أحمد عوض

بعيدا عن الموقف الرافض للحرب الدائرة في أوكرانيا، ومسببيها والقائمين على إدارتها والمحرضين عليها، فإن هذه الحرب سيكون لها تأثيرات كبيرة على خريطة العالم الاقتصادية المستقبلية.

عديدة هي المسارات والديناميات التي ستتغير بشكل كبير جراء حالة الاستقطاب الكبيرة والصراعات التي تشهدها المراكز الاقتصادية الكبرى في العالم، والتي ستبدأ بتغيرات نوعية في اتجاهات الإنفاق العام لهذه المراكز، إذ سيجري التوسع بشكل ملموس في الإنفاق العسكري، وهذا الإنفاق سيكون على حساب مسارات الإنفاق التنموية الأخرى.

وحالة سباق التسلح، التي خفتت ملامحها خلال العقدين الأخيرين، ستعود إلى الواجهة مجددا، بما يترتب عليها من مخاطر على حالات عدم الاستقرار وما يفرضه من غياب اليقين في البيئة الاقتصادية العالمية، وتأثيراتها على أسعار السلع الاستراتيجية من نفط وغاز وحديد وقمح وغيرها في الأسواق العالمية.

ومن جانب آخر، يتوقع أن تحدث تغيرات في اتجاهات التبادل التجاري العالمي، وبخاصة للسلع الاستراتيجية، حيث إن دول غرب أوروبا قد تذهب باتجاه عدم الاعتماد على مصادر الطاقة الروسية، وهي تبحث عن مصادر أخرى بديلة من دول أخرى، و/أو الاعتماد على مصادر بديلة للغاز والنفط.

كذلك، فإن أسواق روسيا ستتجه جنوبا؛ حيث ستركز بيعها للغاز والنفط إلى الصين وغيرها من الدول خارج منظومة حلفاء الولايات المتحدة والدول المنضوية في إطار الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “ناتو”.

والأمر لن يقصُر على الغاز والنفط فقط، وإنما سيتسع ليشمل سلعا أخرى مثل القمح والسلع المرتبطة به، والمواد الأولية الأخرى، مثل الحديد والألمنيوم وغيرها.

معظم دول العالم ستتجه إلى تنويع مصادرها للحصول على سلعها الاستراتيجية بحيث تخرج من إطار الاستقطابات بين المراكز الاقتصادية والسياسية الكبرى في العالم، وبما يخفف من حالات الضغط والابتزاز التي يمكن أن تخضع لها، ويلزمها باتخاذ مواقف مؤيدة لهذه الدولة أو تلك، تتعارض مع مصالحها.

إلى جانب كل ذلك، فإن التغييرات التي ستتسارع وتيرتها ستذهب باتجاه إيجاد بدائل لمركزية أدوات وآليات الدفع الذي تعتمد عليه التجارة الدولية بشكل أساسي، ويعتمد بشكل أساسي على النظام المالي العالمي للمدفوعات والمعاملات المالية بين البنوك والمؤسسات المالية والمتعارف عليه بنظام SWIFT، الذي تسيطر عليه الدول الغربية ومقره العاصمة البلجيكية بروكسل.

مختلف المعطيات ذاهبة باتجاه التوسع في أنظمة الدفع الناشئة الموازية مثل نظام تحويل الرسائل المالية “SPFS”، للمدفوعات المصرفية الذي أنشأته روسيا العام 2014.

كذلك يُتوقع التوسع في استخدام نظام الدفع بين البنوك الجديدة “CIPS”، الذي أنشأته الصين العام 2015، وتم الإعلان عن الربط الفعلي بين النظامين الماليين الروسي والصيني في 2019.

هذا إلى جانب التحولات التي يمكن حدوثها على نظم حواضن Hosting للمواقع الإلكترونية الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة وعدد محدود من الدول الغربية، بحيث تتوزع على المراكز الاقتصادية الأخرى في الصين، وربما روسيا، لضمان عدم استخدامها في الحروب الإلكترونية بين المراكز الاقتصادية والسياسية المتصارعة.

عديدة هي المتغيرات التي ستحدث في خريطة الاقتصاد العالمي السائدة حاليا، بحيث تعكس التنوع في موازين القوى الاقتصادية والعسكرية والسياسية العالمية الجديدة، والكثير منها لم تظهر ملامحه بعد.

المقال السابق للكاتب 

جدلية تقليص أيام العمل الأسبوعي

[wpcc-iframe class=”wp-embedded-content” sandbox=”allow-scripts” security=”restricted” style=”position: absolute; clip: rect(1px, 1px, 1px, 1px);” title=”“جدلية تقليص أيام العمل الأسبوعي” — جريدة الغد” src=”https://alghad.com/%d8%ac%d8%af%d9%84%d9%8a%d8%a9-%d8%aa%d9%82%d9%84%d9%8a%d8%b5-%d8%a3%d9%8a%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%85%d9%84-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d8%b3%d8%a8%d9%88%d8%b9%d9%8a/embed/#?secret=FtrMvxMUHm%23?secret=vSBmFHFVOK” data-secret=”vSBmFHFVOK” width=”600″ height=”338″ frameborder=”0″ marginwidth=”0″ marginheight=”0″ scrolling=”no”]

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا