من اكتشافات كورونا في تونس: مفهوم الدولة بخير

وضع خطر تفشي فيروس كورونا تونس وشعبها أمام اختبار جديد، عكس مساراً ملتزماً ومنضبطاً، على الرغم من الشوائب، في وقت سُمح فيه لحكومة إلياس الفخفاخ بالتهرب من مطالب ملحّة، بحجة ترتيب الأولويات.

Share your love

اتخذت الحكومة التونسية قرارات استثنائية (فتحي بلعيد/فرانس برس)من اكتشافات كورونا في تونس: مفهوم الدولة بخير
رفع فيروس كورونا الغطاء عن أمورٍ كثيرة في تونس، وكشف ثغراتٍ في المجتمع والأنفس كانت مخفية عن الأنظار. ظهر الفيروس في منطقة ووهان الصينية، التي لم يكن التونسيون يعرفون عنها شيئاً، باستثناء أن عدداً قليلاً من شبابهم توجه إليها للدراسة. هي جزء من الصين التي تبعد كثيراً عن تونس، ونظراً لاتساع المسافة، كان بعض المعلمين وخطباء المساجد يرددون أثراً نسبوه إلى الرسول: “اطلبوا العلم ولو في الصين”. لكن بسبب العولمة، وجد التونسيون أنفسهم يواجهون الخطر ذاته الذي تواجهه بقية شعوب العالم.

في البدء، لم يصدقوا الحكاية، لكن شيئاً فشيئاً انخرطوا تدريجاً في مسار لم يعرفوا شبيهاً له من قبل. وعلى الرغم من أن تونس لا تزال في المرحلة الثانية من تفشي الفيروس، إلا أن الحكومة قررت القيام بخطوة استباقية، واتخذت جملة من القرارات الاستثنائية. للمرة الأولى، يسمع المؤمنون أذان الصلاة ولا يستجيبون لنداء المؤذن الذي يحثهم على البقاء في بيوتهم والتعبد بين أهاليهم. قصة غريبة لا تُصدق، لكنها أصبحت فجأة مقبولة في سياق مقاومة الوباء الجديد. وعندما استنكر البعض هذا القرار، مثلما فعل رئيس الجامعة الزيتونية هشام قريسة، جوبه بالفتوى الصادرة عن اتحاد علماء المسلمين الذي اعتبر أنه في ظلّ الخطر القائم، فإن إقامة صلوات الجماعة والجمعة تصبح “غير ملزمة شرعاً”. وقد فُتح جدلٌ حول المسألة، لكن عموم التونسيين قبلوا بالقرار السياسي، وعبّروا بذلك عن وجود ثقة بالدولة وأجهزتها. وما كان خيالاً، أصبح ممكناً بعدما شاهد الجميع الحرم المكّي خالياً من “الطَّائِفِينَ والعاكفين والركع السجود”.

كل المؤشرات تدل على أن السلوك الجماعي يتغيّر بنسق متسارع في اتجاه أن يقبل التونسيون البقاء في بيوتهم عندما تأمرهم السلطات بذلك، حمايةً لأنفسهم وغيرهم. وقد بدأت وسائل الإعلام تهيئهم لمثل هذا الاحتمال. ولعل النداءات المتكررة التي وجّهها أطباء ومنظمات مجتمع مدني، هي التي دفعت الحكومة التونسية إلى الإسراع باتخاذ القرارات الأخيرة. هناك مخاوف لدى الجهات الصحية من أن تنتقل تونس في ظرفٍ وجيز إلى المرحلة الثالثة على الشاكلة الإيطالية. فالبنية الصحية المحلية مختلفة كثيراً عن إيطاليا التي تجد نفسها تعاني أزمة غير مسبوقة. فالأطباء، بحكم كونهم يمثّلون الآن جدار الصدّ الأول في وجه هذا الخطر، شعروا بارتياح عندما استجابت الحكومة لنداءاتهم المتكررة، وقررت إغلاق الحدود مع البلدان الموبوءة، خصوصاً إيطاليا، وبشكل أقل فرنسا وإسبانيا ومصر، وهو ما استجاب له رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ بعد جدل في مجلس الوزراء بين وزيري الصحة والنقل، عبد اللطيف المكي وأنور معروف.


في المقابل، هناك وجهٌ آخر كشف عنه بعض التونسيين الذين لم يستجيبوا لإجراء الحجر الصحي الذاتي الذي بفضله تمكّن الصينيون من محاصرة الوباء. لقد تمرد الكثيرون على ذلك، ومنهم من غادروا منازلهم وتحوّلوا إلى المقاهي قبل غلقها، وحضروا حفلات عامة وخاصة، وهو ما شكّل خطراً على البلاد. هناك من توجّه إلى المطار وعرّض ركاب الطائرة التي أقلته إلى مدينة ليون الفرنسية للخطر من دون إعلام السلطات التونسية والفرنسية بكونه مصاباً بالفيروس، وهو ما دفع السلطات إلى إصدار إجراءات زجرية ضد المخالفين، بما في ذلك إجبار الأشخاص على البقاء في منازلهم، وذلك بتدخّل من النيابة العمومية لفرض الحجر وحماية المجتمع بقوة القانون والأمن.

ما عجزت السلطات عنه حتى الآن، هو إقناع المواطنين بالتوقف عن شراء المواد الغذائية بطريقة جنونية خوفاً من الأيام المقبلة. ووفر ذلك مناخاً ملائماً للمحتكرين الذين لا تهمهم مصلحة المواطنين، خصوصاً ذوي الدخل المحدود، إذ ارتفعت أسعار بعض المواد بشكل تصاعدي وبنسق يومي.

على الصعيد السياسي، كان وقع كورونا مزدوجاً. فمن جهة، تحمّلت الحكومة والمؤسسات الاقتصادية خسائر مؤلمة في ظرفٍ شديد الصعوبة. أولى القطاعات المتضررة هي: السياحة، الخطوط الجوية والبحرية، التجارة الخارجية، وكل المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المهددة بالغلق. هذا الأمر دفع وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي سليم العزابي، إلى نشر تدوينة جاء فيها أن الوزارة “تبحث مع المنظمات الوطنية والدولية دراسة سبل مرافقة المؤسسات المتضررة جرّاء أزمة كورونا والتخفيف أكثر ما يمكن من انعكاسات هذا الوباء على الاقتصاد الوطني”. لكن من جهة أخرى، وجدت الحكومة، ومن خلفها الأحزاب التي شكلتها، فرصة للتملص من مطالب شرائح عديدة كانت تضغط منذ فترات سابقة من أجل تحقيقها. فالوباء يمثل عذراً منطقياً يمكن الاستناد إليه لإعادة ترتيب الأولويات. من يتجاهل ذلك يمكن اتهامه بـ”الخيانة الوطنية”.

رجال الأعمال، من جهتهم، أدركوا أن الفيروس ليس خدعة، وأن من مصلحتهم الوقوف إلى جانب الحكومة من أجل مقاومة شاملة له. لذا، دعا بعضهم إلى إنشاء صندوق، الهدف منه دعم جهود الدولة في هذا المجال، وتبرعوا بـ800 ألف دينار، وحثوا البقية على مساندة هذه المبادرة. كذلك بدأت تتجند قوى المجتمع المدني لحملات تطوعية في مجالات متعددة. وأعلن الاتحاد العام التونسي للشغل، وبقية النقابات إلغاء مختلف الإضرابات والاحتجاجات ذات الطابع الاجتماعي.

جاءت البشرى من الصين، حيث أعلمت بكين رئاسة الجمهورية التونسية بأنها سترسل معدات لمقاومة الفيروس، من بينها قفازات وكمامات ووسائل أخرى. كذلك فإن فريقاً طبياً صينياً من الطراز الرفيع في طريقه نحو تونس يحمل معه معدات وأدوية، وُصفت بالفعالة، مضادة لفيروس كورونا. خطوة سيكون لها تأثير كبير بمستقبل العلاقات التونسية الصينية.

 

Source: alaraby.co.uk
شارك

اترك ردّاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Stay informed and not overwhelmed, subscribe now!