بفعل الحب، هنا جسد امرأة، ومن خلال اللون تنقسم إلى نصفين، يحتضن كل منهما الآخر، حتى هذا الفعل تبدو عليه السخرية الشديدة، رغم حالة التأسي الأكثر حدة، لكن دونما أي نغمة للتباكي، فهذا ما كان، وها هي الآن، تعطي ظهرها لعالم سخيف، وتعزف موسيقاها، رغم البرودة والتأنق الزائف للجمهور، جمهور العرض، وجمهور المعارض، وأي مشاهد يلقي بأحكامه المسبقة عليها وعلى أفعالها وعالمها.