ملمح الشكل والخط في منجز المصري محمد طوسون
[wpcc-script type=”d2f142c316f638175f4ab3cd-text/javascript”]

تتسم أعمال التشكيلي محمد طوسون بالقوة التعبيرية العميقة، التي تنصهر في سياق تجربة فنية تجريدية معاصرة، مدججة بتقنيات جديدة تتمظهر من خلالها تعبيرات متنوعة، تتصل مباشرة بأفكار المبدع وتصوراته. بتشكيلات متنوعة تروم مجموعة من القيم الفنية التي يلامس بها مادته التشكيلية، عن طريق نهج أسلوب تجريدي تصويري زيتي يضطلع بتقاطعات خطية، تكتنفها الجدلية في البنية التشكيلية، وفي عمليات التكوين.
وهو بذلك يروم إرساء التخصص المبني على القاعدة التجريدية التصويرية الموسومة بحمولة من المعارف المتنوعة والمتشعبة، التي تترصد حزمة من العناصر الجديدة التي تروم التطور والتنمية الجمالية.
وذلك يدل على ثقافة المبدع وعلى إدراكاته الفنية التي تتبدى جلية، من خلال لوحاته التي تنبض بمفردات تعبيرية، يعكسها ملمح الشكل واللون والضوء والظل، وتعكسها التموجات والحركات المتتالية، التي تحدث أنغاما موسيقية تنسجم مع الطبيعة الخطية والتجريدية لأعماله، تبعا لنسق الحركة الدؤوبة، وأيضا للمناحي التي تعكس تصورات المبدع. فالفنان محمد طوسون له من الإمكانات والتقنيات المتميزة ما يؤهله لأن يوظف تصوراته داخل النسيج التشكيلي باستعمالات رمزية وعلاماتية، وفق أسلوب تخصصي مغاير للمألوف، لأنه يتفاعل مع المادة الفنية بنوع من القوة التعبيرية، والجرأة التشكيلية، فيستطيع أن يتحكم في عمليات التدبير الفضائي بكل مقوماته ومستلزماته، ما يخول له أن يبتكر أشكالا ويدججها بالحروفيات وبالعلامات اللونية، وبكثير من الرمزية والإيحاء والإشارة.

وهذا يؤكد لامحالة لغته التشكيلية، ورسالته التعبيرية الملفوفة في نسيج جمالي بديع، يشكل وعاء حابلا بالأشكال والألوان والحروف، فيؤلف بينها وبين كل العناصر والمفردات المليئة بالأحاسيس والمشاعر، وفق رؤية فنية عميقة المغازي والدلالات، تُشعر القارئ بأن الضربات اللونية والعلامات والخطوط والمدسوسات الحرفية، بكثافتها المتحركة المتسمة بالانسيابية، توحي بعمق المادة الفنية وبقوة الشكل، وبجهاز مضاميني. كما أن الحركات الغنائية ترسل نبراتها عن طريق الرؤية البصرية إلى القارئ، في انسجام تام مع محتويات أعماله. ويمكن القول بأن المبدع يتخذ من التعبير اللوني والفضاء الكثيف، مادة أيقونية ليفصح بشكل تدريجي عن عدد من المضمرات، ويكشف مجال الحجب تدريجيا، وبذلك فهو يعبُر المسافات من خلال دوائر حركية وحروف وخطوط وأشكال وألوان، بتوازن دقيق. ليشكل حوارا فنيا وجماليا بين الكتل والمفردات الجمالية، ومختلف العناصر المكونة لأعماله. فيُنشئ عالما فنيا وفق مجموعة أشكال تعبيرية جمالية، في فضاء فني خصب، فتتبدى أعماله مثقلة بالإيحاءات والتدهيشات الفنية، التي تؤشر إلى وجود مسلك فني شاعري، وإن كان في المنظور النقدي يعتبر نسيجا إبداعيا يدخل ضمن الموسيقى والحركة؛ فالمبدع يتوق إلى ابتكار منجز تشكيلي في بُعد جديد، يجعل العناصر البنائية تتناغم مع كل الأشكال التعبيرية المتحركة، ومع المفردات الشكلية المجردة والحروف المرصفة. ليشعل وهج الفضاء اللوني والعلاماتي، بما يتيح عبور المادة التشكيلية نحو نطاق الوجود الحسي البصري، بقدرات مهاراتية عالية، وبتقنيات كبيرة، وهو مطلب متوفر في أعماله. فالمبدع يوفر كل إمكاناته المهاراتية وتقنياته العالية وتجربته العالمة، لإظهار أهم مناحي الجمال في منجزه التشكيلي، وتأكيده في الفضاء في مساحات متنوعة بنوع من التبسيط، ما يجعل منجزه صورة فنية متكاملة، تلامس روح المعاصرة وحداثة الأسلوب، فتتجلى أعماله مجالا تشكيليا حيويا خصبا يغري بالقراءة.
٭ كاتب مغربي
