كانت المعلومات الجراحية منتشرة عند العرب منذ القدم، وعرف من الجراحة الكي والفصد والحجامة، بالإضافة إلى تجبير الكسور، ولم تكن هذه الأمور تجري من قبل الطبيب، وإنما غالباً من الحلاق وذوي الخبرة، فقد ورث العرب احتقار الجراحة من اليونان إذ أن ترجمة كلمة XEIRO ERGOS، اليد = XEIRO، العمل = ERGOS اليونانية أي الجراحة تعني بالترجمة الحرفية صناعة اليد، كما ورث العرب الخوف من إجراء العمليات الجراحية، لما في ذلك خطر على الحياة التي تعاقب بقانون حمورابي العين بالعين والسن بالسن، واعتبر الطب نوعا من الفلسفة من نتاج العقل وهو أعلى منزلة من اليد.
وقد عبر ابن سينا عن رأيه في الجراحة فحقرها وقال “إنها من الصناعات اليدوية وأنها لا تستحق أن ترفع إلى مقام الطب”(1) بالرغم من أنه مارسها ووصف الكثير من العمليات في كتبه.
وإذا كان العرب قد ترجموا العلوم اليونانية والفارسية والهندية القديمة فإنهم لم يقفوا عند احترام هذه المعلومات فحسب، بل أنهم مع مرور الوقت ومع تراكم المعلومات والخبرة قد كونوا أفكاراً جديدة، ودفعوا بالعلوم إلى مستويات جديدة. وكانت المعلومات التشريحية والطبية المكتسبة قد ساهمت إلى حد كبير في معرفة جسم الإنسان وطريقة عمله، كما أن الحروب واستمرارها طوال الفترة قد راكم الكثير من الخبرة الجراحية والطبية أيضاً، وكانت أول كتابة ظهرت بموضوع الجراحة فأظهر في مؤلف علي ابن ربن الطبري “فردوس الحكمة” وهو جزء قليل ثم جاء الرازي الذي سمي جالينوس العرب (925 – 856). فخصص جزئين من كتابه “الحاوي” المكون من اثنين وعشرين مجلداً للجراحة وأمراض المسالك البولية والتناسلية، والسفر الحادي عشر يختص بالجراحة في علاج الرض والفسخ الذي ينشق منه داخلاً، وعلاج القروح، وفي أعضاء التناسل والمقعدة، وفي جراحات العصب والعضل والوتر والأربطة، وفي علاج رض العصب، وفي خياطة جراحة البطن والمراق والأمعاء والقرحة أو في الثرب والقرحة التي إلى جانب الشريان، وفي إدمال الجروح، وفي تولد العروق، وفي عسر التئام الجراحات وسهولتها حسب الأعضاء، وفي جراحات الدماغ والخراجات الحادثة من داخل الأذن وفي قواعد علاج القروح الباطنية، ونزف الدم من باطن البوق وفي نزف الدم الكائن عن نسخ العروق أو فتحها”.
كما خصص الرازي المقالة السابعة من كتابه “المنصوري” للجراحة في تسعة عشر فصلاً، وللرازي إبداعات في الجراحة نذكر منها القصة المعروفة في اختيار موقع المستشفى في بغداد، إذ علق اللحم في عدة مواقع في المدينة واختار المكان الذي كان اللحم فيه في أحسن حال بعد ثلاثة أيام. والرازي هو أول من استعمل أمعاء الحيوانات في خياطة الجروح الداخلية وما زال الاسم المستعمل هو Cat gut أي مصران القطة.
وقد اكتشف الرازي الكثير من المعلومات في كتب جالينوس التي لا تتوافق مع خبرته فكتب كتاب “الشكوك على جالينوس”(2). كما استعمل الرازي القساطير للمجاري البولية وأدخل عليها الفتحات الجانبية حتى لا تسد الدم أو الصديد(3)، وكان الارزي أول طبيب عمد إلى استخدام الكحول في الأغراض الطبية.
ثم جاء المجوسي (984م) وألف كتابه (المالكي) في عشرين جزءاً، فخصص الجزء الثاني والثالث للتشريح والباقي للجراحة(4)، وشرح عملية الشق العجاني على الحصاة وتلكم عن مداواة السرطان، وداء الخنازير، وورم اللوزتين، وقطع الأطراف الفاسدة كما أشاد بالجراحة في علاج مرض الأظافر(5).
ولا شك أن الزهراوي (1013 -912م) هو المبدع العربي الأكبر في الجراحة وقد قال S.P .Scott عنه “أن أبو القاسم هو منشئ الجراحة الحديثة” ووضعه جاي دي شولياك جراح القرن الرابع عشر إلى جانب أبوقراط وجالينوس(6).
خصص المقالة الثلاثين للجراحة والآلات الجراحية التي استعملها وكان بهذا أول كتاب مصور للجراحة وشرح فيه العمليات الجراحية وكيفية إجرائها.
أما الباب الأول فيتكلم فيه عن الكي وهو مقسم إلى 51 فصلاً(7). والباب الثاني يختص بالشوق والبط والفصد وسائر العمليات الجراحية، وبه جزء عن أمراض النساء والولادة والعيون والأنف والحلق وهو مقسم إلى مئة فصل. والباب الثالث يختص بالكسور والخلع وهو مقسم إلى 35 فصلاً، ويقول في المقالة العاشرة في قسم من كتابه العلمي العمل باليد الصناعة الطبية “كما أكملت لكم في بابي هذا الكتاب الذي هو جزء العلم في الطب بكماله، وبلغت فيه من وضوحه وبنيانه، رأيت أن أكمله لكم بهذه المقالة التي هي جزء العمل باليد، لأن العمل باليد خسة في بلادنا، وفي زماننا معدم البتة حتى كاد يدرس علمه وينقطع أثره”. ثم قال “وأرى صور وحدايد الكي وسائر آلات العمل باليد مع زيادة البيان، ومن كثير ما يحتاج إليه”(8).
وكان الزهراوي أول من أجرى عملية استئصال الغدة الدرقية عام 952م. كعلاج لتضخم الغدة(9). كما كان أول من أجرى عملية استئصال اللوزتين واختراع الآلات اللازمة لذلك، ولإزالة الأجسام الغريبة من الحنجرة. “لقد أوصى أبو القاسم الزهراوي جراح الإسلام في كل العمليات الجراحية في النصف السفلي من الإنسان، أن يرفع الحوض والأرجل قبل كل شيء وهذه طريقة اقتبسها ترندلنبرغ TRENDELENBURG ولكن مع شديد الأسف لم يذكروا أفضال الجراح العربي العظيم، وعنه أخذوا أيضاً طريقة فتح رباط الجبس في الكسور المفتوحة وأمد الجراحين وأطباء العيون والأسنان الأوروبيين بالآلات اللازمة للعمليات”(10). ووصف الزهراوي النزيف داخل الجمجمة وخارجها وإصابات الرأس، ووصف آلات جديدة لتفح الجمجمة(11)، وشرح الزهراوي شق المثانة كما أدخل طريقة جديدة لإخراج الحصاة من الحالب وذلك بإدخال لولب من خلال المجاري البولية إلى ما فوق الحصاة ثم إخراجها بتكسير الحصاة، ووصف الزهراوي أهمية وضع الأنابيب DRAINS بعد فتح الدمامل ووصف فتق السرة كما شرح عملية الفتق الآربي القريبة من العملية الحديثة وتحدث عن وقف النزيف بالضغط أو بالربط أو بالكي. ويتكلم عن استئصال السرطان “في الثدي والفخد ونحوها من الأعضاء الممكنة إخراجه منها بجملته لا سيما إذا كان مبتدئاً فافعل، وأما من ورم وكان عظيماً فلا ينبغي أن تقربه فإني ما استطعت أن أبرئ منه أحداً ولا رأيت قبلي من وصل إلى ذلك الحد والعمل إذا كان متمكناً”(12). ويصف علاج الاستسقاء بالأدوية والشق Paracentesis ويصف مكان الشق فوق العانة إلى جانب السرة كما عالج الأدرة المائية Hydrocele والـ Spermatocele وفرق بينهما كما وصف Varicocele وعلاجها الجراحي، ويصف الغرغرين بشكل جيد وينصح بإجراء البتر واستعمال الكي، ويصف جراحة الدوالي وسحب الأوردة Stripping وهو أول جراح يصف هذه الطريقة.
وتقول زيدريد هونكه “إن الزهراوي جراح العرب والمسلمين قد قدم آراء مبتكرة في حقل الجراحة ومن أهمها تعقيم الجروح وضرورة تشريح الأجسام بعد الموت لمعرفة سبب الوفاة كي يتسنى الإستفادة من المعلومات والنتائج التي تحصل عليها في الأحوال المماثلة”(13). وفي نفس الوقت الذي كان الزهراوي يحمل راية الطب والجراحة في الأندلس كان ابن سينا يصنع أسطورة أخرى في المشرق ويضع القانون في الطب ليكون أعظم كتاب وضع في الطب والجراحة عبر العصور (980 – 1037م). – شمل ترتيباً وتنظيماً للمعلومات التشريحية المقتبسة عن جالينوس وأبوقراط وآراءه فيها. – ربط الطب بالفلسفة والمنطق. – وصف الكثير من العمليات مثلا جراحة الأعصاب والبواسير والكسور وشق المثانة واستعمال القساطر وعلاج الكسور.
وصف ابن سينا جراحة الأحشاء بدقة إذ يقول “وأصلح الأشكال والنصب للمريض أن كانت الجراحة متجهة إلى الناحية السفلى فالشكل والنصبة إلى فوق وأن كانت الجراحة متجهة إلى فوق فالشكل والنضبة المتجهة إلى أسفل، وليكن غرضك الذي تقصده في الأمرين جميعاً أن لا تقع سائر الأمعاء على المعي الذي برز فتنقله، وإن فعلت هذا أو جعلته غرضك علمت أنه إن كانت الجراحة في الشق الأيمن فينبغي أن يأخذ المريض بالميل إلى الشق الأيسر وإن كانت في الأيسر أخذته بالميل إلى الأيمن، ويكون قصدك دائماً أن تجعل الناحية التي فيها الجراحة أرفع من الناحية الأخرى، فإن هذا أمر يعم جميع الجراحات وإما حفظ الأمعاء في مواضعها التي لها خاصة بعد أن ترد إلى البطن إذا كانت الجراحة عظيمة فتحتاج إلى خادم جذل، وذلك أنه ينبغي أن يمسك موضع تلك الجراحة كله بيده من خارج فيضمه ويجمعه ويكشف فيه شيئاً بعد شيء للمتولي خياطتها(14).

ووصف استئصال اللوزتين الجراحة وعواقبها. ونبغ في الجراحة أيضاً الفيلسوف ابن رشد المتوفي عام 1199م. الذي قال إن معرفة الإنسان بالتشريح يقربه إلى الله،
وكذلك ابن زهر (1113 – 1162) والذي كان أول من فرق بين قرحة المعدة وسرطان المعدة(15). كما وصف خراج الحيزوم Mediastinal abcess كما وصف عملية شق الحنجرة وكان أول من أدخل التغذية بواسطة أنبوب إلى المعدة، كما أوصى بتغذية المرضى عن طريق الشرج في حالة ضيق المرئ. ويأتي بعد ذلك الطبيب والجراح العربي أو الفرج ابن القف 1233 – 1286م. فكان آخر العمالقة الذين أضافوا وأبدعوا في الجراحة ولعل أول إبداع هو إدخال كلمة جراحة بدل صناعة اليد وجراح أو جرائحي للجراح فسمى كتابه “العمدة في الجراحة” وكان مخصصا للجراحين وكيفية ممارسة المهنة، ويقول في مقدمة كتابه، “وبعد فقد شكا لي بعض جرايحيه زماننا قلة اهتمام أرباب هذا الفن بأمر هذه الصناعة وأن واحداً منهم لم يعرف سوى تركيب بعض المراهم وإضافة مفرداتها بعضها إلى بعض وأنه لو سأله سائل ما هذا المرض الذي تعالجه وما سببه ولم تداويه بهذه المداوة وما قوة كل واحد من مفرداتها وما الفائدة في تركيب هذه المفردات ولم لا تستعمل هي بمفردها لم يكن عنده ما يجيبه عن ذلك سوى أنه يقول رأيت معلمي وهو يستعملها في مثل هذه الصورة فاستعملتها. ثم قال وهذا خطأ زائد لما عرفت من تركيب الأمراض والأسباب والأعراض وأنه لا بد للمعالج من معرفة ما يعالجه، ثم اعتذر بأنه ليس لهم كتاب يرجعون إليه في هذا الفن بحيث أن يكون جامعاً لما يحتاج إليه صاحب هذه الصناعة ثم سألني سؤالا كثيرا أن أصنف له كتابا في ذلك وأن أذكر أولا حد هذه الصناعة ثم أذكر ما يحتاج إليه من الأمور الطبيعية التي هي مبادئ الصناعة، واذكر علامة غلبة مادة ما الموجبة للأورام التي هي مطالب صناعته ثم اذكر كيفية حدوث تلك الأورام ثم تقاسيمها على سبيل التفصيل”(16). أي أنه أول كتاب مخصص للجراحة ثم يحدد معنى الجراحة في المقالة الأولى في حد الجراحة “الجراحة ينظر بها في تعريف أحوال بدن الإنسان من جهة ما يعرض بمظاهره من أنواع التفرق في مواضع مخصوصه وما يلزمه وغايتها المادة العضو إلى الحالة الطبيعية الخاصة به”(17). ثم يقول “واعلم أن هذه الصناعة لها مطالب ومبادئ، فمبادئها الأخلاط والأعضاء من الأمور الطبيعية، الناظر فيها الطبائعي والمطالب معرفة الأورام والقروح وأنواع التفرق الحاصل في الأعضاء الظاهرة”.
وتحدث عما يجب أن يعرف الجراح “يجب على الجرائحي قبل معالجة العضو أن ينظر في أمور أربعة مزاجه، ووصفة ما جوهره، ورتبته في الحس، أما مزاجه الطبيعي فإنه متى عرفته عرفت كيفية الدواء المستعمل في المداواة لأن المداواة بالضد على ما عرف في علم الطبيعة وأما جوهره ما علم أن من الأعضاء ما هو مجوف ومنها ما هو مصمت ومنها ما هو متخلخل ومنها ما هو متكاتف”.
ثم يتحدث عن أنواع التفرق وهي ثلاثة: طبيعي كفتح الطبيعة للخراجات وإرادي كفتحها بالحديد وغيره، وفصد العروق والحجامة، وغير طبيعي كالشجات وضرب السيف والسهام(18). ويتحدث في مرة أخرى عن التفرق على أنه نوعان: بسيط ومركب، والمراد بالبسيط أن لا يكون قد ذهب من جوهر العضو شيء والمركب هو أن يكون قد ذهب منه شيء والأول له علاج عام وعلاج خاص والعام قد حصره الأطباء في أربعة أنواع أحدها جمع ما قد تفرق وذلك لأن الغرض من علاجه عود العضو إلى اتصاله الأول وتارة يكون بالخياطة وتارة يكون بأن يجعل شفتي الجراحة في فم شيء من الحيوان كما يعمل بالنمل الطائر، فإنه يفتح فاه ويلقم بشيء من أجزاء الترب عند تفرق اتصاله ثم يقص رأس النمل ويترك على ما هو عليه ويبقى فمه مطبوقاً وتارة يكون بالعصب.
ولا شك أن هذه طريقة مبتكرة تستعمل في أيامنا هذه بالملاقط. كما يتحدث عن ضرورة النظافة “أن يحترز من وقوع شيء بين شفتي الجراحة فإنه يمنع التقائهما وذلك الشيء إما شعر أو دهن وإما غبار”. وأما الوضع فالوضع عند الطبيب أمرين موضع العضو نفسه ومشاركته كما يشاركه من الأعضاء (التشريحي الطبوغرافي) Topographic Anatomy ويتحدث في المقالة الثانية عن أمزجة الأعضاء وفي تشريح الأعضاء البسيطة المقالة الثالثة في ذكر تشريح الأعضاء المركبة، ويخصص المقالة الرابعة في ما يجب على الجرائحي أن يعرفه من أنواع المرض وتعريف الورم وكيفية حدوثه، ويتحدث عن أمراض الصفراء والسوداء والبلغم، ثم يتحدث في أمراض الكسور والخلع، وفي الجزء الثاني يتحدث عن العلاج الجراحي لكل من الأمراض والكسور والكي والعلاج بالحديد، وأفرد المقالة العشرين للأقرباذين وتنقسم إلى أحد عشر فصلاً.
وقد عرف العرب أيضاً تسكين الآلام والتخدير في الجراحة وقد عرف العرب الإسفنجة المخدرة تقول زيجريد هونكة “وكانت توضع هذه الإسفنجة المخدرة مع عصير من الحشيش والأفيون والزؤان وست الحسن (هيوسيامين) ثم تجفف في الشمس، ولدى الاستعمال ترطب ثانية وتوضع على أنف المريض فتمتص الأنسجة المخاطية المواد المخدرة ويركن المريض إلى نوع عميق يحرره من أوجاع العملية(19).
ويمكن اعتبار ابن العين زربي أول مؤلف عربي يطلق بطريقة علمية منظمة لفظه الجراحة ليعبر بها التعبير الصادق عن الصناعة الطبية وتخصصاتها بدلاً من استعمال اللفظة الحرفية واصطلاح العمل باليد أو بالحديد”(20)
 ختاما نستطيع أن نقرر أن العرب قد طوروا الطب والجراحة وقفزوا به إلى الأمام ولم يكونوا مجرد ناقلين للعلوم اليونانية كما لم تكن العلوم اليونانية نقلا للعلوم عن الشعوب القديمة فقط وإنما تطورت أيضا من خلاله كما هي طبيعة التراكم في التاريخ. ولا بد من القول في أثناء التكلم عن الجراحة، أن الجراحة كانت تتم في مستشفيات أسسها العرب ورصدوا لها مبالغ كبيرة وأوقاف تحافظ على الصرف عليها وقد أدت هذه المستشفيات دورها في العلاج الطبي الجراحي كما أدت دورها في تعليم الطب للأطباء الجدد وقد روعي في اختيار أمكنة هذه المستشفيات ليس فقط الناحية السكانية والوظيفية بل أيضاً أن تكون في مكان نظيف تخف فيه الأمراض وقصة الرازي في اختيار مكان للمستشفى في بغداد مشهورة ومذكورة في جميع كتب الطب القديم. وتخبرنا الأبحاث عن المستشفيات الإسلامية أن هذه المستشفيات كانت تتمتع بنظافة كبيرة سواء الأسرة أو الأدوية.

وتذكر كتب التاريخ أن أول مستشفى في الإسلام أقامه الوليد بن عبد الملك في دمشق، هذا وتعتبر خيمة رفيدة في غزوة الخندق أول مستشفى عسكري في الإسلام. أما في الممارسة الجراحية فقد كانت النظافة هي أساس عمل الجراح فكان يستعمل الماء المغلي أو الخمر لتطهير الجرح أو الخل أو ماء العسل مما سيأتي ذكره في فصل لاحق.
ويمكننا أن نلخص أهم خصائص الجراحة عند العرب بما يلي:
1- إن العرب اعتمدوا على معلومات تشريحية تفصيلية وفهم عصرهم لوظائف الأعضاء.
 2- تطوير الكثير من التخصصات الفرعية للجراحة مثل جراحة البطن والعيون والأعصاب.
3- تطوير المبادئ العامة للجراحة ابتداء من التخدير والاهتمام بالنظافة واستعمال الكحول في التعقيم.
 4- ابتكار الكثير من الآلات الجراحية وخاصة في كتاب الزهراوي الذي ذكر أكثر من مئتي آلة جراحية.
 كانت المعلومات الجراحية منتشرة عند العرب منذ القدم، وعرف من الجراحة الكي والفصد والحجامة، بالإضافة إلى تجبير الكسور، ولم تكن هذه الأمور تجري من قبل الطبيب، وإنما غالباً من الحلاق وذوي الخبرة، فقد ورث العرب احتقار الجراحة من اليونان إذ أن ترجمة كلمة XEIRO ERGOS، اليد = XEIRO، العمل = ERGOS اليونانية أي الجراحة تعني بالترجمة الحرفية صناعة اليد، كما ورث العرب الخوف من إجراء العمليات الجراحية، لما في ذلك خطر على الحياة التي تعاقب بقانون حمورابي العين بالعين والسن بالسن، واعتبر الطب نوعا من الفلسفة من نتاج العقل وهو أعلى منزلة من اليد.
وقد عبر ابن سينا عن رأيه في الجراحة فحقرها وقال “إنها من الصناعات اليدوية وأنها لا تستحق أن ترفع إلى مقام الطب”(1) بالرغم من أنه مارسها ووصف الكثير من العمليات في كتبه.
وإذا كان العرب قد ترجموا العلوم اليونانية والفارسية والهندية القديمة فإنهم لم يقفوا عند احترام هذه المعلومات فحسب، بل أنهم مع مرور الوقت ومع تراكم المعلومات والخبرة قد كونوا أفكاراً جديدة، ودفعوا بالعلوم إلى مستويات جديدة. وكانت المعلومات التشريحية والطبية المكتسبة قد ساهمت إلى حد كبير في معرفة جسم الإنسان وطريقة عمله، كما أن الحروب واستمرارها طوال الفترة قد راكم الكثير من الخبرة الجراحية والطبية أيضاً، وكانت أول كتابة ظهرت بموضوع الجراحة فأظهر في مؤلف علي ابن ربن الطبري “فردوس الحكمة” وهو جزء قليل ثم جاء الرازي الذي سمي جالينوس العرب (925 – 856). فخصص جزئين من كتابه “الحاوي” المكون من اثنين وعشرين مجلداً للجراحة وأمراض المسالك البولية والتناسلية، والسفر الحادي عشر يختص بالجراحة في علاج الرض والفسخ الذي ينشق منه داخلاً، وعلاج القروح، وفي أعضاء التناسل والمقعدة، وفي جراحات العصب والعضل والوتر والأربطة، وفي علاج رض العصب، وفي خياطة جراحة البطن والمراق والأمعاء والقرحة أو في الثرب والقرحة التي إلى جانب الشريان، وفي إدمال الجروح، وفي تولد العروق، وفي عسر التئام الجراحات وسهولتها حسب الأعضاء، وفي جراحات الدماغ والخراجات الحادثة من داخل الأذن وفي قواعد علاج القروح الباطنية، ونزف الدم من باطن البوق وفي نزف الدم الكائن عن نسخ العروق أو فتحها”.
كما خصص الرازي المقالة السابعة من كتابه “المنصوري” للجراحة في تسعة عشر فصلاً، وللرازي إبداعات في الجراحة نذكر منها القصة المعروفة في اختيار موقع المستشفى في بغداد، إذ علق اللحم في عدة مواقع في المدينة واختار المكان الذي كان اللحم فيه في أحسن حال بعد ثلاثة أيام. والرازي هو أول من استعمل أمعاء الحيوانات في خياطة الجروح الداخلية وما زال الاسم المستعمل هو Cat gut أي مصران القطة.
وقد اكتشف الرازي الكثير من المعلومات في كتب جالينوس التي لا تتوافق مع خبرته فكتب كتاب “الشكوك على جالينوس”(2). كما استعمل الرازي القساطير للمجاري البولية وأدخل عليها الفتحات الجانبية حتى لا تسد الدم أو الصديد(3)، وكان الارزي أول طبيب عمد إلى استخدام الكحول في الأغراض الطبية.
ثم جاء المجوسي (984م) وألف كتابه (المالكي) في عشرين جزءاً، فخصص الجزء الثاني والثالث للتشريح والباقي للجراحة(4)، وشرح عملية الشق العجاني على الحصاة وتلكم عن مداواة السرطان، وداء الخنازير، وورم اللوزتين، وقطع الأطراف الفاسدة كما أشاد بالجراحة في علاج مرض الأظافر(5).
ولا شك أن الزهراوي (1013 -912م) هو المبدع العربي الأكبر في الجراحة وقد قال S.P .Scott عنه “أن أبو القاسم هو منشئ الجراحة الحديثة” ووضعه جاي دي شولياك جراح القرن الرابع عشر إلى جانب أبوقراط وجالينوس(6).
خصص المقالة الثلاثين للجراحة والآلات الجراحية التي استعملها وكان بهذا أول كتاب مصور للجراحة وشرح فيه العمليات الجراحية وكيفية إجرائها.
أما الباب الأول فيتكلم فيه عن الكي وهو مقسم إلى 51 فصلاً(7). والباب الثاني يختص بالشوق والبط والفصد وسائر العمليات الجراحية، وبه جزء عن أمراض النساء والولادة والعيون والأنف والحلق وهو مقسم إلى مئة فصل. والباب الثالث يختص بالكسور والخلع وهو مقسم إلى 35 فصلاً، ويقول في المقالة العاشرة في قسم من كتابه العلمي العمل باليد الصناعة الطبية “كما أكملت لكم في بابي هذا الكتاب الذي هو جزء العلم في الطب بكماله، وبلغت فيه من وضوحه وبنيانه، رأيت أن أكمله لكم بهذه المقالة التي هي جزء العمل باليد، لأن العمل باليد خسة في بلادنا، وفي زماننا معدم البتة حتى كاد يدرس علمه وينقطع أثره”. ثم قال “وأرى صور وحدايد الكي وسائر آلات العمل باليد مع زيادة البيان، ومن كثير ما يحتاج إليه”(8).
وكان الزهراوي أول من أجرى عملية استئصال الغدة الدرقية عام 952م. كعلاج لتضخم الغدة(9). كما كان أول من أجرى عملية استئصال اللوزتين واختراع الآلات اللازمة لذلك، ولإزالة الأجسام الغريبة من الحنجرة. “لقد أوصى أبو القاسم الزهراوي جراح الإسلام في كل العمليات الجراحية في النصف السفلي من الإنسان، أن يرفع الحوض والأرجل قبل كل شيء وهذه طريقة اقتبسها ترندلنبرغ TRENDELENBURG ولكن مع شديد الأسف لم يذكروا أفضال الجراح العربي العظيم، وعنه أخذوا أيضاً طريقة فتح رباط الجبس في الكسور المفتوحة وأمد الجراحين وأطباء العيون والأسنان الأوروبيين بالآلات اللازمة للعمليات”(10). ووصف الزهراوي النزيف داخل الجمجمة وخارجها وإصابات الرأس، ووصف آلات جديدة لتفح الجمجمة(11)، وشرح الزهراوي شق المثانة كما أدخل طريقة جديدة لإخراج الحصاة من الحالب وذلك بإدخال لولب من خلال المجاري البولية إلى ما فوق الحصاة ثم إخراجها بتكسير الحصاة، ووصف الزهراوي أهمية وضع الأنابيب DRAINS بعد فتح الدمامل ووصف فتق السرة كما شرح عملية الفتق الآربي القريبة من العملية الحديثة وتحدث عن وقف النزيف بالضغط أو بالربط أو بالكي. ويتكلم عن استئصال السرطان “في الثدي والفخد ونحوها من الأعضاء الممكنة إخراجه منها بجملته لا سيما إذا كان مبتدئاً فافعل، وأما من ورم وكان عظيماً فلا ينبغي أن تقربه فإني ما استطعت أن أبرئ منه أحداً ولا رأيت قبلي من وصل إلى ذلك الحد والعمل إذا كان متمكناً”(12). ويصف علاج الاستسقاء بالأدوية والشق Paracentesis ويصف مكان الشق فوق العانة إلى جانب السرة كما عالج الأدرة المائية Hydrocele والـ Spermatocele وفرق بينهما كما وصف Varicocele وعلاجها الجراحي، ويصف الغرغرين بشكل جيد وينصح بإجراء البتر واستعمال الكي، ويصف جراحة الدوالي وسحب الأوردة Stripping وهو أول جراح يصف هذه الطريقة.
وتقول زيدريد هونكه “إن الزهراوي جراح العرب والمسلمين قد قدم آراء مبتكرة في حقل الجراحة ومن أهمها تعقيم الجروح وضرورة تشريح الأجسام بعد الموت لمعرفة سبب الوفاة كي يتسنى الإستفادة من المعلومات والنتائج التي تحصل عليها في الأحوال المماثلة”(13). وفي نفس الوقت الذي كان الزهراوي يحمل راية الطب والجراحة في الأندلس كان ابن سينا يصنع أسطورة أخرى في المشرق ويضع القانون في الطب ليكون أعظم كتاب وضع في الطب والجراحة عبر العصور (980 – 1037م). – شمل ترتيباً وتنظيماً للمعلومات التشريحية المقتبسة عن جالينوس وأبوقراط وآراءه فيها. – ربط الطب بالفلسفة والمنطق. – وصف الكثير من العمليات مثلا جراحة الأعصاب والبواسير والكسور وشق المثانة واستعمال القساطر وعلاج الكسور.
وصف ابن سينا جراحة الأحشاء بدقة إذ يقول “وأصلح الأشكال والنصب للمريض أن كانت الجراحة متجهة إلى الناحية السفلى فالشكل والنصبة إلى فوق وأن كانت الجراحة متجهة إلى فوق فالشكل والنضبة المتجهة إلى أسفل، وليكن غرضك الذي تقصده في الأمرين جميعاً أن لا تقع سائر الأمعاء على المعي الذي برز فتنقله، وإن فعلت هذا أو جعلته غرضك علمت أنه إن كانت الجراحة في الشق الأيمن فينبغي أن يأخذ المريض بالميل إلى الشق الأيسر وإن كانت في الأيسر أخذته بالميل إلى الأيمن، ويكون قصدك دائماً أن تجعل الناحية التي فيها الجراحة أرفع من الناحية الأخرى، فإن هذا أمر يعم جميع الجراحات وإما حفظ الأمعاء في مواضعها التي لها خاصة بعد أن ترد إلى البطن إذا كانت الجراحة عظيمة فتحتاج إلى خادم جذل، وذلك أنه ينبغي أن يمسك موضع تلك الجراحة كله بيده من خارج فيضمه ويجمعه ويكشف فيه شيئاً بعد شيء للمتولي خياطتها(14).

ووصف استئصال اللوزتين الجراحة وعواقبها. ونبغ في الجراحة أيضاً الفيلسوف ابن رشد المتوفي عام 1199م. الذي قال إن معرفة الإنسان بالتشريح يقربه إلى الله،
وكذلك ابن زهر (1113 – 1162) والذي كان أول من فرق بين قرحة المعدة وسرطان المعدة(15). كما وصف خراج الحيزوم Mediastinal abcess كما وصف عملية شق الحنجرة وكان أول من أدخل التغذية بواسطة أنبوب إلى المعدة، كما أوصى بتغذية المرضى عن طريق الشرج في حالة ضيق المرئ. ويأتي بعد ذلك الطبيب والجراح العربي أو الفرج ابن القف 1233 – 1286م. فكان آخر العمالقة الذين أضافوا وأبدعوا في الجراحة ولعل أول إبداع هو إدخال كلمة جراحة بدل صناعة اليد وجراح أو جرائحي للجراح فسمى كتابه “العمدة في الجراحة” وكان مخصصا للجراحين وكيفية ممارسة المهنة، ويقول في مقدمة كتابه، “وبعد فقد شكا لي بعض جرايحيه زماننا قلة اهتمام أرباب هذا الفن بأمر هذه الصناعة وأن واحداً منهم لم يعرف سوى تركيب بعض المراهم وإضافة مفرداتها بعضها إلى بعض وأنه لو سأله سائل ما هذا المرض الذي تعالجه وما سببه ولم تداويه بهذه المداوة وما قوة كل واحد من مفرداتها وما الفائدة في تركيب هذه المفردات ولم لا تستعمل هي بمفردها لم يكن عنده ما يجيبه عن ذلك سوى أنه يقول رأيت معلمي وهو يستعملها في مثل هذه الصورة فاستعملتها. ثم قال وهذا خطأ زائد لما عرفت من تركيب الأمراض والأسباب والأعراض وأنه لا بد للمعالج من معرفة ما يعالجه، ثم اعتذر بأنه ليس لهم كتاب يرجعون إليه في هذا الفن بحيث أن يكون جامعاً لما يحتاج إليه صاحب هذه الصناعة ثم سألني سؤالا كثيرا أن أصنف له كتابا في ذلك وأن أذكر أولا حد هذه الصناعة ثم أذكر ما يحتاج إليه من الأمور الطبيعية التي هي مبادئ الصناعة، واذكر علامة غلبة مادة ما الموجبة للأورام التي هي مطالب صناعته ثم اذكر كيفية حدوث تلك الأورام ثم تقاسيمها على سبيل التفصيل”(16). أي أنه أول كتاب مخصص للجراحة ثم يحدد معنى الجراحة في المقالة الأولى في حد الجراحة “الجراحة ينظر بها في تعريف أحوال بدن الإنسان من جهة ما يعرض بمظاهره من أنواع التفرق في مواضع مخصوصه وما يلزمه وغايتها المادة العضو إلى الحالة الطبيعية الخاصة به”(17). ثم يقول “واعلم أن هذه الصناعة لها مطالب ومبادئ، فمبادئها الأخلاط والأعضاء من الأمور الطبيعية، الناظر فيها الطبائعي والمطالب معرفة الأورام والقروح وأنواع التفرق الحاصل في الأعضاء الظاهرة”.
وتحدث عما يجب أن يعرف الجراح “يجب على الجرائحي قبل معالجة العضو أن ينظر في أمور أربعة مزاجه، ووصفة ما جوهره، ورتبته في الحس، أما مزاجه الطبيعي فإنه متى عرفته عرفت كيفية الدواء المستعمل في المداواة لأن المداواة بالضد على ما عرف في علم الطبيعة وأما جوهره ما علم أن من الأعضاء ما هو مجوف ومنها ما هو مصمت ومنها ما هو متخلخل ومنها ما هو متكاتف”.
ثم يتحدث عن أنواع التفرق وهي ثلاثة: طبيعي كفتح الطبيعة للخراجات وإرادي كفتحها بالحديد وغيره، وفصد العروق والحجامة، وغير طبيعي كالشجات وضرب السيف والسهام(18). ويتحدث في مرة أخرى عن التفرق على أنه نوعان: بسيط ومركب، والمراد بالبسيط أن لا يكون قد ذهب من جوهر العضو شيء والمركب هو أن يكون قد ذهب منه شيء والأول له علاج عام وعلاج خاص والعام قد حصره الأطباء في أربعة أنواع أحدها جمع ما قد تفرق وذلك لأن الغرض من علاجه عود العضو إلى اتصاله الأول وتارة يكون بالخياطة وتارة يكون بأن يجعل شفتي الجراحة في فم شيء من الحيوان كما يعمل بالنمل الطائر، فإنه يفتح فاه ويلقم بشيء من أجزاء الترب عند تفرق اتصاله ثم يقص رأس النمل ويترك على ما هو عليه ويبقى فمه مطبوقاً وتارة يكون بالعصب.
ولا شك أن هذه طريقة مبتكرة تستعمل في أيامنا هذه بالملاقط. كما يتحدث عن ضرورة النظافة “أن يحترز من وقوع شيء بين شفتي الجراحة فإنه يمنع التقائهما وذلك الشيء إما شعر أو دهن وإما غبار”. وأما الوضع فالوضع عند الطبيب أمرين موضع العضو نفسه ومشاركته كما يشاركه من الأعضاء (التشريحي الطبوغرافي) Topographic Anatomy ويتحدث في المقالة الثانية عن أمزجة الأعضاء وفي تشريح الأعضاء البسيطة المقالة الثالثة في ذكر تشريح الأعضاء المركبة، ويخصص المقالة الرابعة في ما يجب على الجرائحي أن يعرفه من أنواع المرض وتعريف الورم وكيفية حدوثه، ويتحدث عن أمراض الصفراء والسوداء والبلغم، ثم يتحدث في أمراض الكسور والخلع، وفي الجزء الثاني يتحدث عن العلاج الجراحي لكل من الأمراض والكسور والكي والعلاج بالحديد، وأفرد المقالة العشرين للأقرباذين وتنقسم إلى أحد عشر فصلاً.
وقد عرف العرب أيضاً تسكين الآلام والتخدير في الجراحة وقد عرف العرب الإسفنجة المخدرة تقول زيجريد هونكة “وكانت توضع هذه الإسفنجة المخدرة مع عصير من الحشيش والأفيون والزؤان وست الحسن (هيوسيامين) ثم تجفف في الشمس، ولدى الاستعمال ترطب ثانية وتوضع على أنف المريض فتمتص الأنسجة المخاطية المواد المخدرة ويركن المريض إلى نوع عميق يحرره من أوجاع العملية(19).
ويمكن اعتبار ابن العين زربي أول مؤلف عربي يطلق بطريقة علمية منظمة لفظه الجراحة ليعبر بها التعبير الصادق عن الصناعة الطبية وتخصصاتها بدلاً من استعمال اللفظة الحرفية واصطلاح العمل باليد أو بالحديد”(20)
 ختاما نستطيع أن نقرر أن العرب قد طوروا الطب والجراحة وقفزوا به إلى الأمام ولم يكونوا مجرد ناقلين للعلوم اليونانية كما لم تكن العلوم اليونانية نقلا للعلوم عن الشعوب القديمة فقط وإنما تطورت أيضا من خلاله كما هي طبيعة التراكم في التاريخ. ولا بد من القول في أثناء التكلم عن الجراحة، أن الجراحة كانت تتم في مستشفيات أسسها العرب ورصدوا لها مبالغ كبيرة وأوقاف تحافظ على الصرف عليها وقد أدت هذه المستشفيات دورها في العلاج الطبي الجراحي كما أدت دورها في تعليم الطب للأطباء الجدد وقد روعي في اختيار أمكنة هذه المستشفيات ليس فقط الناحية السكانية والوظيفية بل أيضاً أن تكون في مكان نظيف تخف فيه الأمراض وقصة الرازي في اختيار مكان للمستشفى في بغداد مشهورة ومذكورة في جميع كتب الطب القديم. وتخبرنا الأبحاث عن المستشفيات الإسلامية أن هذه المستشفيات كانت تتمتع بنظافة كبيرة سواء الأسرة أو الأدوية.

وتذكر كتب التاريخ أن أول مستشفى في الإسلام أقامه الوليد بن عبد الملك في دمشق، هذا وتعتبر خيمة رفيدة في غزوة الخندق أول مستشفى عسكري في الإسلام. أما في الممارسة الجراحية فقد كانت النظافة هي أساس عمل الجراح فكان يستعمل الماء المغلي أو الخمر لتطهير الجرح أو الخل أو ماء العسل مما سيأتي ذكره في فصل لاحق.
ويمكننا أن نلخص أهم خصائص الجراحة عند العرب بما يلي:
1- إن العرب اعتمدوا على معلومات تشريحية تفصيلية وفهم عصرهم لوظائف الأعضاء.
 2- تطوير الكثير من التخصصات الفرعية للجراحة مثل جراحة البطن والعيون والأعصاب.
3- تطوير المبادئ العامة للجراحة ابتداء من التخدير والاهتمام بالنظافة واستعمال الكحول في التعقيم.
 4- ابتكار الكثير من الآلات الجراحية وخاصة في كتاب الزهراوي الذي ذكر أكثر من مئتي آلة جراحية.