الإخلاص هو روح الإعمال ، وبه تقبل وبدونه لا وزن لها ولا قيمة عند الله تعالى ، ولئن كان الإخلاص مطلوبـًا وأمرًا رئيسـًا وركنـًا ثابتـًا في قبول أي عمل ليس للدعاة فقط ، وإنما لكل مكلف ، كما هو ثابت ومعلوم في كلام الله وسنة رسوله – صلوات الله وسلامه عليه – : (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِsize=3>)size=3>(البينة:5) ، وقال تعالى : (أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُsize=3>)size=3>(الزمر/3) ، وقال الله تعالى : (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَsize=3>)size=3>(الزمر/2) ، وقال تعالى : (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداًsize=3>)size=3>(الكهف/110) .
وقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوىsize=3> … ” . إلا إنه للداعية يمثل شيئا آخر أكبر من مجرد أنه سبب قبول العمل .
فهذا الإخلاص الذي تكلمنا عنه هو الإخلاص بالمعنى العام ، وليس هذا الذي أقصد توفره في الداعية ، وإنما المقصود في الداعية إخلاص من نوع خاص ، وهو أن يعمل لدعوته بالصدق ، ويعيش معها بأحاسيسه ومشاعره ، فيمرض لضعفها ، وينتشي ويفرح بقوتها ، إذا دعا لم تكن دعوته لمجرد أداء واجب أو إسقاط تكليف أو تخلص من تبعة المساءلة ، وإنما يدعو بحرقة للدين وشفقة على المدعوين ، واستنقاذًا لهم من النار ، وغضب الجبار ، فمثل هذا إذا تكلم خرج الكلام من قلبه فنفع وانتفع ، فإن الموعظة إذا خرجت من القلب وقعت في القلب ، وإذا خرجت من اللسان دخلت من أذن وخرجت من الأخرى ، والعالم إذا لم يرد بموعظته وجه الله زلت موعظته عن القلوب كما يزل القطر عن الصفا .
يقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله – : ” والدعوة النابعة عن إخلاص مع القوة والعزيمة والاعتماد على الله لابد أن تؤثر وتعمل عملها .. ألا ترى إلى قصة موسى حين حشد الناس له ضحىً يوم زينتهم ، وجمع له فرعون كيده ، ثم أتى بأبهته وعزته وكبريائه (قَالَsize=3> لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَىsize=3>)size=3>(طـه/61) فماذا فعلت هذه الكلمة ؟ لقد فرقت كلمتهم وشتتت شملهم في الحال (فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ )size=3>(طـه/62) والتنازع أكبر أسباب الفشل .(رسالة إلى الدعاة/27) .
كان محمد بن واسع يجلس قريبـًا من أحد الوعاظ وهو يعظ الناس ويقول: مالي أرى القلوب لا تخشع ، والعيون لا تدمع ، والجلود لا تقشعر ؟ فقال له محمد بن واسع : ” ما أرى القوم أتوا إلا من قبلك ، إن الذكر إذا خرج من القلب وقع في القلب ” .
نعم : فكم من كلمات ولدت يوم ولدت ميتة ثم ذهبت مع أصحابها لتكون من أصحاب القبور ؟ وكم من كلمات ولدت حية وبقيت فيها الحياة حتى بعد وفاة أصحابها؟ (أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَاsize=3>)size=3>(إبراهيم/24 ، 25) .
واسمع إلى ابن القيم – رحمه الله – وهو يقول : ” كلام الأولين قليل كثير البركة ، وكلام المتأخرين كثير قليل البركة ” .
والسر هو الإخلاص والصدق الذي يمنح الكلمات روحـًا فتبقى سرمدًا أبدًا .
بين الجوانِحَ في الأعماقِ سُكْنَاهَا … فكيف تُنسى ومن في الناس ينساهاsize=3>
الأذن سامعـةٌ والعيـنُ دامعـةٌ … والروحُ خاشعةٌ والقلبُ يَهْوَاهَــاsize=3>
فيا معاشر الدعاة إذا أردتم أن تنفعوا وتنتفعوا فعليكم بالإخلاص، وإياكم والأخرى فتكون العاقبة : (size=3>مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود/15 ، 16) ، وقال تعالى :size=3> (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراًsize=3>)size=3>(الفرقان/23) .