معرض «صَبَا» للفنان وجيه يسّى: محاولة الاحتفاء بزمن فائت

القاهرة ــ «القدس العربي»: «صَبَا» هو الاسم الذي اختاره الفنان وجيه يسّى عنواناً لمعرضه المُقام مؤخراً في غاليري بيكاسو في القاهرة. والـ(الصَبَا) كما هو معروف أحد مقامات الموسيقى العربية، وأكثرها تأثيراً في المُستمع الشرقي، لما يحمله من طابع الحزن والوحدة والسمو الروحي والخشوع ـ يؤدي من خلاله الكثير من مُقرئي القرآن ـ كذلك يعد هذا […]

معرض «صَبَا» للفنان وجيه يسّى: محاولة الاحتفاء بزمن فائت

[wpcc-script type=”11b563948495b0618bcbf4ef-text/javascript”]

القاهرة ــ «القدس العربي»: «صَبَا» هو الاسم الذي اختاره الفنان وجيه يسّى عنواناً لمعرضه المُقام مؤخراً في غاليري بيكاسو في القاهرة. والـ(الصَبَا) كما هو معروف أحد مقامات الموسيقى العربية، وأكثرها تأثيراً في المُستمع الشرقي، لما يحمله من طابع الحزن والوحدة والسمو الروحي والخشوع ـ يؤدي من خلاله الكثير من مُقرئي القرآن ـ كذلك يعد هذا المقام مُعبّرا قويا عن حالة التفرد والعزلة. من ناحية أخرى يبدو الصَبَا من أصعب المقامات الموسيقية، فهو محدود يتفاداه الكثير من الملحنين، فيقربونه في حذر لتلحين بعض المقاطع، ثم يفرّون منه إلى المقامات الأخرى. ومن أشهر أغنيات هذا المقام أغنية «هو صحيح الهوى غلاب» لأم كلثوم، من كلمات بيرم التونسي وألحان زكريا أحمد. ولسنا بصدد الحديث عن الموسيقى، إلا أن الأمر يرتبط بلوحات وجيه يسّى، والحالة التي أراد إيصالها من خلال اختياره لهذا العنوان.

العديد من لوحات المعرض جاءت لاستعراض حالات أم كلثوم، أثناء حفلاتها الغنائية المختلفة، بداية من صورتها المعهودة وهي جالسة تنتظر بداية الحفل وانتهاء المقدمة الموسيقية، وصولاً إلى حالة تمايلها وتماهيها التام مع الموسيقى والكلمات التي تغنيها. فكرة التشخيص هنا، وأم كلثوم بالذات تم تناولها من خلال العديد من الفنانين، سواء بصورة مباشرة كأعمال جورج بهجوري الكاريكاتيرية، أو منحوتات آدم حنين، أو تعبيراً عن أغنياتها بصورة مجازية من خلال أعمال حلمي التوني. هنا يحاول يسّى التوصل إلى حالة المطربة الأشهر في الشرق من خلال أسلوب تأثيري يحمل قدراً من التجريد. لم يقتصر المعرض على أم كلثوم وفرقتها الشهيرة، بل ضم بعض البورتريهات لكبار مؤلفي الموسيقى والملحنين المصريين، على رأسهم سيد درويش، إضافة إلى عبد الوهاب، رياض السنباطي وبليغ حمدي. كذلك لم ينس يسّى التذكير بالموسيقى الشعبية، من خلال استعراض بعض من عازفي الآلات الشعبية، كالربابة والمزمار البلدي، في ملابسهم المعهودة كالجلباب والعمامة، تجسيداً لحال الموسيقى الشعبية، كرافد أساسي للموسيقى المصرية. وربما جاء تجسيد هؤلاء أكثر تأثيراً من وجوه المطربين المعروفين، وهو ما أوضح المفارقة المسيطرة بين حالة التشخيص لوجوه معروفة وحالة اللون المُتحقق في حرية أكثر جمالاً وبراعة فنية عنها في اللوحات ذات الأسلوب الأكثر تجريداً.


وما بين حالة التشخيص المقيّدة، واللون الحُر تبدو المفارقة في المعرض. بداية يستخدم الفنان الألوان المائية، وهي مادة صعبة وتحتاج إلى مهارة وخبرة فنية طويلتين، كذلك أسلوب التجريد في بعض اللوحات، خاصة لوحة العازف الذي يتداخل مع آلته، وكأنهما جسد واحد، ويبدو تداخل الألوان وتدرجها أنه يوحي بحالة التماهي بين الفنان واللحن الذي يعزفه. المساحة اللونية هنا وحدها هي التي تنتج الحالة التي يستقبلها المُتلقي، بدون أن ينحصر الأمر في مجرد التشخيص، خاصة أن الشخصيات على قدر من الشهرة، تُحتم مقارنات ما بين الشخصية الحقيقية واللوحة المرسومة. هنا تتقيّد اللوحة بصورة مُسبقة، حتى إن اجتهد الفنان في تجسيدها عبر لوحاته، حتى أنه في بعضها يحاول الإفلات من هذا القيد، بأن يجعل أم كلثوم الجالسة أمام فرقتها وهي تنتظر انتهاء عزف المقدمة الموسيقية، تبدو بدون ملامح محددة للوجه، فتتحول اللوحة من مجرد لقطة توثيقية لصورة معهودة إلى عمل فني يتجاوز حدود الصورة في وعي المتلقي، بمعنى اختلاق حالة أخرى على المتلقي استيعابها والإحساس بتأثيرها، من خلال التكوين والتدرج اللوني فقط. بمعنى الاقتراب أكثر من الموسيقى وعالمها. ويبدو أن وجيه يسّى انتهج نهج الملحنين بالفعل في لوحاته، فاقترب ثم فرّ مسرعا إلى مقامات أخرى.

Source: alghad.com

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *