وإذا كنا نحن في مقدمة المطالبين بهذه الوقفة الحازمة ضد مرتكبي جرائم الاغتصاب والانحراف بشتى صوره.. إلا أننا نتساءل: هل يعتبر هذا هو الحل الوحيد أم أن هناك إطارًا اجتماعيًّا ومناخًا عامًّا يجب أن يكون سائدًا منذ البداية؟
وما هي ملامح هذا المناخ؟ وما هي الأسباب الحقيقية والعوامل التي تحول دون وجوده؟
يقول الدكتور أحمد عبد الرحمن أستاذ علم الأخلاق بالجامعات المصرية والعربية السابق: بصفة عامة الفرد الفاضل نتاج مجتمع فاضل، فنحن أبناء مجتمعنا نتلقى من الأسرة والمدرسة والبيئة والقدوات الموجودة حولنا ومن المسجد.. كل هذه المصادر تربينا وتشكل سلوكياتنا، فإذا أرادنا مجتمعًا فاضلاً أفراده فاضلون، لابد أن ندقق فيما تقدم هذه الجهات المؤثرة ونحاسب أنفسنا حسابًا عسيرًا.. ونحن لا نفعل هذا، فالأسرة لا ترعى أولادها.. حيث ينشغل الوالدان بالعمل ويتركان أولادهما للتليفزيون وزملاء الشارع أو النادي .. والمدرسة.. المدرس نفسه قدوة سيئة وبعضهم يتحدث عن غرامياته في الفصل، فهناك تسيب إداري وأخلاقي.. كل إمكاناتنا التربوية والتثقيفية تبنى مجتمعًا غير إسلامي.. فالإعلام دومًا يتحدث عن الفن الذي تحرر من وصاية الدين والأخلاق.. والمذيعة لا تظهر محجبة.. تلك هي القدوات التي نقدمها للشباب بقصد وعمد وتخطيط.. ثم نبكي على هذه الظواهر.
أما الدكتورة إجلال خليفة أستاذ الصحافة في كلية الإعلام بجامعة القاهرة فتقول: الإعلام يدعو إلى الرذيلة ويحث على الفحشاء.. فترى في كل الأغاني والأفلام.. سمة المرأة الرئيسية.. راقصة في معظم المستويات وكل شرائح المجتمع حتى الخادم والخادمة.. الإعلانات كلها رقص.. كل شيء يرقص حتى برامج الأطفال.. والتليفزيون بالذات يقتحم على الناس بيوتهم وأصبح قدوة وأبًا ثالثًا، بل إنه أصبح في كثير من البيوت المربي الوحيد للأولاد، فلنتق الله في أطفالنا وشبابنا.. لماذا لا يعبر الفن عن الأنشطة الإنسانية ككل؟! لماذا نركز على الغريزة الجنسية فقط، نغفل الفطرة الطيبة؟ لماذا لا نرى الدين إلا في المناسبات رغم أن الدين هو الحياة ويجب أن يشمل كل سلوكياتنا ويهذب كل جوانب حياتنا؟!!
لقد جعل الله تعالى صناعة الكلمة قسمين: “كلمة طيبة وكلمة خبيثة”.. والإعلام للأسف يقدم 0.5% كلمة طيبة، والباقي كلمات خبيثة، وأنا لست ضد أو مع أحد.. لكن إذا حللناها سنجد معظم ما يقدم ينافي الحياء ويخل بالآداب العامة.. لقد أدرك أعداء الإسلام أن الكلمة أخطر من الصاروخ؛ لأنها تشكل الإنسان وتستعمره وتحوله من منتج إلى شرير معتد، ومن أجل ذلك تنفق الملايين على الإذاعات الموجهة لإفساد الشباب.. فالإعلام هو الاستعمار الحديث.. كل الدول الحديثة عندها إذاعات موجهة للاستحواذ على مشاعر الشعوب وعقليتها.. فيرسلون جيوشًا من الكلمات عبر الأثير سواء مقروءة أو مسموعة أو مرئية.. إذا لم نوجهها هنا ونحمي الناس بكلمة طيبة فسوف تحقق أهدافها.
أما الدكتور كمال الدين حسين، بكلية رياض الأطفال جامعة القاهرة، فيرى أن: الظواهر الاجتماعية إفراز لبنية اجتماعية تعاني من الانفصام؛ فالأب اليوم لم يعد النموذج القدوة في البيت من خلال عجزه الاقتصادي عن تلبية احتياجات الأسرة.. الأبناء فقدوا الأمان والدفء الأسري لانشغال الأبوين في ملاحقة تلبية الاحتياجات الدنيوية.. ناهيك عما يتلقاه الأطفال من الأجهزة الإعلامية وما يشاهدونه من مثيرات عن طريق الإعلانات أو الأعمال الدرامية دون المستوى والتي تبعد عن مناقشة المشاكل الحقيقية للواقع أو من خلال الصحافة التي تحاول أن تجمل كل الأشياء بدون مراعاة للصدق ومن غير منطق ولا موضوعية، الأمر الذي يفقدها كل مصداقية مما يؤدي بالضرورة إلى خلق أجيال تفقد القدرة على التمييز بين الحق والباطل.. واختلال المعايير أو اختلال في السلوك والممارسة.
**ما هو الحل؟***
وعن المنهاج السليم لتنشئة الطفل تتحدث الدكتورة إنشراح الشال فتقول: لقد حدد الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا كيفية التنشئة السوية للطفل.. فقد بدأ التعهد بتربيته من مرحلة مبكرة تسبق وجوده على الأرض سعيًّا لإيجاد الأسرة التي تحميه من الانحراف فأوصى باختيار الزوجة الصالحة ” فاظفر بذات الدين تربت يداك “، كما أكد على قبول الخاطب الصالح: “إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه..”. كما أرشدنا إلى ضرورة الانضباط الخلقي بكل معانيه حتى يكون الأبوان قدوة في مجال العفة والالتزام الديني والخلقي. فأكد على ضرورة استئذان الطفل على أبويه قبل البلوغ في أوقات ثلاثة وهي فترة النوم من بعد صلاة العشاء وقبل طلوع الفجر ووقت القيلولة ظهرًا، حيث يغلب أن يكون الأبوان قد نزعا ثيابهما. أو تكون الأم في وضع لا يجوز أن يراها فيه الطفل، فإذا بلغ الطفل الحلم وجب أن يستأذن في كل الأوقات.
كما علمنا القرآن الكريم كذلك الاحتشام في اللبس وعدم إظهار المفاتن لعدم إثارة الفتنة، والتحشم في الألفاظ والحديث، وأوصانا النبي r بالتفرقة بين الأولاد في المضاجع، فقال: “و فرقوا بين أولادكم في المضاجع”.
بهذا ينشأ الطفل على الحياء وتأخذ الغريزة الجنسية مسارها الطبيعي في التكون والظهور، ويكون الطفل أقل تجاوبًا مع صور الانحراف التي لا يخلو منها أي مجتمع.. ولكني أنادي بضرورة تكاتف المؤسسات التربوية المشتركة في تنشئة الطفل حتى لا أبني من ناحية وغيري يهدم من ناحية أخرى على الأقل تلك التي تقتحم علينا بيوتنا كالتليفزيون. فمتى نتقي الله في أطفالنا وشبابنا وهم مستقبل هذه الأمة؟!
ـــــ
مجلة “هاجر” ع 25 بتصرف.