من أعلام الحضارة الإسلامية ” ابن النفيس “

من أعلام الحضارة الإسلامية ابن النفيس العرب والمسلمين ليسوا عالة على الحضارة الإنسانية كما يزعم أعداؤهم وإنما هم فاعلون ومبدعون فيها وعلى الأجيال العربية والإسلامية الشابة أن تعمق ثقتها بحضارتها وأن تستعد لاستعادة مكانتها عبر المشاركة الأوسع في البحث العلمي وفي الإبداع والابتكار والاختراع ابن النفيس..

من أعلام الحضارة الإسلامية " ابن النفيس "

العرب والمسلمين ليسوا عالة على الحضارة الإنسانية كما يزعم أعداؤهم ، وإنما هم فاعلون ومبدعون فيها ، وعلى الأجيال العربية والإسلامية الشابة أن تعمق ثقتها بحضارتها ، وأن تستعد لاستعادة مكانتها عبر المشاركة الأوسع في البحث العلمي وفي الإبداع والابتكار والاختراع .
ابن النفيس عالم موسوعي فهو طبيب عام وطبيب كحال ” عيون ” وعالم بالمنطق والفقه والحديث وبعلم الأصول وباللغة العربية نحوها وصرفها ، وقد اشتهر بلقب ابن النفيس لنفاسة عقله وعمله .

وقد قيل فيه: ( لم يوجد على وجه الأرض قاطبة مثيل له في الطب، ولا جاء بعد ابن سينا مثله. قالوا، وكان في العلاج أعظم من ابن سينا ).
إن أول من تنبه إلى أخطاء جالينوس، ونقدها، ثم اكتشف الدورة الدموية الصغرى لم يكن سرفيتوس الأسباني، ولا هارفي الإنجليزي، بل كان رجلا عربيا من علماء الطب في القرن السابع الهجري الموافق للقرن الثالث عشر الميلادي، وهو ابن النفيس الذي وصل الى هذا الاكتشاف العظيم قبل هارفي بأربعمائة عام، وقبل سرفيتوس بثلاثمائة عام.

اسمه ونشأته
هو أبو الحسن علاء الدين علي بن أبي الحزم المعروف بابن النفيس ، وهو طبيب وعالم ولد بدمشق سنة 607 هـ.
نشأ ابن النفيس بدمشق واخذ علوم الطب علي أيدي أطبائها وبخاصة علي يد كبير الأطباء مهذب الدين والدخوار صاحب مدرسة الدخوارية الطبية بدمشق ثم رحل ابن النفيس إلى مصر واستوطن بها في مدينة القاهرة وأصبح عميد البيمارستان أو المستشفى الناصري “مستشفى قلاوون حاليًا” الذي أنشأه السلطان قلاوون عام 580 الهجري ، كما صار طبيبا خاصا للسلطان ببيرس البندقدارى ملك مصر والشام ، طوال السنوات الاثنتين والعشرين الأخيرة من عمر الظاهر ببيرس وفي القاهرة حظي ابن النفيس باحترام الأطباء والحكام والأمراء.

إنجازاته
لقد بقي العلم قروناً مصراً على تعاليم جالينوس وابن سينا ، وفجأة ظهر ثلاثة من العلماء الأوربيين يصفون الدورة الدموية في القرن السادس عشر بذات الألفاظ التي استخدمها ابن النفيس قبلهم بثلاثة قرون ، وهم ميشيل سرفتوس الإسباني الذي حكم عليه بالإعدام حرقاً بسبب مؤلفه اللاهوتي، وكولومبو في بادوا ، وأخيراً هارفي الإنجليزي الذي درس في بادوا وادعى أنه صاحب الاكتشاف .

ولكن الحقيقة هي “ابن النفيس” هو مكتشف الدورة الدموية الصغرى ، وقال : “إن الدم ينقي في الرئتين ” قبل “سرفيتوس” بثلاثة قرون .
كان “ابن النفيس” مستقلاً في التفكير والرأي ويعارض الآراء وينقدها حتى ولو كانت من جالنيوس أو ابن سينا ، فخرج من ملاحظاته وخبراته إلى أن الدم ينساب من البطين الأيمن إلى الرئة ، حيث يمتـزج بالهواء ثم إلى البطين الأيسر وهي الدورة التي نسميها اليوم بالدورة الدموية الصغرى . وكانت تلك خطوة كبرى اعتمد عليها الطبيب البريطاني هارفي الذي كشف سنة 1628 م الدورة الدموية الكبرى
وقد سجل ابن النفيس اكتشافه هذا في كتابه :” شرح تشريح القانون لابن سينا” حيث يقول ( والذي نقوله نحن والله أعلم ، أن القلب لما كان من أفعاله توليد الروح ، وهي إنما تتكون من دم رقيق جداً شديد المخالطة لجرم هوائي ، فلابد أن يحصل في القلب دم رقيق جداً وهواء ليمكن أن يحدث الروح من الجرم المختلط منهما ، وذلك حيث تولد الروح وهو التجويف الأيسر )

وكان ابن سينا قد ذكر في كتابه القانون أن القلب به بطينان وأن أحدهما مملوء بالدم وهو البطين الأيمن وان الآخر مملوء بالروح وهو البطين الأيسر ، وأنه لا منفذ بين هذين البطينين البتة , وعارض ابن النفيس هذا الرأي ، حين أثبت بالتشريح أن الدم يذهب من البطين الأيمن ، عبر الوريد الشرياني إلى الرئة لينقي بها ويلطف جرمه ثم يعود من الرئة إلى البطين الأيسر وقد لطف جرمه وخالطة الهواء
وبالطبع لم تكن العدسات المكبرة قد اخترعت في عصر ابن النفيس ولم يتم الكشف عن الأوعية الشعيرية إلا بعد قرون ، وبذلك يكون ابن النفيس قد سبق عصره بقرون في اكتشافه للدورة الدموية

مؤلفاته
وكان ابن النفيس معتدًا بمصنفاته إذ نقل المؤرخون أنه قال : لولم أعلم أن تصانيفي تبقى بعدي عشرة آلاف سنة ما وضعتها .
ترك ابن النفيس عدداُ من المؤلفات، منها :

1 ــ “شرح تشريح القانون” وقد شرح فيه باب التشريح من كتاب القانون لابن سينا، وانتقد عدداً من أقواله في هذا الباب. وقد ظل هذا الكتاب مغموراً في المكتبات إلى أن عثر عليه الطبيب المصري الدكتور محي الدين التطاوي سنة 1924 في مكتبة برلين، وقام بدراسته في رسالة لنيل دكتوراه من جامعة فريبورج بألمانيا.
ولهذا الكتاب عناوين مختلفة وفيه شرح غاية في الدقة ، للدورة الدموية الصغرى ، اى الدورة الدموية الرئوية وقد ترجم هذا الكتاب إلى اللاتينية الطبيب الإيطالي ” الباجو” لاول مرة في مدينة البندقية عام(954هـ/ 1547م) وهي الترجمة التي رجع إليها الطبيب الإنجليزي ” وليم هارفي ” الذي يعزى إليه اكتشاف الدورة الدموية الكبرى وقد رجع إليها من قبله الطبيب البلجيكي : ” فيزال”.
يقول ميرهوف في هذا الصدد: (عندما قرأت المقطع الأول من هذا الموضوع ـ أي موضوع دوران الدم الرئوي، في شرح ابن النفيس، فوجئت بشبهه العظيم ببعض عبارات سرفيتوس الأساسية، فكأن المقطع العربي قد ترجم ببعض التصرف إلى اللاتينية).

2 ــ “الكتاب الشامل في الطب”، وهو موسوعة علمية هائلة سماها : “الشامل في الصناعة الطبية” وكان ينوي فيها أن تصل إلى 300 مجلد ، كل مجلد يتناول موضوعًا بذاته وخلال ثلاثين سنة قام بإتمام ثمانين مجلدًا من موسوعته “الشامل” وتوفى قبل تبييض بقية كتب الموسوعة ،

3 ــ “المهذب في الكحل”، وهو مؤلف عن الرمد وطب العيون .

4 ــ “المختار في الأغذية “، وهو كتاب عن الغذاء والحمية.

5 ــ “شرح فصول أبقراط”، توجد نسخة منه في المكتبة الوطنية بباريس والأسكوريال. وقد تم طبعه في إيران عام 1298هـ/1881م.

6 ــ “موجز القانون”، وهو موجز لقانون ابن سينا، يقع في خمسة أجزاء. وتوجد نسخ منه في كل من باريس وأكسفورد، وفلورنسا، وميونيخ، والأسكوريال. وطبع بالإنجليزية لأول مرة سنة 1838م في مدينة كالكوتا بالهند تحت عنوان ”المغني في شرح الموجز” .
ولم يكن هذا الكتاب مجرد تلخيص لكتاب الشيخ الرئيس ابن سينا الشهير (القانون في الطب) وإنما كان مراجعة نقدية علمية تجريبية ، وهذا ما يجعلنا نجد فيه النموذج الراقي لاسلوب الحضارة العربية الإسلامية في تأمل التجربة الإنسانية واستقرائها وإخضاعها للنقد فحصاً وتدقيقاً ، دون استسلام أو إذعان .

وله من المؤلفات أيضاً (شرح تقدمة المعرفة) لابقراط ، و(شرح مسائل حنين بن اسحاق) ، و(شرح الهداية في الطب) لابن سينا، و(بغية الفطن في علم البدن)
ومن مؤلفاته في غير المواضيع الطبية (الرسالة الكاملية في السيرة النبوية)، (وكتاب فاضل بن ناطق)، وهو مجاراة لكتاب (حي بن يقظان) لا بن طفيل، ولكن بطريقة دينية لا فلسفية

وفاته
عاش ابن النفيس طوال حياته مطيعا لربه أمينا لدينه، لا يشغله غير العلم والتعبد، حتى مرض ستة أيام نصحه فيها أصحابه من الأطباء في علته أن يتناول شيئا من الخمر لتسكين الآلام، فأبى أن يتناول شيئا منه، وقال: “لا ألقى الله تعالى وفي بطني شيء من الخمر”.
و توفي بمدينة القاهرة ـ التي أقام بها معظم حياته ـ في 21 ذو القعدة 687 هـ عن عمر قارب الثمانين عاماً.
ولم يكن متزوجاً ، و ترك وصية وهب فيها داره ومكتبته إلى البيمارستان الناصري الذي قضى فيه معظم حياته.

Source: islamweb.net

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *