‘);
}
العدالة في الإسلام
تعرَّف العدالة: بأن يحصل كلُّ من تشابهت أوصافهم على نفس الحقِّ بدون تفريقٍ بينهم، ففي الإسلام لا يوجد شيءٌ مكرَّمٌ ليس له حقٌ، والعدالة في الإسلام أن تعطي هذا الشيء المكرَّم حقَّه الذي يناسبه، سواءً كان هذا الشيء هو المكلَّف نفسه أو زوجه أو ذريته،[١] وأوَّل الحقوق الواجب أداؤها هو حقُّ الله -تعالى- لقوله -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، ولِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا، فأعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ).[٢]
والعدالة في الإسلام مبدأ يحكم كلَّ فئات المجتمع من الفرد إلى الدولة، ويطبَّق على المسالم وعلى العدو، ويطبَّق في كلِّ المجالات السياسيَّة والاقتصاديَّة والاجتماعيَّة والأسريَّة والقضائيَّة، ومبدأ العدالة في الإسلام يتَّسع كلَّما احتاجت مصالح النَّاس ذلك.[٣]
أهمية العدالة في الإسلام
تظهر أهميَّة العدالة في الإسلام بأنَّها الغاية من إنزال الرسل والكتب، قال -تعالى-: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾،[٤] وتشمل العدالة على كثيرٍ من القيم العليا في المجتمع؛ مثل المصلحة والمنفعة والواجب والفضيلة.[٥]
‘);
}
وتشمل العدالة مسائل الأمن من دفع الظالم والانتصار للمظلوم، وحماية النَّفس، وصيانة الفضيلة، وصيانة المال من الغش والربا والسرقة،[٥] وتظهر أهميَّة العدالة في الإسلام بأنَّها تنظِّم كلَّ العلاقات الإنسانيَّة بغضِّ النَّظر عن الصَّداقة والخصومة.[٦]
كما تنظّم مبادئ الحكم الإسلامي؛ لأنَّ غياب العدالة سببٌ في خراب العمران وزوال الحكم، خاصة إذا غابت العدالة عن النِّظام القضائي، وفسد الشاهد والقاضي، كما تدخل العدالة في النظام المالي والتوازن بين تحصيل الأموال بالعدل وصرفها بالحقِّ،[٦] وكلُّ ما سبق نجده في قوله -تعالى-: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ﴾.[٧]
أنواع العدالة في الإسلام
تدخل العدالة في كلِّ جوانب الحياة البشريَّة، ولن نجد مجالاً لا يقوم على العدالة، ومن أنواع العدالة ما يأتي:
العدالة الاقتصادية
تقوم العدالة الاقتصاديَّة في الإسلام على إشباع حاجات الفرد والجماعة، ولا تهمل فطرته وحبّه للتملُّك والتكسُّب، ومثال ذلك إذا سمحت الشَّريعة للفرد بالتملُّك فقد أوجبت عليه من ناحيةٍ ثانيةٍ أداء حقوق الفقراء بالزَّكاة والصَّدقات.[٨]
ومن أمثلة العدالة الاقتصاديَّة في الإسلام: تنظيم دور الدَّولة من إنشاء المشاريع الضخمة إلى مراقبة حركة المال، ومنع الغشِّ والربا والتغرير والاستغلال، ومنع ذلك ولو كان من الحاكم نفسه.[٩]
العدالة الاجتماعية
أسَّس النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- للعدالة في المجتمع بقوله: (أَيُّهَا النَّاسُ، إنَّما أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمِ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وإذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عليه الحَدَّ)،[١٠] ومن أمثلة العدالة الاجتماعية منعه -صلى الله عليه وسلم- التفاوت في المجتمع في الحقوق.[١١]
قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَايْمُ اللهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)؛[١٢] لأنَّ أفراد المجتمع ينقلبون ضدَّه إذا فقدوا العدالة الاجتماعيَّة[١١] ومثال على العدالة الاجتماعيَّة في الإسلام ما أصَّل له الصِّدِّيق -رضي الله عنه- لحماية العدالة الاجتماعيَّة في المجتمع.[١٣]
حيث قال: “القوي منكم ضعيف حتى آخذ الحق منه، والضعيف منكم قوي حتى آخذ الحق له”، لذا تقوم العدالة الاجتماعيَّة في الإسلام على نصرة الضَّعيف، وأنَّه لا يضرُّه ضعفه ما دامت قوَّة المجتمع والقانون معه، فالقويُّ لا ينفعه ماله وسلطانه ما دامت قوَّة المجتمع والقانون ضدَّه.[١٣]
ومثالٌ لتحقيق العدالة الاجتماعيَّة في المجتمع فرض الإسلام التساوي لكلِّ أفراد المجتمع أمام القضاء، ومنع أيّ محاباةٍ أو استثناءٍ في حقوق الله -تعالى-، لذا غضب النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- على من حاول الشَّفاعة في حدٍّ من حدود الله -تعالى-،[١٤] وقال: (أَتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللهِ؟).[١٥]
العدالة السياسية
العدالة السياسيَّة في الإسلام تكون بإشراك جميع من يصلح من أفراد المجتمع في إدارة شؤون البلاد في المشاركة السياسيَّة والتمثيل بهيئات الدولة المختلفة دون إقصاء لأيٍّ منهم من دون سببٍ شرعيٍّ قانونيٍّ مقبولٍ، ولأهميَّة ذلك قيل: إنَّ الله يقيم الدولة العادلة ولو كانت كافرة، ولا يقيم الدولة الظالمة ولو كانت مسلمة.
ومن مظاهر عدم العدالة السياسيَّة إضاعة حقوق الأفراد، وعدم الثقة المتبادلة بين القائد والرعيَّة، وظهور الأمراض الاجتماعيَّة؛ كالرشوة وفساد الأخلاق، ومن مظاهر العدالة الاجتماعيَّة تطبيق القانون على كل من الحكام والمحكومين، ومثال ذلك ما يأتي:
- طلب النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- من الصحابيِّ سواد أن يقتصَّ منه
وذلك بعد أن نكزه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- بعودٍ في بطنه، وليمكن سواداً من الاقتصاص منه: (كشف رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن بطنِه وقال استقِدْ، إلا أن سواداً اعتنقَه فقبَّل بطنَه فقال ما حملكَ على هذا يا سوادُ؟ قال: يا رسولَ اللهِ حضَر ما ترى فأردتُ أن يكون آخرُ العهدِ بك أن يمَسَّ جلدي جلدَك).[١٦]
- ما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
حيث لم يمنع الحقَّ عن أبي مريم السلولي الذي كان قد قتل أخ عمر بن الخطاب، فقال له عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: “والله إني لا أحبك، فرد أبو مريم فقال: أيمنعني عدم حبك ذلك حقاً لي؟ فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا، فرد أبو مريم: فلا ضير إذا، إنما يأسى على الحب النساء”.[١٧]
العدالة القانونية
يقُصد بالعدالة القانونيَّة أن يطبَّق القانون على كلِّ أفراد المجتمع من دون تمييزٍ بينهم، وحقُّ الفرد بالتمثيل القانوني العادل أمام المحاكم على مختلف درجاتها، وأن لا يكون نص القانون؛ ممَّا ينقص حقوقه ويقلل فرصة في الوصول إلى حقه،[١٨] وقد أوجد الإسلام قواعد قانونيَّة تحقِّق العدالة، ومنها ما يأتي:
- العدل بالشهادة ولو كانت ضدَّ القريب ولمصلحة الخصم
قال تعالى: ﴿وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾.[١٩]
- الأمر بالعدل واعتباره واجباً على الحاكم
لقوله تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ﴾.[٢٠]
- المساواة في الأصل الذي يتبعه المساواة في الحقوق
لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا فَضْلَ لِعَربيٍّ على عَجَميٍّ، ولا لعَجَميٍّ على عَرَبيٍّ، ولا أحمَرَ على أسوَدَ، ولا أسوَدَ على أحمَرَ؛ إلَّا بالتَّقْوى).[٢١]
نماذج من عدالة الرسول
كان -صلى الله عليه وسلم- أعدل البشر في تعامله من مختلف الأطراف، وكان ينطلق بعدله باعتباره نبياً مرسلاً مؤيداً من الله -تعالى-، ومن أمثلة عدل النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ما يأتي:
- عدله بين زوجاته في كلِّ ما يقدر عليه
ثم كان يطلب أن لا يؤاخذه الله -تعالى- فيما لا يملك؛ أي في حبِّ قلبه لبعض نسائه أكثر من بعض، مع أنَّه أمرٌ ليس بيده، إلَّا أنَّه كان يقول: (هذه قِسمَتي، ثم يَقولُ: اللَّهمَّ هذا فِعلي فيما أملِكُ، فلا تَلُمْني فيما تَملِكُ ولا أملِكُ).[٢٢]
- عدله -صلى الله عليه وسلم- بين أهل بيته وسائر النَّاس في الحكم والقضاء
حيث قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَايْمُ اللهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا).[٢٣]
المراجع
- ↑مقداد يالجن، علم الأخلاق الإسلامية، صفحة 114. بتصرّف.
- ↑رواه البخاري ، في صحيح البخاري ، عن وهب بن عبدالله السوائي أبو جحيفة، الصفحة أو الرقم:6139، صحيح.
- ↑عبدالكريم زيدان، أصول الدعوة الإسلامي، صفحة 63. بتصرّف.
- ↑سورة الحديد، آية:25
- ^أبمحمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، صفحة 4249. بتصرّف.
- ^أبوهبة الزحيلي، الفقه الإسلامي وإدلته، صفحة 6413. بتصرّف.
- ↑سورة النساء ، آية:58
- ↑نبيل السمالوطي، بناء المجتمع الإسلامي، صفحة 246. بتصرّف.
- ↑نبيل السمالوطي، بناء المجتمع الإسلامي، صفحة 247. بتصرّف.
- ↑رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عائشة ، الصفحة أو الرقم:1688، صحيح.
- ^أبعبد الكري زيدان، أصول الدعوة، صفحة 111. بتصرّف.
- ↑رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة، الصفحة أو الرقم:1688، صحيح.
- ^أبعبدالكريم زيدان، أصول الدعوة، صفحة 111. بتصرّف.
- ↑عبد الكريم زيدان ، أصول الدعوة، صفحة 111. بتصرّف.
- ↑رواه مسلم، في صحيح مسلم، عن عائشة ، الصفحة أو الرقم:1688، صحيح.
- ↑رواه الألباني ، في السلسلة الصحيحة، عن أشياخ من قوم حبان بن واسع، الصفحة أو الرقم:808، إسناده حسن.
- ↑جامعة المدينة العالمية، السياسة الشرعية، صفحة 390. بتصرّف.
- ↑محمد أبو زهرة ، خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم، صفحة 483. بتصرّف.
- ↑سورة المائدة ، آية:8
- ↑سورة النحل ، آية:90
- ↑رواه شعيب ، في تخريج المسند، عن رجل من الصحابة، الصفحة أو الرقم:23489، إسناده صحيح.
- ↑رواه شعيب، في تخريج المسند ، عن عائشة ، الصفحة أو الرقم:25111، إسناد رجاله ثقات.
- ↑رواه مسلم ، في صحيح مسلم ، عن عائشة، الصفحة أو الرقم:1688، صحيح.