ملخَّص رواية “سيدي قنصل بابل”

تحكي رواية "سيدي قُنصل بابل" قصة حياة مواطنٍ ينتمي إلى دولتين عريقتين، وتاريخَ حضارتين تمتدان من بلاد بابل وآشور إلى جبال الأطلس، واللتان أبتا استئصال الحبل السري لجنينٍ أطلق صرخته الأولى معلناً للدنيا قدومه، ومطالباً التاريخ بتحرير هويته كمواطن؛ لتبدأ بذلك رحلة فقدان الذات والضياع. تعلِّمنا هذه الرواية أنَّ الإنسان هو مَن يصنع الفارق دائماً في محيطه ونفوس الناس من حوله؛ إذ بإمكان سلوكٍ سيئ تحويل الواحة إلى صحراء، في حين قد يخلق سلوك نبيل من بين الرمال أملاً.

Share your love

تُعلِّمنا هذه الرواية أنَّ الإنسان هو مَن يصنع الفارق دائماً في محيطه ونفوس الناس من حوله؛ إذ بإمكان سلوكٍ سيئ تحويل الواحة إلى صحراء، في حين قد يخلق سلوك نبيل من بين الرمال أملاً.

ستجدون أعزائنا القرَّاء وسط التفاصيل المتناثرة بين أجزاء الرواية -الموزَّعة على سبعة فصول- تشريحاً وتوصيفاً للمجتمع من منظور طفل، بعيداً عن المجاملات وترقيع الحقائق؛ فليس هناك ما هو أكبر قيمةً من الإنسان نفسه، ولا هدفاً أسمى منه، ولا أساساً تقوم عليه الحضارات مثله؛ إذ لا يمكن بناء وطنٍ بشعبٍ محطَّم؛ ذلك لأنَّ الإنجاز لا يتوقف عند صناعة الصورة فحسب، بل يتأتّى بإعطاء فرصةٍ للحياة وخلق الأمل في النفوس.

نسمع على مرِّ التاريخ قصصاً كثيرةً نعتقد بصحَّتها، إلَّا أنَّ حقائقها لا تلبث أن تُفضَح، فيتحوَّل الأبطال فيها إلى مجرمين، في حين تُنصَف الضحية بسبب بقايا عظام أو اكتشاف مقابر هنا وهناك تُدلي بالحقيقة كاملة.

يعني هذا أنَّ بإمكان المظاهر خداعنا تماماً؛ لكن كما يقول المثل: “يكمن الشيطان في التفاصيل”، فالتفاصيل إذاً المتكلِّم الصامت في حوارات الشخصيات، ولم يَعُد التاريخ الذي يكتبه المنتصرون مصدراً موثوقاً نبني به أرشيفنا الإنساني.

لقد أخذ الكاتب من مقولة: “التعلم في الصغر كالنقش على الحجر”، التفويض لجعل ذاكرة بطل روايته مرجعاً للتاريخ يوثق فيه أحداثاً ومشاهدَ ووقائعَ لن نجد لها بعد الآن أثراً أو مرجعاً.

يمثِّل “نبيل” نموذجاً لعددٍ كبيرٍ من الأطفال المهمَلين في مجتمعاتهم، والذين يعيشون بلا هوية، ويُحرَمون من جنسياتهم وانتمائهم إلى وطنهم الأم، سواءً كانوا نتاج زيجات مختلطة أم لا.

لقد جعل نبيل من مشكلته منطلقاً ليسلط الضوء على مكامن الخلل العديدة في مجتمعه، ويكون سفيراً وناطقاً باسم من عايشوه، حتى يكون لهم صوتاً وصرخة؛ ذلك لأنَّ التألم بصمت ظلم وجرح آخر للمحرومين.

لا يمكننا معالجة مشكلة إن لم نعترف بوجودها أصلاً، فلا تعدُّ ثقافةُ العيبِ والتظاهر لحفظ ماء الوجه أمام الشعوب الأخرى حلَّاً أبداً، فالتعتيم على الحقائق دليل عجزٍ عن قَبول التحديات والإصرار على المُضِيِّ قُدماً، وهو أشبه بشخصٍ قرر إخفاء أوساخ بيته تحت السجادة، ليأتي يوم يكتشف فيه أنَّه كان يحوّل بيته إلى مكبِّ نفايات.

لقد استقرَّ “نبيل” مع أمِّه بعد رحلة تنقلٍ بين بيوت متعددة، في منزلهما الجديد المكوَّن من غرفةٍ من أربعة أمتار، والتحق بروضة أطفال تحمل اسم “أرض البشر” تابعة لبرنامج منظمة سويسرية، والتي أخذت على عاتقها الاعتناء بالأطفال الذين ليس لهم أبٌ يعيلهم، لتتفرغ أمهاتهم بذلك للعمل طوال النهار.

لقد كانت “أرض البشر” واحةً تخفف من قساوة الظروف التي عايشها “نبيل”، حيث بدأ يحصل على التأطير اللازم لطفلٍ في سنه، عوضاً عن العبث الذي كان غارقاً فيه؛ ولكن لأنَّ الأشياء الجميلة لا تدوم، انطلقت قافلة حياة “نبيل” من جديد وسط الصحراء، وذلك بسبب عمره الذي حتَّم عليه الانتقال من الروضة إلى المدرسة؛ لكن استحال على أمِّه تسجيله فيها لعدم حيازته على هوية، ليعيش تحدياتٍ من نوع آخر؛ وكأنَّ الوثيقة هي مَن تصنع إنسانيَّتك، لا أنت مَن يصنع الوثيقة. غير أنَّه استطاع فيما بعد الالتحاق بالمدرسة بعد تدخل أحد الشخصيات بترتيب الصدف التي لعبت بها الأقدار ببراعة؛ لكن بلا أفقٍ واضحٍ طالما أنَّ وضعيته القانونية غير سليمة.

لا تخلو فصول الرواية من مشاهد ومواقف لمراجعاته للسفارة العراقية، وأصناف الردود والوعود التي كان يتلقَّاها، وكأنَّ الوطن بكلِّ مقدراته عاجزٌ عن إنصاف طفل.

بالتوازي مع الدراسة والسعي المتكرر لحلّ مشكلة الجنسية، كانت هناك حياةٌ أخرى في الحيّ الذي يسكنه، والذي كان يُلقَّب فيه بـ “ابن العراقي”؛ ولأنَّ الأطفال يتشاجرون دائماً، كانت تنهال على “نبيل” عبارات مثل: “اذهب للبحث عن والدك”، وهي عبارةٌ يُشتَم بها أبناء العلاقات غير الشرعية؛ ولأنَّه كان يثق بأمِّه كمرجعٍ لكلِّ أسئلته، فقد كان يطرح عليها ما يُنعَت به، وكانت تحكي له أنَّ والده عراقي الأصل، وأنَّها انتقلت بعد زواجها منه في المغرب للعيش معه في العراق، وأنَّها رجعت وهي حاملٌ به إلى المغرب لأنَّ والده أرادها أن تجهضه.

لقد كان “نبيل” يحبُّ التفاصيل، وكانت حواراته مع أمِّه تتفرَّع وتتشعَّب، ليملأ فكره بكلِّ ما تقصُّه له أمُّه عن والده، وتنسج مخيلته شخصية الأب الغائب في فكره وتصوره، مغذياً إياها بما تجود عليه والدته من قصص.

يكبر بطل روايتنا بعد مراحل التعلُّم بكلِّ فصولها وأحداثها، لتضيق عليه القارورة سنة بعد سنة، ويتقاذفه اليأس والأمل، ويصبح مادةً للكثير من الجرائد بعناوين تسخر من وضعه البائس مثل: مجهول يتجول في المدينة؛ وحتَّى مع بداية حياته المهنية، كان الجميع يريد استغلاله وتوظيفه كمهاجرٍ غير شرعي لساعاتٍ طويلة، وبتعويضات هزيلة.

ويستمر الحال هكذا إلى أن يقرر التخلي عن الحياة وبيع أحد أعضائه لضمان مستقبل أمه، حيث تبدأ هنا فصول جديدة بشخصياتها وحواراتها، ومع إعلاميين معروفين في الوسط المجتمعي؛ فقد كان وطنه العراق يمرُّ بتغيرات كبيرةٍ في هذه الأثناء، وكان ذلك التغيير مدخلاً لمحاولة الحصول على هوية تعريفية تنقله من مجهولٍ إلى معلوم.

إنَّها رواية نُسِجت بعواطف مشتعلة وحقيقيةٍ تجعلها حيّةً بين يدي كلِّ من يقرؤها، وهذا الملخّص تعريفي لا أكثر، وقد تمت كتابته بحذر لكيلا يُحرق التشويق في الرواية.

Source: Annajah.net
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!