معرض «نفاذية الشكل» للمصري ناثان دوس: السخرية ومفارقة إساءات الفهم
[wpcc-script type=”12e0f82ef341ccea2af1fcdf-text/javascript”]

القاهرة ـ «القدس العربي»: بداية يمكن أن يُساء فهمك، وبالتالي يتم التعامل معك وفق هذه الحالة، ولكن قد يتطور الأمر أكثر لتصبح (أنت) بدورك تسيئ فهم ذاتك أو قدراتك، فتصبح تحت رحمة (الآخر)، أو بمعنى أدق سُلطة مجهولة، قد تتمثل في عقيدة أو فكرة، وصولا إلى تجسيدها في شخص. وطوال هذه الرحلة يجاهد الإنسان ويعاني، فقط (الحلم) هو السبيل المُستطاع للتجاوز. ومحاولة عبور مسألة إساءة الفهم هذه ليست بالأمر الهين، فضحاياها كثيرون، لكن إنسانيتهم تتجسد في مواصلتهم الحلم، لأنهم تخطوا العديد من الحواجز، واستطاعوا في لحظة التصالح مع أنفسهم، ومعرفة قدراتهم، ولو في غفلة من سُلطة أو زمن. هذه الأفكار التي يصعب تجسيدها في عمل فني يختلف عن الأدب والكتابة الفلسفية، حاول الفنان ناثان دوس مناقشتها من خلال معرضه الذي أقيم في غاليري الزمالك للفن في القاهرة، والمعنون بـ«نفاذية الشكل». ورغم ثقل العنوان وأسماء بعض الأعمال النحتية في المعرض، إلا أن حِس السخرية لا يغيب عنها، فرغم هذا التفلسف البادي، تأتي المنحوتة وتسخر منه، فحتى الفنان لا يريد أن يصبح سُلطة بدوره، فقط يجعل هذه المنحوتات تتجاوز مفهوما قد نراه من خلال مسميات أطلقها عليها صاحبها، وهي مفارقة ملازمة للمعرض ككل.
الشخوص وحالاتها
تأتي المنحوتات/الشخوص لتجسد حالات متباينة من المعاناة، وأزمات متلاحقة، سواء في الأفكار أو الحب أو حتى أبسط الحقوق، كالحلم برغيف العيش و«الجوعان يحلم» كما يقول المثل الشعبي. ونجد عناوين الأعمال مثل.. أحلام البسطاء، مُستعص على الأدلجة، المُتاح والمحظور من المعرفة، خوف الخروج من القالب، حب وشوك، امرأة كالبحر، والآخر. هنا تبدو الأشياء بعيدة تماما عن متناول هؤلاء، وما بين القيود والحلم تتراوح الحالات، إلا أن قيمة الوجود تتجلى في مدى الكشف عن تفاهة وضعف هذه الأغلال، رغم خوف الفكاك منها.
التقنية والأسلوب
ومن خلال خامة البرونز تبدو المنحوتات، رغم صعوبة الخامة وتطويعها، وهي هنا ـ المنحوتات ـ ليست منحوتات تتشكل في كتل صمّاء، بل تبدو الفراغات في الشكل، وكأنها لوحات بالأساس. فكرة الفراغات هنا إضافة إلى كونها مغامرة فنية، في ما تخص الأسلوب الحِرفي للفنان، إلا إنها في الوقت نفسه ذات سمة جمالية في سبيل الفكرة، فهناك عالم هَش، وقيود هَشة، رغم ضغوطها ومحاولاتها المستمرة إيهام الشخص بقوتها، ولا جدوى الخروج عنها أو تجاوزها. أصعب هذه القيود هي ما تتخذ سمة إنسانية، كالحوار بين شخصين على سبيل المثال، كل منهما يتحدث لغة مختلفة، وبالتالي لن يستطيع الفهم أو التواصل، هكذا يرى كل منا (الآخر). الترميز مقصود في شكل اللغة المختلفة، ولكن يمكن أن يمتد الرمز ليشمل كل أشكال الاختلاف، هنا الحوار منقطع، ولن يقوم من الأصل. هذه لمحة سريعة من خلال أحد الأعمال. أما فكرة السلطة الموهومة والمُسيطرة وغير المرئية، فتتمثلها معظم الأعمال.. أُطر خفية يسجن الشخص ذاته من خلالها، وفقط عليه أن يحلم في بعض الأحيان، أو يرتعب من مجرد فكرة تجاوز هذا الإطار أو ذاك. هناك أيضا دعوة لتجاوز المألوف، وحالة الطمأنينة الزائفة التي تتوهمها المخلوقات، وأن السبيل الوحيد هو مجاوزة الخوف، هذا التافه والأكثر تفاهة مما يظن المرتعبون.