‘);
}
مفهوم السيريالية في الشعر العربي الحديث
هي اتجاه شعري ظهرت ملامحه الأولى في الوطن العربي عام 1947م، حينما أصدر الشاعر أورخان ميسر، ود.علي الناصر مجموعة شعرية بعنوان: “سوريال” وقد تضمّنت أشعاراً كُتبت بالأسلوب السريالي، من قُبيل:[١]
- تمثال رائع
- يحمل رأسا كلها عين
- دخان … بريق يعمي الأبصار ضوضاء
المُلاحَظ في هذا المقطع الشعري وغيره من قصائد المجموعة، اعتماد أورخان على النظريّة السرياليّة الغربيّة، فتخلّى عن العَروض كُلياً، واستخدم تقنيّة التكثيف، وأساليب إيقاعيّة جديدة، وبلاغة حديثة من أجل تكوين الصورة الشعريّة، كما يظهر في شعره إدانة المنطق والتوجيه في العمل الفنّي، لأنّ المنطق لا يجب أن يتدخّل في التفاعُل بين العالم الخارجي والروح، كما أصبح لللاوعي الدور الأكبر في تشكيل القصيدة بعد أن تحرَّر من سُلطة الوعي.[١]
‘);
}
على هذا النحو الذي أسّس له أورخان، ووفقاً للنظريّة السيريالية الغربية، ظهر الاتجاه السيريالي في الشعر العربي الحديث على أيدي مجموعة من الشعراء،منهم: أدونيس، وأنسي الحاج وغيرهم ممّن تعمّق في الشعر السريالي العربي، وأعطوه هويّته الخاصة بعدما أفادوا من الإشراقات الصوفيّة، وحريّة الموقف الصوفي الذي يتخطّى العقل والمنطق.[١]
لتُصبح القصيدة السريالية قصيدة ميكانيكيّة قائمة على التجريب، وليس لها حدود، كما أنّها دون رابط لغوي، ودلالي، وإيقاعي، وهي مليئة بالرموز، والإشارات، والمُفردات غير المألوفة، الأمر الذي يمنح القارئ تجربة مُختلفة قائمة على التأنّي، والتحليل العميق، وقراءة القصيدة أكثر من مرّة بعيداً عن حدود الوعي.[١]
خصائص الكتابة في الشعر السريالي
ظهرت الثورة الأدبيّة والفكريّة في الشعر السريالي من خلال ما يأتي:
اللجوء إلى الكتابة اللاإرادية
تعني الكتابة الخارجة عن سيطرة الإرادة، أي إرادة التذكُّر وبالتالي الوعي، وهذه الكتابة مُعادلة للحلم، الأمر الذي يجعل الكتابة وسيلة لاكتشاف الذات، وهكذا يكتشف الشاعر المناطق غير المحدودة في حياته النفسيّة.[٢]
تقوم الكتابة اللاإرادية على انعدام التخطيط المُسبق للكتابة، وانعدام رقابة الوعي، والنظام الكتابي التقليدي، فهي كتابة فوضويّة، بلا نظام، ولا مضمون، وهي نوع من فيض اللاوعي بحُريّة مُطلقة، بعيداً عن الرقابة الاجتماعيّة والرقابة الأخلاقيّة على حد سواء.[٢]
من أجل الوصول إلى الكتابة اللاإراديّة، ينبغي على الشاعر الابتعاد جذرياً عن إغراءات الخارج، والابتعاد عن المشاغل الفردية، والنفعية، والعاطفية، وهنا تكمُن أهميّة الكتابة، فهي ليست مُجرّد فيض في اللاوعي، وإنّما هي رسالة هدفها الكشف عن جوهر الإنسان والكَوْن.[٢]
الخيال
السريالية ثورة ثقافيّة تقضي على قيود الفكر، وتُتيح تعديل سلوك الإنسان، والتصالُح بين الخيال والحياة الواقعيّة، لحلّ التناقُض بينهما، ومن ثمّ لتجاوُز هذا التناقُض وبلوغ ما وراء الواقع، هكذا يبحث السرياليون عن شكل آخر للحياة في رؤية جديدة للعالم، عَبْر تغيير شروط إدراك الواقع عن طريق استخدام مُقاربة جديدة للأشياء قريبة من الجنون.[٢]
ترتكز السريالية على الحبّ بالدرجة الأولى، وفقاً لذلك تُصبح الصورة الشعرية في القصيدة علاقة قائمة بين المرئي واللامرئي، واللاشعور هو الذي يُمليها ويكتبها، مُتجاوزاً المنطق، ومانحاً العالم إدراكاً ذاتياً.[٢]
أوّلية اللغة
أكّدت السريالية على أولية اللغة، بوصفها وسيلة تعبير وعمل، واللغة بالنسبة إلى السريالية نوع من اللغة الأصليّة النابعة من داخل الإنسان، والمُمتزجة بفكره، وهكذا تُصبح اللغة أيضاً حُرة، بل هي الحُريّة نفسها.[٢]
تجليات السريالية في الشعر الحديث
تبدَّت تجليّات السرياليّة في الشعر الحديث، من خلال عدة مظاهر أبرزها ما يأتي:[٣]
- التصريح بالانتماء إلى السريالية وترديد مقولاتها وأفكارها.
- مُحاكاة السرياليين في إطار التأليف الجماعي، حيث اشترك الشاعر أورخان ميسر مع الشاعر علي الناصر في كتابة المجموعة الشعرية سوريال، كما كرّر الشاعر أُنسي الحاج ذات التجربة حينما اشترك مع الشاعر شوقي أبو شقرا في تأليف (أين كنت يا سيدي في الحرب؟)
- الكتابة في محاور الموضوعات التي ركّز عليها السرياليون الغربيّون في شعرهم، ومن أهمّها الأحلام، والجنون، ورَفْض العديد من القواعد الاجتماعيّة، والعلاقة بين الرجل والمرأة.
مثال على القصيدة السريالية في الشعر العربي الحديث
تُعدّ قصيدة أباريق مُهشمة مثالاً على الشعر السريالي، وهي قصيدة الشاعر العراقي عبد الوهاب البياتي، وفيما يأتي مقطع منها:[٤]
- شيّد مدائنك الغداة
- بالقرب من بركان فيزوف. ولا تقنع
- بما دون النجوم
- وليضرم الحب العنيف
- في قلبك النيران. والفرح العميق
- و البائعون نسورهم يتضورون
- جوعا، وأشباه الرجال
- عور العيون
- في مفرق الطرق الجديدة حائرون:
- “لا بد للخفاش
- من ليل. وإن طلع الصباح
- والشاة تنسى وجه راعيها العجوز
- وعلى أبيه الابن، والخبز المبلل بالدموع
- طعم الرماد له. وعين من زجاج
- في رأس قزم. تنكر الضوء الطليق”
المراجع
- ^أبتثسلمى الخضراء الجيوسي، الاتجاهات والحركات في الشعر العربي الحديث، صفحة 543 – 545. بتصرّف.
- ^أبتثجحأدونيس، الصوفية والسريالية، صفحة 124 – 137. بتصرّف.
- ↑محمد اسماعيل دندي، مجلة المعرفة: السريالة والشعر العربي الحديث، صفحة 89 – 95. بتصرّف.
- ↑عبد الوهاب البياتي، اباريق مهشمة، صفحة 5 – 7. بتصرّف.